متحدث الحكومة اليمنية: لم أجد نفسي في العمل الرسمي في البدايات لتعودي على طقوس الصحافة

في بلد مزقته الحروب والنزاعات، وأنهكته تناقضات أطرافه السياسية، يشبه راجح بادي المتحدث الرسمي للحكومة اليمنية، هذه المهنة الجديدة على ثقافة البلد بـ«العيش وسط حقول الألغام» التي تكلف الشخص ثمناً باهظاً على حد تعبيره، بالمقارنة مع مسيرته المهنية السابقة في معترك الصحافة.
أما كيف يستطيع المتحدث التوفيق بين شركاء الحكومة المختلفين سياسياً وربما عقدياً ومذهبياً، فتلك المهمة المستحيلة كما يراها بادي، لكنه يؤكد أن المتحدث الناجح هو الذي يتخلى عن قناعاته وأفكاره السياسية وينتصر للمهنة بعيداً عن التجاذبات.
«الشرق الأوسط» حاولت الغوص في تجربة المتحدث باسم الحكومات اليمنية لنحو 8 سنوات وحتى الآن، البدايات، والتجارب، والتحديات والفرص، وخلاصة الرحلة التي ما زالت مستمرة وسط ظروف بالغة التعقيد.
يحكي راجح بادي بداية انضمامه للحكومة اليمنية التي كان يترأسها محمد سالم باسندوه عام 2012 مستشاراً إعلامياً له، ويقول: «بداية لم أجد نفسي في العمل الرسمي لتعودي على طقوس الصحافة، حينها كان هناك مشروع في رئاسة الوزراء تابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يسمى التواصل الاستراتيجي، وهو ضمن شروط المانحين في الشفافية لدى الحكومة (...) وتم اختياري من البرنامج الأممي متحدثاً باسم حكومة الوفاق الوطني التي كانت مقسمة نصفين بين المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك».
ويلفت بادي إلى أن أول متحدث باسم الحكومة كان نصر طه مصطفى الذي عين منذ عام 2000 وحتى 2007، لكنه لم ينطق بأي كلمة بحسب بادي. وتابع: «تجربتي كانت أشبه بالعيش وسط حقل ألغام مستمر، رغم ذلك أشعر أنني وقفت مع بلدي ومع الشرعية المنتخبة من الشعب، كان الأمر واجباً مهما كانت الضريبة التي كانت مكلفة».
ويؤكد راجح الذي يحمل الماجستير في الاتصال السياسي من جامعة عين شمس أن العمل كمتحدث باسم الجميع أمر حساس وشائك، مبيناً أنه حصل على تدريب لدى المتحدث باسم الخارجية الفرنسية لمدة 3 أسابيع. يقول: «كان الأمر في البداية تحدياً كبيراً خصوصاً مع بدء انقسامات داخل حكومة الوفاق الوطني آنذاك، كانت مهمة صعبة تمثيل الجميع، ولذلك حرصت على إقامة علاقات صداقة شخصية مع كثير من الوزراء، وانتهاج أسلوب الدبلوماسية إلى حد كبير، وقتها كان الكثيرون يراهنون على الفشل، وأنني في الآخر سأتحول إلى متحدث صامت مثل السابقين، لكن ردود الفعل التي وصلت إلي بعد أول مؤتمر صحافي كانت مذهلة وإيجابية».
يحكي بادي أجواء أول مؤتمر صحافي في عمله كمتحدث باسم الحكومة اليمنية الذي يعدّه الأصعب، بقوله: «فجأة رأيت أكثر من 50 ميكروفوناً أمامي، أنا ابن المدرسة التقليدية وهي الصحافة، كنت بعيداً عن الأضواء والكاميرات، لكن ردود الفعل من الناس والوزراء من طرفي الحكومة والسفراء الأجانب كانت إيجابية وأعطتني دفعة كبيرة».
واصل راجح بادي عمله متحدثاً رسمياً باسم الحكومة اليمنية بعد سقوط حكومة باسندوه، لينضم إلى حكومة خالد بحاح، ثم أحمد بن دغر، وصولاً إلى معين عبد الملك رئيس الوزراء الحالي.
ويقول بادي إنه أول مسؤول حكومي يوقف الحوثيون مستحقاته ورواتبه بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، مشيراً إلى أنهم طالبوا جميع الوزراء بالذهاب إلى مكاتبهم للعمل، فيما كان طلبهم منه المكوث في المنزل وعدم الحديث للإعلام إطلاقاً.
استطاع بعد ذلك راجح بادي الهروب إلى عدن وكان الصوت الوحيد القادر على إيصال موقف الحكومة والرئاسة لوسائل الإعلام بعد فرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي ورئيس الوزراء بحاح في صنعاء من قبل الحوثيين.
ويعتقد المتحدث باسم الحكومة اليمنية أنه استفاد كثيراً من التجارب التي خاضها في 4 حكومات متتالية، لكنه وصف فترة عمله مع الدكتور أحمد بن دغر بالاستثنائية، وقال: «اكتسبت منه الكثير بحكم تاريخه السياسي وثقافته، فهو شخصية غير عادية، كان هناك تفاهم وانسجام في تحديد المواقف، كما أن شخصيته كانت طاغية على الوزراء، ولديه قدرة على كسب الناس والتعاطي معهم».
ويرى بادي أن أي متحدث باسم الحكومة عليه أن «يكون قريباً من رئيس الوزراء ليعرف ما يدور في نفسه، أحياناً الصمت موقف، للأسف الإعلام يريد التعليق على كل شاردة وواردة، وقد خسرت كثيراً من الأصدقاء الإعلاميين بسبب طلباتهم المستمرة لتصريحات خاصة، دائماً نتعرض لهجمات الإعلاميين، مع أنني لست صانع قرار بل الحكومة ورئيسها».