الحكومة اللبنانية تحاول «كسب الوقت» أمام استحقاق دفع الديون

مبنى الحكومة اللبنانية
مبنى الحكومة اللبنانية
TT

الحكومة اللبنانية تحاول «كسب الوقت» أمام استحقاق دفع الديون

مبنى الحكومة اللبنانية
مبنى الحكومة اللبنانية

لم يبقَ أمام حكومة «مواجهة التحديات» برئاسة حسان دياب سوى أيام معدودة لتحسم قرارها في شأن سداد المستحقات المالية والفوائد المترتبة على سندات «اليوروبوندز» قبل 9 مارس (آذار) الحالي، وهو موعد تسديد الدفعة الأولى منها وإن كان التوجّه العام للحكومة يميل إلى الطلب من المصارف اللبنانية القيام بتسديدها بالنيابة عن الحكومة في مقابل التفاهم معها على إعادة هيكلة هذه المستحقات ما يُكسبها المزيد من الوقت لتدبير شؤونها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية ومصرفية أن الاجتماع الموسّع الذي ترأّسه عصر أول من أمس، الرئيس دياب، لم يتوصّل المشاركون فيه إلى قرار حاسم بشأن مستحقات سندات «اليوروبوندز» بسبب التباين الذي ظهر بين المشاركين فيه والذي غلب عليه الرأي القائل بعدم الدفع وأن تتولى المصارف تسديد هذه المستحقات.
وتخللت اجتماع دياب مع المصارف نقاشات حادة بين مستشاره أحمد الجشي، وبعض ممثلي المصارف الذين كادوا ينصرفون من الاجتماع لولا تدارك الأمور.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن قرار عدم الدفع يحظى بموافقة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «أمل» التي تمثّلت في الاجتماع بالمعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، والوزير السابق علي حسن خليل الذي أبلغ المجتمعين بتفضيل الحركة عدم الدفع وأن تكون الأولوية لحماية أموال المودعين في المصارف. وقالت إن من يدعم عدم دفع الدولة لهذه المستحقات وأن يُترك الأمر للمصارف ينطلق من أن الامتناع عن الدفع أمر سيئ، لكنّ الدفع هو أكثر سوءاً في ظل الإمكانات المالية للدولة التي يجب أن تُخصص لشراء الاحتياجات الضرورية والمواد الأولية.
وكشفت المصادر نفسها أن من يدعم عدم الدفع طلب من المصارف أن تسترد ما باعته من سندات للخارج بذريعة الحصول على سيولة بالدولار في ظل الشحّ الذي تعاني منه هذه المصارف، وقالت إن مبادرة المصارف إلى استرداد السندات بشراء ما باعته منها سيدفع باتجاه توفير الحلول بدءاً بالتفاوض مع حاملي السندات في الخارج الذين لم يعودوا يشكّلون أكثرية لأنها أصبحت في عهدة المصارف اللبنانية. وأكدت أن هناك ضرورة للتفاوض مع حاملي السندات في الداخل والخارج لأن من غير الجائز أن تبادر الدولة إلى الإصرار على عدم الدفع من جانب واحد لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية تهدد مصداقية لبنان لدى المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية.
ورأت المصادر الوزارية والمصرفية أن الاجتماع الذي ترأسه دياب تخلله تباين داخل الفريق الوزاري والاستشاري، وأيضاً بين أعضاء جمعية المصارف، فيما رأى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن القرار النهائي يعود للحكومة. وقالت المصادر إن دياب سعى إلى تقريب وجهات النظر بين المشاركين في الاجتماع، وأكدت أنه تولى تدوير الزوايا إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات تسبق جلسة مجلس الوزراء لأن الحكومة هي صاحبة القرار النهائي الذي يُفترض أن يرى النور قبل انتهاء عطلة نهاية الأسبوع الحالي.
لكنّ مصادر أخرى قالت إنه لا مفر أمام الحكومة سوى التفاوض مع حاملي السندات لئلا تُقْدم على خطوة من شأنها أن تنعكس سلباً، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى المجتمع الدولي وتتوجّه إليه طلباً للمساعدة. ورأت أنه لا غنى للحكومة في مطلق الأحوال عن التعاون مع صندوق النقد الدولي لدعم خطة الإنقاذ التي تعهدت بها في بيانها الوزاري، وقالت إن توصلها إلى تفاهم مع المصارف على أن تتولى سداد السندات في مقابل إعادة هيكلة الدين العام شرط أن تكون مقرونة بخفض الفوائد، يؤمّن للحكومة فترة من السماح تتيح لها إجراء مراجعة نقدية للسياسة المالية في ضوء تراجع واردات الخزينة منذ ما بعد انطلاق «الحراك الشعبي» في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكدت هذه المصادر أن الحكومة تواجه اليوم أكثر من استحقاق بدءاً بإعادة النظر في موازنة العام الحالي لما تحمله من أرقام وهمية ليست بسبب الركود الاقتصادي الذي يسيطر على البلد وإنما لأن الأرقام لم تكن واقعية في الأساس وحملت طموحات لم تعد في متناول اليد، وهذا ما يعزز ضرورة التعاون مع صندوق النقد ما دامت الإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية باتت متلازمة مع تحقيق رزمة من الإصلاحات المالية والإدارية ما زالت في طور التأسيس، لأن الخلافات داخل الحكومات السابقة أدّت إلى إعاقة وضعها على سكة التطبيق. لذلك يُفترض بالحكومة -كما تقول مصادر سياسية- أن تقوم بتحصين موقفها في حال قررت تعليق دفع المستحقات المترتبة على السندات لتفادي إقحامها في دعاوى من بعض الجهات الخارجية المالكة لقسم منها.
وعليه، هل تخوض الحكومة معركة الانفتاح على صندوق النقد في ظل تعذُّر البدائل؟ وماذا سيكون موقفها في حال إصرار «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«أمل») على معارضة كل أشكال التعاون، إلا إذا كان هناك من يراهن على استرداد ما تسمى الأموال المنهوبة الذي تَحوّل إلى شعار هو أقرب إلى الشعبوية منه إلى الواقع لغياب الأرقام ولتعذُّر الحصول على الوثائق التي تدين مَن تُوجَّه إليهم الاتهامات؟
ويبقى السؤال عن مدى صحة ما يتردّد بأن البدائل لصرف النظر عن التعاون مع صندوق النقد يمكن أن تتوافر بمبادرة دولة قطر إلى تقديم مساعدة مالية سخية للبنان، إضافةً إلى إمكانية اللجوء منذ الآن إلى بيع قسم من كميات الغاز والنفط التي سيتم استخراجها قبل التريث لمعرفة ما ستؤول إليه عملية التنقيب التي بدأت في البلوك رقم 4.
إلا أن الرهان على حصول لبنان على مكرمة قطرية ليس مضموناً، وكان سبق لأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن تعهد خلال مشاركته في القمة العربية الاقتصادية التي عُقدت في بيروت منذ أكثر من عام بدعم لبنان بنصف مليار دولار، لكن لم يحصل لبنان على هذا المبلغ حتى الآن. كما أن بيع كميات من النفط والغاز قبل استخراجها ليس في محله، لأن لبنان لن يجد من يشتريها قبل استخراجها، إضافة إلى أن هناك من يراهن على أن المجتمع الدولي لن يترك لبنان ينهار وسيبادر إلى نجدته.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».