«ما تبقّى» في «بيت بيروت» رؤية مستقبلية للبنان «مدينة الغد»

بعد مشاركته في معرض «بينالي البندقية» للعمارة

علاقة اللبناني بالطبيعة المشاركة في معرض «ما تبقّى» (تصوير: ييفا دويهي)
علاقة اللبناني بالطبيعة المشاركة في معرض «ما تبقّى» (تصوير: ييفا دويهي)
TT

«ما تبقّى» في «بيت بيروت» رؤية مستقبلية للبنان «مدينة الغد»

علاقة اللبناني بالطبيعة المشاركة في معرض «ما تبقّى» (تصوير: ييفا دويهي)
علاقة اللبناني بالطبيعة المشاركة في معرض «ما تبقّى» (تصوير: ييفا دويهي)

عندما شارك معرض «ما تبقّى» كأول جناح لبناني في المعرض العالمي للعمارة «بينالي البندقية»، في عام 2018، كان لافتاً أن زواره وقفوا مندهشين أمام الفكرة التي تناولتها المهندسة هالة يونس وفريقها في هذا المشروع. حتى إن بعضهم أُعجب بهذا البلد الصغير، وما يحاول إنجازه على خريطته الجغرافية.
معرض «ما تبقّى»، أو مصير الأراضي الخالية، الذي افتُتِح مساء أمس في «بيت بيروت» هو نسخة طبق الأصل عن التي شارك فيها عالمياً، ندرك أنه بمثابة تقييم لواقع أرضنا، باعتبارها آخر معالمنا التاريخية. ويرسم آفاق الأمل من خلال تصوّر لمصير المجالات غير المبنية.
وعلى خريطة جغرافية تتوسط المعرض وتتبدل ألوانها (أحمر وأصفر وأخضر وبرتقالي وأبيض وغيرها) عند كل محطة تمرّ بها، تبدأ رحلتك في هذا المعرض. فتتفرّج على خريطة مطرّزة برسومات تتناول تفاصيل البنية التحتية والجيولوجية والكثافة السكانية وشبكة الطرقات والمياه والتقسيم الإداري وعملية انتشار المباني والمناطق الحرجية، انطلاقاً من حوض نهر بيروت مروراً بمنطقة المتن، ووصولاً إلى مدينة زحلة. وكل هذه المساحة المتناولة من قبل هالة يونس تظهر الفارق ما بين الماضي والحاضر، وكيفية تطور الطرقات والمباني على مر الزمن، ضمن مجسمات، تؤلف «مدينة الغد».
وتشرح المهندسة والأستاذة الجامعية هالة يونس: «أطلقنا عليها اسم (مدينة الغد)، لأنّ عمليات السكن وبناء المباني وانتشارها لم تعد تقتصر على العاصمة بيروت. فهي توسعت لتتضمن مناطق على امتداد الخريطة الجغرافية في لبنان، مربوطة ببعضها من ناحية البنى التحتية والتقسيم الإداري وغيرها، إلى حد يجعل بلدنا بمثابة مدينة كبيرة». وتتابع في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أما لماذا يرتكز هذا المشروع على الخريطة اللبنانية، فلأنّ تعليم الجغرافيا الحديث في المدارس أصبح أقرب إلى التربية المدنية والعلوم الاقتصادية. فهو لم يعد يركز على الجغرافيا الفيزيائية بعيداً عن العناصر الطبيعية من جيولوجية ومياه وطبيعة الأرض. فغياب الجغرافيا الفيزيائية عن مناهجنا المدرسية ذاب في العلوم الطبيعية. والفصل بين الجغرافيا الفيزيائية والإنسانية صعّب على التلامذة مهمتهم بضرورة الربط بينهما لفهم طبيعة أرضنا. فمنطق استعمالنا للأرض يتطلب منا ربطها بخريطتنا الجغرافية لنفهمها، وهو ما ركنت إليه في هذا المشروع».
يهدف هذا المعرض بالمرتبة الأولى إلى لفت نظر اللبناني لضرورة إعادة تنظيم انتشاره على أرضه. والخريطة الجغرافية التي نشاهدها في المعرض تبين بيروت مدينة مشتتة، مما يحفزنا على إعادة تنظيم توزعنا على الأرض. فهناك مساحات كبيرة شاغرة يجب علينا الحفاظ عليها، واستخدامها ضمن أطر مدنية. وهو ما يسمح لنا بالاستفادة منها قدر المستطاع، آخذين بعين الاعتبار ضرورة إعادة ترتيب تموضعنا عليها. «في إمكاننا الاستفادة من هذه المساحات المتبقية، ونعلنها أملاكاً عامة واسترجاعها. ونبني على أساسها تنظيماً مدنياً يعطي مجالاً أكبر للحيز العام. وبعيداً عن الفوضى المعمارية، نحول لبنان بأكمله إلى مدينة جميلة. فكان يجب لفت الرأي العام إلى ثروتنا المستقبلية، ونوعّي في المواطن حسّ قيمة الأرض لأنها في الحقيقة هي أكثر من عقارات للبناء. فهي شبكة ارتباطات بيئية تجعلها متضامنة بشكل غير مباشر، وإذا ما حافظنا على البقعة التي نستخدمها، فإننا بذلك نساهم في الحفاظ على لبنان بأكمله، كون مناطقه مترابطة كما ذكرنا آنفاً. ونستفيد من هذه الأراضي في مشروعات زراعية وغابات ومتنزهات وغيرها فلا يعود مسموحاً لنا أن نتوسع من دون وعي تنظيمي في عملية البناء. وعدم التفريط بأرضنا من خلال علم الجغرافيا هو شرط أساسي لنكمل حياتنا في بلدنا».
إذن الأراضي المتبقية في لبنان، تتألف من غابات ومساحات غير مبنية أو مزروعة، ولذلك يجب تخصيصها لاستعمالات جديدة. ولكن كم نملك من الوقت لاستدراك الوضع؟ ترد المهندسة هالة يونس في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدينا ترف الوقت لنستدرك الأمر. وهنا تكمن أهمية عملية التوعية التي يتضمنها هذا المشروع في مسألة تنظيم توزعنا على أرضنا».
وتعاونت هالة يونس في مشروعها هذا لتنفيذه مع الجامعة اللبنانية فرع التنظيم المدني، ومديرية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش. وكذلك مع المركز العربي للعمارة والجمعية اللبنانية للمشاهد، إضافة إلى عدد من المصورين الذين قدموا في أعمالهم التي يتضمنها المعرض وتظهر إشكالية علاقة اللبنانيين بالطبيعة.
ومع 6 مصورين شاركوا في هذا المعرض من خلال أعمال فيديو مصورة وأخرى فوتوغرافية، نشاهد عدسة المصورة كاترين كتالوزا تسلط الضوء على الأراضي الزراعية المتروكة. فيما تنقلنا كاميرا طلال خوري المتحركة إلى نهر بيروت على امتداده من المنبع النظيف إلى المصب الملوث. ومع المصور جيلبير حاج نشاهد نماذج إنسانية من مناطق رأس المتن وحمانا، وهي تمثل صور أشخاص يحملون ما يرمز إلى علاقتهم مع الطبيعة. وبالنسبة إلى «ما تبقى» في صور أخرى لجيلبير حاج نشاهد أراضي منتصبة لا تصلح للبناء.
أما غريغوري بجاقجيان، وفي مشوار ميداني أطلق عليه اسم «شظايا من خط القمة»، ننطلق معه بنزهة طويلة تبدأ من طريق الشام (الحازمية) مروراً بمدينة زحلة وقمم الجبال، وصولاً إلى بلدة المنصورية. وهدى قساطلي أخذت موضوع علاقة اللبناني بالطبيعة من خلال حدائق البيوت المستحدثة على مساحات صغيرة. وبينها ما يمثل ارتباطهم المتين بجذورهم بعد عملية تهجيرهم من قراهم بسبب الحرب. وبعدسة ييفا ساودرغيتى دويهي نتابع صوراً التقطتها حول حوض نهر بيروت وتتمثل بمشاهد لأماكن ترفيهية. فهي ترمز إلى علاقتنا مع الطبيعة من خلال متنزهات وحدائق عامة وملاعب كرة قدم وغيرها.
يستمر معرض «ما تبقى» فاتحاً أبوابه أمام الزوار لغاية 17 مايو (أيار) المقبل، وهو يتيح لكل منا التعمق بجذورنا وجغرافية بلدنا فيوقظ لدينا ضرورة استعمال أراضينا في إطار منظم، بعيداً عن عمليات البناء المشتت والفوضوي.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».