اتهام الرئيس التونسي «بتجاوزه صلاحياته» بعد حضوره أولى جلسات مجلس الوزراء

مخاوف من تغيير النظام البرلماني إلى آخر «تطغى عليه صلاحيات سعيّد»

TT

اتهام الرئيس التونسي «بتجاوزه صلاحياته» بعد حضوره أولى جلسات مجلس الوزراء

خلَّف إشراف الرئيس التونسي قيس سعيد على انعقاد أول مجلس وزراء، بعد نيل حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان، جدلاً سياسياً واسعاً في البلاد حول صلاحيات الرئيس. وتحدثت عدة قيادات سياسية عن محاولة سعيد السيطرة التدريجية على المشهد السياسي، وتطويع السلطة التنفيذية برأسيها لفائدته.
وناقش مجلس الوزراء المنعقد أمس أولويات الحكومة، وفي مقدمتها ملفات المالية العمومية، والأزمات الاجتماعية، وكذلك الوضع الطاقي والصحي، وخصوصاً خطط تونس للوقاية من فيروس «كورونا» المستجد، وكيفية التعامل مع هذا الوباء دون الدخول في حالة ارتباك؛ لكن العملية الإرهابية التي استهدفت أمس دورية أمنية قرب مقر السفارة الأميركية في العاصمة التونسية، أحيت مجدداً ملف ضرورة مكافحة الإرهاب، وجعلته في مقدمة المحاور التي عرضت على مجلس الوزراء.
وأثارت دعوة الرئيس التونسي للإشراف على أول مجلس للوزراء سيلاً من الانتقادات الحادة؛ حيث رأى فيها عدد من ممثلي الأحزاب السياسية المعارضة محاولة من رئيس الحكومة إرضاء رئيس الجمهورية قيس سعيد، واعتبروها «بمثابة رد الجميل للرئيس سعيد الذي كلفه تشكيل الحكومة باعتباره الشخصية الأقدر على ذلك»، بينما نبه البعض الآخر إلى مخاطر انزلاق ممارسة السلطة في تونس، وإمكانية إحكام الرئيس قيس سعيد قبضته على السلطة التنفيذية برأسيها (الحكومة ورئاسة الجمهورية).
وكان رئيس الحكومة قد صرح، عقب لقاء جمعه أول من أمس مع رئيس الجمهورية، بأنه وجه الدعوة لسعيد لترؤس أول مجلس وزراء تعقده الحكومة الجديدة، وقال إنه قبل الدعوة. كما تناولت المحادثات بين رأسي السلطة التنفيذية أيضاً انطلاق العمل الحكومي، وتركيز الدواوين، وبدء أعضاء الحكومة فتح الملفات العاجلة التي تهم التونسيين، طبقاً لما تم التعهد به أمام أعضاء البرلمان.
وينص الفصل 93 من الدستور التونسي على أن ينعقد مجلس الوزراء «بدعوة من رئيس الحكومة الذي يضبط جدول أعماله. ويرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوباً في مجالات الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وله أن يحضر ما عداها من مجالس وزراء. وعند حضوره يرأس المجلس».
ولا تدخل طبيعة الملفات الشائكة المطروحة، وفي مقدمتها ملف المالية العمومية والأزمات الاجتماعية، والوضع الطاقي والصحي، ضمن صلاحيات الرئيس التونسي؛ لكن قد تكون حجة الفخفاخ الوحيدة لدعوة قيس سعيد لحضور مجلس الوزراء هو معطى وصول فيروس «كورونا» المستجد إلى تونس، وهذا الموضوع وملف مكافحة الإرهاب يندرجان ضمن ملفات الأمن القومي، ويطرح ضمن مجلس للأمن القومي، وهذا مخالف لمجلس الوزراء.
وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي جمال العرفاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن إلياس الفخفاخ «وفيٌّ لخطه السياسي، فقد عبر منذ البداية عن تشكيل حكومة تعتمد على نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو يواصل من خلال دعوة الرئيس للإشراف على مجلس الوزراء الاعتماد على شعبية الرئيس التونسي القياسية، لتسيير الحكومة وتنفيذ أولوياتها».
وأكد العرفاوي أن عدم اعتماد الفخفاخ على قوة تمثيلية في البرلمان مقابل قوة الأطراف الممثلة في الائتلاف الحاكم (حركة «النهضة»، وحزبا «التيار» و«الشعب»، وحركة «تحيا تونس» وكتلة «الإصلاح الوطني»)، وصلابة الأطراف البرلمانية المعارضة، ممثلة في حزب «قلب تونس» والحزب «الدستوري الحر»، و«ائتلاف الكرامة»، قد تجبر رئيس الحكومة على التوجه نحو رئاسة الجمهورية، والاحتماء تحت مظلتها، وهي التي تحظى بدعم قوي من الشارع التونسي، وخصوصاً فئات الشباب.
ويرى مراقبون أن رئاسة الجمهورية قد تستغل الظرف الحالي لفرض الأمر الواقع، وتوسيع صلاحيات رئيس الدولة على حساب رئيس الحكومة، وهو ما سيؤثر لاحقاً على النظام السياسي، ليتحول من نظام برلماني معدل إلى نظام تطغى عليه صلاحيات رئيس الجمهورية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.