ميلانو مدينة يسكنها الخوف من زائر لا تراه

السلطات تضاعف الجهود لتأخير بلوغ «كوفيد 19» ذروته

عامل صحة إيطالي يطهّر ملعب «سان باولو» في نابولي أمس (رويترز)
عامل صحة إيطالي يطهّر ملعب «سان باولو» في نابولي أمس (رويترز)
TT

ميلانو مدينة يسكنها الخوف من زائر لا تراه

عامل صحة إيطالي يطهّر ملعب «سان باولو» في نابولي أمس (رويترز)
عامل صحة إيطالي يطهّر ملعب «سان باولو» في نابولي أمس (رويترز)

يقال إن روما يزداد جمالها وتبرز مفاتنها كلّما خلت شوارعها من المارّة، وإن ميلانو على العكس يكمن سحرها في الحركة التي تدبّ عادة في شوارعها الأنيقة.
ميلانو اليوم مدينة جريحة، يسكنها الخوف من زائر لا تراه، عطّل محرّك الإنتاج في محيطها وأبعد عنها الزوّار وشلّ الحركة في شوارعها ومرافقها، وجعل منها العنوان الذي لا يريد أحد أن يقصده إلا في حال الضرورة القصوى.
تحاول عاصمة الشمال الإيطالي منذ أيام أن تنهض وتستعيد معنوياتها وثقتها بنفسها، لكن الزائر الثقيل الذي أفلت من شباك الرقمنة والذكاء الاصطناعي يقطع عليها الطريق ويدفعها أبعد في هذا النفق المظلم الذي لا تعرف إيطاليا متى وكيف ستخرج منه إلى النور مجدداً.
عدد الوفيّات الناجمة عن فيروس كورونا الجديد في إيطاليا يتزايد حتى أصبح الثالث بعد الصين وإيران، والأنباء الواردة من روما تنذر بالأسوأ. فقد قررت الحكومة المجتمعة في جلسة طارئة إغلاق المدارس في جميع أنحاء إيطاليا، اعتباراً من اليوم الخميس حتى منتصف الشهر الحالي، إضافة إلى حزمة من التدابير الوقائية الصارمة، يدفعها إلى ذلك رأي الإخصائيين بأن تأخير بلوغ انتشار الوباء ذروته ضروري لمنع وقوع المنظومة الصحيّة في العجز عن معالجة الإصابات التي زادت عن 2500، لم يتعافَ منها حتى الآن سوى 160.
السلطات الصحّية في مستشفى «كودونيو»، الذي انطلقت منه الإصابة الأولى تقول إن الساعات المقبلة حاسمة، وإنها تحبس أنفاسها لمعرفة ما إذا كانت الأزمة قد دخلت مرحلة الانحسار أم أنها ما زالت في بدايتها. ومن داخل «المنطقة الحمراء» المعزولة كليّاً منذ أسبوعين، يأتي نداء استغاثة عبر الفيديو لرئيس بلدية «كاستيوني دادا» يناشد فيه الجيش إرسال أطبّائه للعناية بالمصابين الذين يتزايد عددهم، ويرتفع عدد الموتى.
في المقهى المحاذي لمبنى صحيفة «لا ستامبا»، نتحدّث إلى الزميل ريكاردو العائد من زيارة عمل في الولايات المتحدة، فيقول: «كيف تريد لسكّان المدينة أن يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم عندما تسمع وزير الصحّة يصرّح من روما أن الأولوية هي احتواء الانتشار لإنقاذ ميلانو، ثم لومبارديا، وإيطاليا؟! فيما يواصل السياسيون تقاذف التهم، ويحاولون استغلال هذه الكارثة الوطنية لمصالحهم الخاصة».
غداً (الجمعة)، تنتهي فترة الأسبوعين المفروضة على المنطقة الحمراء والترقّب على أشدّه لمعرفة نتائجها الأولى، فيما يتزايد الخوف من أن تبلغ نسبة الإصابات في المناطق الأخرى، تلك التي في القرى المعزولة، وتعجز المنظومة الصحّية عن مواجهتها.
لكن المنطقة الحمراء لم تعد مقصورة على القرى المعزولة. فالاقتصاد الإيطالي بكامله أصبح منطقة حمراء، بسبب تداعيات هذه الأزمة وسنوات من الركود المتمادي. وبعد أن أعلنت الحكومة أول من أمس عن مساعدات بقيمة 4 مليارات يورو للشركات والمواطنين في المناطق المنكوبة، تدرس حاليّاً حزمة أخرى من المساعدات، بعد أن بات من شبه المؤكد أن الأزمة ما زالت في مراحلها الأولى.
لكن من ميلانو أيضاً تأتي بعض الأنباء التي تفتح نافذة أمل في ضباب هذه الأزمة. فقد تمكّن البروفسور ماسّيمو كليمنتي، أستاذ العلوم الجرثومية في جامعة ميلانو، من عزل فيروس كورونا الجديد لدى اثنين من المرضى، وباشر بفكّ رموزه لمعرفة مواصفاته وخصائصه، تمهيداً لإعداد اللقاح والأدوية اللازمة لمعالجته.
يقول كليمنتي إن ثمّة أسئلة كثيرة عن هذا الفيروس الجديد لا توجد أجوبة عنها بعد، لكنها ستأتي قريباً. ويلاحظ أنه بعد عزله في أنبوب مع خليّتَين، تبيّن أنه لا يحتاج لأكثر من 48 ساعة لتدميرهما.
ويضيف كليمنتي أن الفيروس عادة يحتاج للعدوى من أجل البقاء والتكاثر، فهو لا يعيش خارج الجسد سوى ساعات معدودة، وأن عالمنا اليوم بمدنه المكتظّة وسكّانه الذين يتنقلون باستمرار في كل الجهات هو بمثابة «جنّة» بالنسبة للفيروسات. ويقول إن كورونا الجديد أسرع من فيروسات كورونا المعروفة من حيث السريان، لكنه أقل فتكاً منها، وهو صغير جداً يلزم منه مليون لبلوغ ميليمتر واحد.
في غضون ذلك، تواصل إيطاليا البحث عن طريقة للتكيّف مع العيش في هذا النفق، فيما ترتفع أصوات تناشد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التوجّه إلى المواطنين ومصارحتهم بما تملك الدولة من حقائق عن هذه الأزمة، على ضآلتها، وتنبيههم إلى أن السبيل الوحيد لمواجهتها هو الوقوف صفّاً واحداً وراء قيادة موحّدة.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.