إجراءات البنوك المركزية وحدها «محدودة الأثر»

حكومات بدأت تخصيص ميزانيات للقطاعات المتضررة من «كورونا»

تفاءلت الأسواق بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لكن البورصات تترنح مجدداً (رويترز)
تفاءلت الأسواق بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لكن البورصات تترنح مجدداً (رويترز)
TT

إجراءات البنوك المركزية وحدها «محدودة الأثر»

تفاءلت الأسواق بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لكن البورصات تترنح مجدداً (رويترز)
تفاءلت الأسواق بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لكن البورصات تترنح مجدداً (رويترز)

يعتقد المستثمرون الماليون أن البنوك المركزية ستحاول إنقاذ الأوضاع الاقتصادية المتردية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد، ويضربون لذلك أمثلة من الماضي كما حصل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وبعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008 إثر إفلاس بنك «ليمان براذرز».
الاثنين الماضي عادت أسواق المال الأميركية إلى الارتفاع النسبي بعدما كان فقد مؤشر «داو جونز» 13 في المائة. وتفاءلت الأسواق أكثر بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة، لكن البورصات عادت للترنح من جديد. لذا فإن الاقتصاديين غير متفائلين كثيرا، ولا يجارون المستثمرين في تطلعاتهم نحو أوضاع أفضل بفضل إجراءات البنوك المركزية التي يرون أنها محدودة الأثر، والأفضل منها هو تدخل الحكومات بميزانيات خاصة لدعم القطاعات المتضررة.
كانت الإشارة الأولى لإمكان التدخل أطلقها الاحتياطي الفيدرالي في 28 فبراير (شباط) الماضي، ولحقه في ذلك بنك اليابان المركزي وبنك إنجلترا المركزي أيضاً، بإصدار بيانات تشير إلى أن أدوات الفائدة ستوضع على الطاولة لمحاولة تحفيز الاقتصادات. أما رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد فقالت: «مستعدون لاتخاذ إجراءات مناسبة وهادفة حسب الحاجة والضرورة التي تفرض نفسها قياساً بالمخاطر التي تظهر تباعاً».
هذه التصريحات تركت انطباعا لدى المتداولين والمستثمرين في البورصات وأسواق المال بأن البنوك المركزية العالمية لن تترك الأوضاع تتردى أكثر لتصل إلى أزمة مالية عالمية كالتي حصلت في 2008، فأزمة كهذه ستعقد الأوضاع الاقتصادية، وتزيد المعاناة الإنسانية؛ لأن الأمر متعلق بصحة الإنسان هذه المرة بفعل تهديد تفشي الوباء.
كما أن تحركات وزراء مالية الدول الصناعية السبع توحي بأن إجراءات منسقة قد تدرس على صعد الموازنات المالية والسياسات النقدية. ورد الرئيس السابق لبنك التسويات الدولية هرفيه هانون على كل تلك التحركات بتغريدة قال فيها: «في الوقت الذي تنتظر فيه الشعوب علاجاً لمرض كورونا أو وقاية منه، تسعى مجموعة الدول السبع لاتخاذ إجراءات لإنقاذ الأسهم ونفخ البورصات والمضاربات بفعل سياسات نقدية ومالية نتيجتها زيادة فروقات اللاعدالة مرة أخرى!».
ويقول اقتصاديون إن لتحرك البنوك المركزية أثرا نفسيا لا يستهان به في الأسواق، لكن سلاح سعر الفائدة وحده لا يكفي، لا بل قد يكون غير مفيد البتة. فالأموال رخيصة أصلاً منذ سنوات، إذ إن الخصم الأميركي بين 1.5 و1.75 في المائة، والأوروبي 0.5 في المائة بالسالب. ولا يمكن المقارنة مع ما كانت عليه تلك المعدلات عشية أزمة 2008 عندما كان سعر الخصم الأميركي آنذاك 5 في المائة. ومع ذلك هناك رهان على خفض إضافي للاحتياطي الفيدرالي بعد الذي اتخذه قبل يومين. أما في أوروبا، فالأمر أكثر تعقيداً لأن «البوندسبنك» (المركزي الألماني) يرفض أي خفض، لذا فإن اجتماع البنك المركزي الأوروبي في 12 مارس (آذار) الحالي تحت المجهر بقوة.
ويوضح الاقتصاديون أن البنوك المركزية ليست منتظرة فعلاً على مستوى الفائدة فقط. فدورها يتجلى أكثر بالتدخل لعدم اختناق المصارف والمؤسسات المالية عبر مدها بالسيولة اللازمة عند الضرورة. وعلى هذا الصعيد تحرك بنك اليابان المركزي وأعلن الإمداد بـ500 مليار ين (4.7 مليار دولار) كرؤوس أموال قصيرة الأجل، ووعد الأسواق بالمزيد. أما رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول فقد ترك احتمال الإمداد بالسيولة مفتوحاً، إذ قال: «سنستخدم أدواتنا ونتحرك عند الضرورة لدعم الاقتصاد». وأكد بنك إنجلترا من جهته أنه يعمل مع وزارة الخزانة والشركاء الدوليين للتأكد من أن الإجراءات المطلوبة للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.
ومع ذلك يرى الاقتصاديون أن المسألة أعقد من ذلك أيضاً، لأن الهم الأكبر اليوم يكمن في صعوبات الشركات الصناعية وشركات الخدمات والنقل والطيران والسياحة التي تتعرض لصعوبات جمة بعد تفشي فيروس كورونا، فكيف يمكن مساعدة كل هؤلاء للخروج من أزمتهم؟ فإجراءات البنوك المركزية هي إجراءات غير مباشرة، أي تمويل المصارف والمؤسسات المالية لتقوم بدورها بتمويل قطاعات الاقتصاد الحقيقي. وهذا قد يصلح في دول دون أخرى، لأن الشركات الأميركية على سبيل المثال تعتمد في تمويلها على الأسواق أكثر من المصارف بخلاف الوضع في أوروبا. لذا تظهر أصوات في الولايات المتحدة الأميركية الآن لاعتماد ما قام به الرئيس السابق باراك أوباما عندما أنقذ شركة «جنرال موتورز» مباشرة في 2009.
لذا يرى الاقتصاديون أن العالم اليوم أمام معضلة جديدة إذا توسع تفشي كورونا، إذ على الحكومات استخدام أدوات السياسة المالية واعتماد موازنات خاصة لدعم الشركات والموظفين المتعطلين عن العمل بفعل إجراءات التحوط والوقاية والحجر.
وهذا ما بدأت به هونغ كونغ التي تقوم بمساعدة الشركات مالياً وإعانة الموظفين والعمال أيضا. وإيطاليا أقرت موازنة خاصة لأغراض مماثلة رغم العجز الكبير في موازنتها. وعلى هذا الصعيد، قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي غيندوس إن «خط التحرك الأول هو من الموازنات الحكومية... فعندما تعترضنا مشكلة يجب ألا ننظر فقط ناحية البنوك المركزية».


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

غانا تسجل نمواً قوياً بنسبة 7.2 % خلال الربع الثالث

تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
TT

غانا تسجل نمواً قوياً بنسبة 7.2 % خلال الربع الثالث

تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)
تجار يبيعون بضائعهم بسوق ماكولا في أكرا (رويترز)

نما الاقتصاد الغاني بنسبة 7.2 في المائة خلال الربع الثالث من عام 2024، في علامة أخرى على تعافي البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ جيل، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة الإحصاء، يوم الأربعاء.

وأظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي أن النمو السنوي في الربع الثالث كان الأعلى منذ الربع الثاني من عام 2019، وفق «رويترز».

يأتي هذا الزخم الاقتصادي الإيجابي مع استعداد الرئيس والحكومة الجديدين لتولي السلطة في 7 يناير (كانون الثاني)، بعد فوز الرئيس السابق وزعيم المعارضة الرئيسي، جون درامياني ماهاما، في الانتخابات التي جرت يوم السبت.

كما تم تعديل نمو الربع الثاني من عام 2024 إلى 7 في المائة من 6.9 في المائة، وفقاً لما ذكرته الوكالة.

ومن حيث القطاعات، سجل القطاع الصناعي، الذي يقوده التعدين واستخراج الأحجار، نمواً بنسبة 10.4 في المائة، فيما نما قطاع الخدمات بنسبة 6.4 في المائة، وقطاع الزراعة بنسبة 3.2 في المائة.

ومع ذلك، سجل قطاع الكاكاو في غانا، ثاني أكبر منتج في العالم، تراجعاً بنسبة 26 في المائة للربع الخامس على التوالي.

كانت غانا قد تخلفت عن سداد معظم ديونها الخارجية في عام 2022، مما أدى إلى إعادة هيكلة مؤلمة. ورغم ارتفاع قيمة العملة المحلية (السيدي)، فإن ارتفاع معدلات التضخم واستدامة الدين الحكومي لا يزالان يشكّلان مصدر قلق للمستثمرين.