حشود للنظام تقلق جنوب سوريا من تكرار «سيناريو الصنمين»

روسيا توسطت وأبعدت معارضين إلى الشمال

عبارة كتبت على أحد شوارع ريف درعا (الشرق الأوسط)
عبارة كتبت على أحد شوارع ريف درعا (الشرق الأوسط)
TT

حشود للنظام تقلق جنوب سوريا من تكرار «سيناريو الصنمين»

عبارة كتبت على أحد شوارع ريف درعا (الشرق الأوسط)
عبارة كتبت على أحد شوارع ريف درعا (الشرق الأوسط)

أثار خبر اعتقال سيدة من درعا البلد موجة من الاحتجاجات والتنديدات التي أطلقها عشرات من أبناء المدينة الجمعة الماضي، في وقت يسود فيه قلق من تكرار سيناريو اقتحام النظام لمدينة الصنمين الذي انتهى بإجلاء معارضين إلى شمال سوريا بوساطة روسية، في ضوء وصول تعزيزات من النظام إلى الجنوب.
وكانت تصاعدت أصوات المحتجين في ساحة المسجد العمري في درعا البلد بهتافات وشعارات تندد باستمرار حالات الاعتقال والخطف والاغتيال، بمشاركة عدد من أعضاء لجنة التفاوض في درعا البلد. كما شارك أبناء المدينة في وقفة احتجاجية يوم الأربعاء الماضي الذي تم به اعتقال السيدة.
وقالت مصادر محلية في درعا البلد لـ«الشرق الأوسط» إنه تم إطلاق سراح السيدة المنحدرة من بيت «زرزور» يوم السبت 7 مارس (آذار) 2020، بعد أيام على اعتقالها في مدينة درعا المحطة، وسط احتجاجات مستمرة في المدينة منذ يوم اعتقالها الأربعاء الماضي.
وأضافت المصادر أن مشهد الاحتجاجات بدأ يتصاعد في مدينة درعا البلد منذ يوم الأربعاء الماضي 4 فبراير (شباط)، على خلفية اعتقال سيدة من مدينة درعا البلد في أثناء وجودها في حي المطار في مدينة درعا المحطة، حيث المربع الأمني هناك، وأن المعتصمين قطعوا الطرقات داخل درعا البلد، وأطلقوا عيارات نارية بالهواء تعبيراً عن غضبهم. كما وجه أحد أعضاء لجنة التفاوض في درعا البلد رسالة توضح ضرورة إيقاف عمليات الاعتقال والخطف والقتل، وإطلاق سراح المعتقلين، لاستمرار العيش بسلام وأمان، وأن عدم إظهار مصير السيدة التي اعتقلت في درعا المحطة لن تحمد عقباه، وسط حالة توتر الشارع، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات من أبناء المدينة على خلفية اعتقال النساء. وانتشرت صورة جدارية في مدينة درعا البلد، كتب عليها: «أطلقوا حرائرنا وإلا أطلقنا ذخائرنا». وأظهر شريط مصور تهديدات من أبناء درعا البلد بعودة استخدام القوة العسكرية إذا لم يتم الإفراج عن السيدة.
وأشار المصدر أن عشرات المعتقلين والمعتقلات من أبناء درعا البلد ما زالوا في سجون النظام السوري، رغم إبرام اتفاق التسوية في عام 2018، وتلقي الأهالي وعود كثيرة بخروج المعتقلين، إضافة إلى اعتقال عدد من أبناء المدينة بعد اتفاق التسوية، واستمرار عمليات الاغتيال والخطف التي تشهدها المدينة، وتستهدف أبناءها، سواء كانوا من عناصر سابقة في فصائل المعارضة أو منتسبين إلى قوات النظام، والتي يتهم السكان المحليون القوات الحكومية والأجهزة الأمنية بتنفيذها، ليعود المدنيون إلى تصعيد احتجاجاتهم، عبر تنظيم مظاهرات ترفع الشعارات ذاتها التي طالبوا بها منذ 9 سنوات في بدايات الثورة السورية، وانطلاقها من درعا البلد.
وقال الناشط زياد الحوراني (اسم مستعار) من ريف درعا الغربي لـ«الشرق الأوسط» إن «مناطق الريف الغربي في درعا شهدت في الآونة الأخيرة حالة توتر واحتقان، بعد هجوم قوات النظام على مدينة الصنمين يوم الأحد الماضي 1 مارس 2020 الذي انتهى بوساطة الفيلق الخامس في الجنوب الذي تشرف عليه روسيا، بقيادة أحمد العودة (أحد قادة فصائل المعارضة سابقاً)، والتوصل إلى اتفاق قضى بتهجير 21 مقاتلاً من المعارضة في الصنمين إلى ريف حلب، بينهم 3 جرحى، وتسوية أوضاع 50 آخرين فضلوا البقاء في المدينة وتسوية أوضاعهم، ومنهم من انضم لقوات الفيلق الخامس، بعد هجوم استمر يومين على أحياء المدينة التي كان يتمركز بها عناصر المعارضة، ومقتل قائدهم (وليد الزهرة)، في حين لاقى نبأ الهجوم على مدينة الصنمين اتساع العمليات ضد قوات النظام في المنطقة، حيث شن مجهولون هجوماً على حواجز وقطع عسكرية للنظام في درعا، تمكنوا خلالها من أسر عدد من عناصر النظام وأخذ سلاحهم. كما خرجت مظاهرات في عدد من مدن وبلدات محافظة درعا، كان أكبرها في ساحة المسجد العمري بدرعا البلد، وساحة القلعة في بصرى الشام، وقطعت طرق رئيسية في المحافظة رداً على اقتحام مدينة الصنمين».
وأوضح الحوراني أن قوات النظام في اليوم التالي للهجمات التي تعرضت لها مواقعها في ريف درعا الغربي، عززت عدداً من قطعها العسكرية والحواجز المنتشرة بين مناطق التسويات هناك، وثارت إشاعات تحدثت عن إرسال تهديدات لمدينة طفس بنية اقتحامها.
وأكد المصدر أن لا صحة لهذه الإشاعات، وأن النظام أرسل إلى وفد التفاوض في مدينة طفس بضرورة إطلاق سراح الأسرى من عناصره الذين تم احتجازهم مؤخراً، وتسليم السلاح الذي أخذوه منهم، وتم التوصل إلى اتفاق بوساطة الفيلق الخامس، وتسليم 52 عنصراً من عناصر النظام الذين تم احتجازهم على عدد من حواجزه ومقراته المنتشرة في ريف درعا من قبل مجموعات كانت تتبع للمعارضة المسلحة، رداً على الحملة العسكرية على مدينة الصنمين، وتسليم السلاح الذي أخذوه بعد وصول المهجرين من الصنمين إلى ريف حلب.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن التعزيزات العسكرية الأخيرة التي استقدمها النظام إلى محيط مدينة طفس أثارت مخاوف من تكرار سيناريو الصنمين في المنطقة، لكن الوضع في مناطق التسويات بريف درعا الغربي، كمدينة طفس ومناطق حوض اليرموك، يختلف عن مدينة الصنمين المحاصرة أساساً، بينما مناطق الريف الغربي مفتوحة بعضها على بعض، ويقتصر وجود النظام بها على وجود رمزي. كما أنها مناطق أجرت اتفاق التسوية مع الجانب الروسي بشكل مباشر، وما تزال أعداد كبيرة فيها تملك سلاحها الفردي، وترفض التهجير إلى شمال سوريا في اتفاق التسوية عام 2018، مما يجعل تطبيق سيناريو الصنمين في مناطق أخرى من درعا أمر له تبعات مغايرة، لا سيما أن روسيا تعهدت بالحفاظ على أمن المنطقة، وعدم عودة الأعمال العسكرية إليها، أمام دول إقليمية، قبيل بدء المعارك في جنوب سوريا التي كانت خاضعة لاتفاق لوقف إطلاق النار جرى سابقاً بين روسيا وأميركا والأردن.
وأكدت مصادر خاصة أن الجانب الروسي، خلال جولات التفاوض المتعلقة بمدينة الصنمين، برر سيطرة النظام السوري على كامل مدينة الصنمين بأنها من المناطق التي لم توقع على اتفاق التسوية جنوب سوريا في يوليو (تموز) 2018، ولم يلتزم عناصر المعارضة فيها باتفاق التسوية الخاص بهم الذي وقعوه مع قيادات عسكرية في درعا، إضافة إلى وجود كثير من الادعاءات الشخصية بحق عناصر المعارضة الذين كانوا في المدينة، لا سيما مع مقتل أعداد كبيرة من ضباط وعناصر النظام في المدينة، جلهم من العناصر التابعة لوزارة الداخلية. كما أكد الجانب الروسي ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة مناطق التسويات جنوب سوريا، وعدم ارتكاب خروقات من أطراف الاتفاق.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.