فقدت أسعار النفط ما يصل إلى ثلث قيمتها أمس (الاثنين)، في أكبر خسائرها اليومية منذ حرب الخليج عام 1991، بعد أن انسحبت روسيا من اتفاق «أوبك+» يوم الجمعة الماضي، وأعلنت عدم التقيد بحصص الإنتاج، بداية من أبريل (نيسان) المقبل. وتبعت ذلك إشارات سعودية برفع الإنتاج.
ويأتي هذا فيما يتسبب تفشي فيروس «كورونا» بالفعل في فائض بالإمدادات في السوق، وهو ما عمق خسائر برنت أمس، ليلامس 30 دولاراً للبرميل، حتى أن خام غرب تكساس الوسيط بلغ 27 دولاراً للبرميل.
وسارعت روسيا إلى إعلان أنها يمكنها التكيف مع أسعار للنفط بين 25 دولاراً و30 دولاراً للبرميل لفترة من 6 إلى 10 سنوات مقبلة، وفق وزير المالية الروسية التي قالت، أمس، إنها قد تلجأ إلى صندوق الثروة الوطني للبلاد لضمان الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي، إذا استمر نزول أسعار النفط. وحتى الأول من مارس (آذار) الحالي، حوى الصندوق أكثر من 150 مليار دولار، أو 9.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
ومن جانبه، قال وزير الطاقة الروسي، أمس، إن قطاع النفط في بلاده سيظل قادراً على المنافسة، والمحافظة على حصته السوقية، بصرف النظر عن توقعات الأسعار. وأوضح الوزير ألكسندر نوفاك، في اجتماع مع رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، أن تراجع أسعار النفط لن يؤثر على قطاع النفط الروسي، فـ«صناعة النفط الروسية تملك قاعدة موارد عالية الجودة، وهامشاً كبيراً من القوة المالية، لتظل قادرة على المنافسة عند أي مستوى سعر متوقع، فضلاً عن المحافظة على حصتها السوقية».
غير أن فاتح بيرول، مدير وكالة الطاقة الدولية، قال، أمس، إن «لعب الروليت الروسي في أسواق النفط ربما يكون له عواقب وخيمة»، مضيفاً أن أسعار النفط دون 25 دولاراً للبرميل ستؤدي إلى توقف عمليات التطوير الجديدة للنفط الصخري في الولايات المتحدة.
ويُنهي تفكك المجموعة المعرفة باسم «أوبك+»، التي تضم «أوبك» علاوة على منتجين مستقلين من بينهم روسيا، تعاوناً استمر لما يزيد على 3 سنوات لدعم السوق، ما قد يقود إلى حرب أسعار في السوق، ليست في مصلحة أي من منتجي النفط.
وقلصت بنوك كبرى توقعاتها لنمو الطلب، وتوقع بنك «مورغان ستانلي» أن يسجل نمو الطلب في الصين صفراً في 2020. كما توقع «غولدمان ساكس» انكماشاً قدره 150 ألف برميل يومياً في الطلب العالمي. وخفض «غولدمان ساكس» أيضاً توقعاته لخام برنت إلى 30 دولاراً في الربعين الثاني والثالث من عام 2020.
توقعات قاتمة من وكالة الطاقة
قالت وكالة الطاقة الدولية، أمس، إن الطلب العالمي على النفط يتجه للانكماش في عام 2020، للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، في ظل تعثر النشاط الاقتصادي العالمي بسبب فيروس «كورونا».
وتوقعت الوكالة أن يبلغ الطلب على النفط 99.9 مليون برميل يومياً في 2020، لتخفض بذلك توقعاتها السنوية بقرابة مليون برميل يومياً، وأشارت إلى انكماش قدره 90 ألف برميل يومياً، في أول تراجع للطلب منذ عام 2009.
وتابعت، في تقرير لتوقعاتها متوسطة الأجل، أنه في حال فشل الحكومات في احتواء تفشي فيروس «كورونا»، فإن الاستهلاك قد ينخفض إلى ما يصل إلى 730 ألف برميل يومياً.
وأدى تفشي الفيروس إلى تراجع حاد في النشاط الصناعي، خاصة في الصين واقتصادات آسيوية أخرى، وكذلك إيطاليا، وهي إحدى المناطق الأكثر تضرراً خارج الصين. وأدى التفشي إلى تباطؤ في الطلب على النقل البري والجوي.
وناشد فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، المنتجين «التصرف بعقلانية» في مواجهة أزمة «كورونا»، بعد انهيار اتفاق للحد من الإنتاج بين «أوبك» وروسيا ومنتجين آخرين الأسبوع الماضي، مما دفع أسعار النفط للهبوط.
وقال بيرول إن انخفاض أسعار النفط قد يضع كثيراً من الدول الرئيسية المنتجة للخام، مثل العراق وأنغولا ونيجيريا، تحت ضغط مالي «هائل»، ويتسبب في ضغوط اجتماعية.
غير أن الوكالة قالت إنه بعد الصدمة التي مُني بها الطلب في 2020، من المتوقع تعافي استهلاك النفط بقوة، وارتفاعه بواقع 2.1 مليون برميل يومياً في عام 2021، مشيرة إلى أنه من المقرر بعد ذلك أن يتباطأ النمو، ويرتفع بواقع 800 ألف برميل يومياً فقط بحلول عام 2025، بسبب نمو أبطأ في الطلب على وقود النقل، في ظل تطبيق الحكومات لسياسات تحسن من كفاءة محركات السيارات، وتخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقال بيرول: «أزمة فيروس (كورونا) تزيد من الغموض الذي تواجهه صناعة النفط العالمية، في وقت تبحث فيه عن استثمارات واستراتيجيات أعمال جديدة».
ورغم أن الطلب على النفط سيغير اتجاهه كثيراً، فإن الوكالة أبقت على توقعاتها لإمدادات النفط العالمية كما هي إلى حد بعيد، حيث من المقرر أن تنمو الطاقة الإنتاجية بواقع 5.9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، لتتجاوز بذلك الطلب قليلاً.
وقالت الوكالة إنه من المقرر أن يأتي معظم النمو في الإنتاج من توسع في النفط الصخري الأميركي، وكذلك زيادة الإنتاج في البرازيل وجيانا وكندا. ويعني التوسع في إنتاج العراق والإمارات، بما يعوض انخفاض الإنتاج في ليبيا وفنزويلا، أن إنتاج دول منظمة «أوبك» سيرتفع بواقع 1.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025.
سباق لشراء عقود أبريل
نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن 4 مصادر قولهم، أمس، إن ما لا يقل عن 4 شركات تكرير آسيوية، من بينها «هندوستان بتروليوم» و«بهارات بتروليوم» في الهند، تعتزم زيادة مشترياتها من نفط الشرق الأوسط تحميل أبريل (نيسان) إلى الحد الأقصى، بعد أن خفضت السعودية بشكل كبير الأسعار للمشترين بعقود محددة الأجل.
وكانت شركة النفط السعودية العملاقة «أرامكو»، أكبر مصدر للنفط في العالم، قد خفضت يوم السبت سعر بيع خامها العربي الخفيف لآسيا لشهر أبريل (نيسان) إلى خصم قدره 3.10 دولار عن متوسط الأسعار المعروضة لخامي عمان ودبي، بانخفاض 6 دولارات للبرميل عن سعر مارس (آذار)، وذلك في أكبر انخفاض في السعر على أساس شهري.
وقالت المصادر إنها ما زالت تنتظر إعلان بقية منتجي الشرق الأوسط، كالكويت والعراق، للأسعار الرسمية لبيع الخام المقررة بحلول العاشر من كل شهر. وقالت المصادر، وفق «رويترز»، إن شركات التكرير الأربع تتطلع لشراء أكبر قدر ممكن من الخام بسعر بخس، بموجب عقودها طويلة الأجل مع منتجي الشرق الأوسط، حتى في الوقت الذي خفضت فيه بعض شركات التكرير الآسيوية معدلات معالجة الخام، بسبب أعمال صيانة موسمية للمصافي، وتفشي فيروس «كورونا» الذي قلص الطلب العالمي على الوقود.
وقال أحد المصدرين إن شركته تطلب مليوني برميل إضافيين تحميل أبريل (نيسان)، علاوة على الكمية القصوى التي عادة ما تحصل عليها، بموجب عقدها طويل الأجل مع السعودية. وأضاف أنه من المخطط تخزين هذا الخام في صهريج عائم.
وقال المصدر الثاني في شركة تكرير تسعى لطلب الحد الأقصى من مشتريات الخام السعودية إن المملكة أبلغت بعض المشترين أنه بإمكانها تلبية احتياجات العملاء لتحميل أبريل (نيسان). وأضاف: «(أوبك) بها طاقة إنتاجية فائضة، وكذلك روسيا. الآن، هي حرب أسعار».