جدولة ديون السندات بغياب «صندوق النقد» تُفقد المصارف السيولة

عون يصرّ على لائحة بأسماء التحويلات للخارج

TT

جدولة ديون السندات بغياب «صندوق النقد» تُفقد المصارف السيولة

لم يتفاجأ الوسط السياسي والشعبي في لبنان بإعلان رئيس الحكومة حسان دياب في كلمة وجّهها إلى اللبنانيين بتعليق دفع سندات الـ«يوروبوندز» التي تستحق سداد دُفعتها الأولى اليوم، لكن تأجيل سدادها لم يكن مقروناً بخطة متكاملة تتضمن رزمة من الإجراءات والتدابير تفتح الباب أمام التفاوض مع حاملي هذه السندات، بدلاً من أن تقتصر كلمته على وعود إصلاحية ستقوم بها الحكومة، رغم أنه كان تعهد في بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه ثقة البرلمان بإنجاز خطة طوارئ إنقاذية، قبل نهاية الشهر الماضي.
وقالت مصادر سياسية مواكبة لقرار الرئيس دياب بتعليق دفع هذه السندات لـ«الشرق الأوسط» إن موقفه لقي تأييداً شعبياً على خلفية قوله إن الاحتياطي بالعملات الصعبة لدى «البنك المركزي» يمر حالياً في مرحلة حرجة وخطيرة، وإن الامتناع عن الدفع سيسمح بتأمين المال لتوفير الاحتياجات الضرورية للبنانيين، ورأت بأنه كان يُفترض أن تحسم الحكومة أمرها بما يتيح لها البدء في التفاوض مع حاملي السندات قبل أسبوعين من استحقاق سدادها. وسألت المصادر نفسها عن الأسباب التي كانت وراء تلكؤ الحكومة في التحضير لبدء المفاوضات، ما دامت على معرفة كاملة بتراجع الاحتياطي لدى «مصرف لبنان»، إضافة إلى أن موقف «الثنائي الشيعي» يصبّ في الدعوة للامتناع عن سداد السندات وهذا ما عبّر عنه رئيس البرلمان في أكثر من مناسبة.
كما أبدت المصادر استغرابها من خلوّ كلمة دياب من أي إشارة لـ«صندوق النقد الدولي» مع أنه استعان به لتقديم مشورة فنية وتقنية للحكومة. وقالت: «يجب عدم تجاهل دور الصندوق، لأنه هو وحده الذي يؤمّن ضخ السيولة بالعملات الصعبة، حتى لو كان تجاهله يُحدث ارتياحاً لدى (حزب الله)، الذي يتّهم الصندوق بأنه يريد أن يفرض وصايته على لبنان». ولفتت المصادر نفسها إلى أنه ليس صحيحاً إصدار الأحكام بالنيات على «صندوق النقد»، قائلة إن الفرصة تبقى متاحة للتفاهم معه على شروط مقبولة للتعاون. واعتبرت أن القفز فوق أي شكل من أشكال التعاون معه سيؤدي إلى إقفال الباب أمام تحريك المجتمع الدولي لمساندة لبنان مالياً.
وأضافت المصادر متسائلة: كيف يستعد لبنان لجدولة الديون مع إصراره على تغييب أي دور لـ«صندوق النقد» الذي يُعتبر حالياً الرافعة الوحيدة لتأمين ضخ السيولة، مشيرة إلى أن بري ناقش في اجتماع بعبدا مع سلامة وصفير مسألة السماح للبنانيين بالتحويلات بالعملات الصعبة إلى الخارج. وأضافت أن سلامة أبلغه بأن في مقدور المودعين تحويل نحو 50 ألف دولار للخارج سنوياً، لكن لم يحسم ما إذا كان هذا المبلغ سيتأمّن ومن أين. واعتبرت أن عون ركّز في الاجتماع على ضرورة حصوله على لائحة بأسماء المودعين الذين حوّلوا بعض أموالهم إلى الخارج بعد 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن سلامة أصر على تقيُّده بالسرّية المصرفية وأحاله على النيابة العامة التمييزية. وهكذا قرر لبنان تعليق سداد السندات، لكن الحكومة أحجمت من خلال كلمة دياب عن الخوض في تفاصيل الخطة للتفاوض مع حاملي السندات للبحث معهم في إعادة جدولة الديون.
كما سألت ما إذا كان لتأخّر الحكومة في خوض المفاوضات علاقة مباشرة بوجود شعور لدى حاملي السندات بأنهم لن يعترضوا على التفاوض لإعادة هيكلة الدين، وأن ما يهمهم تسديدها ولو بعد حين. إلا أن مثل هذا الرهان وإن كان يصب (بحسب المصادر) في مصلحة تمديد المفاوضات، فإن ما يهم حملة السندات مبادرة الحكومة إلى وضع خطة تقود في نهاية المطاف إلى سدادها، بدلاً من أن تقتصر كلمة الرئيس دياب على رزمة من الوعود ليست متلازمة مع خطوات تنفيذية. كما أن حاملي السندات لا يعيرون أهمية لتحميل دياب السياسات التي اعتمدت في السابق، مسؤولية التأزّم الاقتصادي بمقدار ما أن ما يهمهم الحصول على ضمانات لسداد السندات شرط أن تتأمّن بوضع خطة إنقاذية لا تبقى محصورة بالوعود.
وكشفت المصادر السياسية أن اللقاء التمهيدي الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره رئيس البرلمان بري ورئيس الحكومة دياب وحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة ورئيس «جمعية المصارف» سليم صفير وعدد من الوزراء المعنيين وفريق من الاستشاريين في الشؤون المالية والقانونية، والتواصل كان وراء حسم الموقف لجهة تعليق دفع السندات، الذي تبنّاه لاحقاً مجلس الوزراء بالإجماع، من دون أن يُدخل على النص المرسل إليه أي تعديل. وقالت إن بري تصدى لوحده في دفاعه عن تعليق دفع السندات في مقابل موقف سلامة وصفير اللذين لم يعترضا على الامتناع عن الدفع، وإنما اقترحاً بأن يأتي القرار في هذا الخصوص معلَّلاً ومنظَّماً كمدخل للتفاوض مع حاملي السندات.
وأكدت المصادر نفسها أن سلامة وصفير اقترحا أن تبادر الحكومة من باب إعلان النيات إلى دفع جزء من الفوائد المترتبة على استحقاق السندات، لأنها بهذه الخطوة تكسب الوقت لمصلحة تمديد التفاوض مع الدائنين لأشهر عدة. لكن بري، وبتأييد من الفريق الاستشاري، لم يأخذ بهذا الاقتراح، محمّلاً «المصرف المركزي» وجمعية المصارف جزءاً أساسياً من المسؤولية حيال ما آلت إليه الأوضاع المالية في البلد، وكان يُفترض بهما عدم إفساح المجال أمام تراكم حجم الدين العام، وبالتالي أن يبادرا في الوقت المناسب إلى لجم ارتفاع المديونية العامة. وتردّد أن بري اقترح أن تبادر المصارف إلى توفير المبلغ كدفعة أولية لحاملي السندات، لأنها حققت أرباحاً كبيرة، مع أن مثل هذا الاقتراح، وفق المصادر، كان قد نوقش في الاجتماعات التي عُقدت برعاية دياب، والتي تراوحت المداولات فيها بين فريق يطالب بسداد قسط من السندات وآخر يدعو للامتناع عن سدادها.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن الرئيس دياب ومعه أكثر من وزير كانوا يحبّذون الوصول إلى صيغة لسداد قسم من استحقاق الدين قبل أن يحسم موقفه بتعليق الدفع. وأضافت أنها كانت تتوقع من رئيس الحكومة أن يعلن في كلمته إلى اللبنانيين عن الخطوط الرئيسية لتأهيل قطاع الكهرباء بإيجاد الحلول الدائمة لتوليد الطاقة، بدلاً من الاعتماد على الحلول المؤقتة لتوليدها بواسطة استئجار البواخر. وأكدت أن جهات رسمية أشاعت أخيراً أن الرئيس دياب يميل إلى تأهيل معملي دير عمار والزهراني لتوليد الطاقة، إنما من خلال تلزيمهما لشركات قطرية على أن تُستخدم مادة الغاز لإعادة تشغيلهما.
واعتبرت المصادر السياسية أن دخول دياب في تفاصيل الحلول الدائمة لتوليد الطاقة سيلقى تأييداً دولياً، لأنه ينم عن نيته في خفض العجز، وأضافت أن الرهان على تفعيل مقررات مؤتمر سيدر لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية ليس كافياً، لأنها تؤمن تنفيذ رزمة من المشروعات الإنمائية وإعادة تأهيل البنى التحتية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.