الحبّ في زمن «الكورونا»

الحبّ في زمن «الكورونا»
TT

الحبّ في زمن «الكورونا»

الحبّ في زمن «الكورونا»

«إن الإنسانيّة، كالجيوش في المعركة؛ تقّدُمها مرّتبطٌ بسُرّعة أبطأ أفرادها»، هذا ما يقوله الأديب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، في رائعة العظيمة: «الحبّ في زمن الكوليرا».
رواية تصنع الدهشة فعلاً، هي لا تروي، بل تجّسد قصة الحبّ المتوقد الذي لا يموت، بل يزداد ضراوة واشتعالاً كلما زادت المحن وعصفت الأحداث، واشتعل العمرُ شيباً وعجزاً وضعفاً... العالم كله تغير منذ التقى مراهقٌ على ضفاف الكاريبي بفتاة أحلامه، وغرسا شتلة الحبّ في قلبيهما، قامت ثورات واشتعلت حروب وسقطت بلدان... وحتى الفتاة الجميلة «فيرمينا داثا» وجدت حبيباً آخر تقاسمه الحياة، وظلّ الفتى العاشق مفتوناً بحبيبته القديمة يكتب لها الأشعار والرسائل، ويطوي لياليه مغرماً بها. حتى لاقاها بعد خمسين عاماً وقد هرمت وذبل وجهها، ليوقد جمرة الحب في قلب مسكون بالحزن والضمور... فهذا «الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت»، في الفصل الأخير يستعيد حبيبته التي هجرته شابّة وعادت إليه تجر أثقال السنين، ويسوقها على متن سفينة تجوب النهر، ولكي يختلي بها دون صخب، يُشيع أن السفينة موبوءة بالكوليرا، فيهجرها ركابها، وتمنع السلطات رسوها في أي مرفأ، ويرفع قبطانها العلم الأصفر، دلالة على وباء الكوليرا.
كان العالم يرونها سفينة موت، وكان هو يراها سفينة حبٍ وحياة. فلا شيء يُطفئ شعلة الحبّ في قلب عامر بالإنسانية، أما القلوب الخاوية فتعربد داخلها الأنانية والكراهية والأحقاد، حتى في زمن البلاء، حيث يتقوى الواحد بجاره وبني جلدته وأخوته في الدين والوطن، يُعطى المرض لوناً وهوية وصفة وتصنيفاً اجتماعياً، يستثير الوباء روح الجماعة المتضامنة، كما يستثير روح الفئويات الأنانية والعنصريات المقيتة.
بعد انتشار «كورونا»، انبرى بعض المحسوبين على الثقافة لكي يبدعوا في ازدراء الضحايا، والتعامل معهم بفوقية واستعلاء، وتوزيع الاتهامات، بل وتخويفهم وحشرهم في دائرة الاتهام، وتقسيم الناس، حسب درجة الإصابة بالفيروس، في حملة لا ترمي إلا لدفع فئات من المجتمع نحو «الانعزالية» وتكريس الشعور بالغبن. الأسوأ هو الشماتة، وأبشع منها أن تصدر من شخصيات يحتلون موقعاً في التأثير العام ككتاب ومثقفين، ينساقون خلف غرائزهم وليس عقولهم.
«أنا لست فيروساً، كفوا عن العنصرية»، بهذا العبارة غرّد شابٌّ فرنسي من أصول آسيوية، وهو يشتكي من الازدراء العنصري الذي يقابل به في الأماكن العامة في فرنسا بعد اكتشاف المرض في الصين، سرعان ما تحولت العبارة إلى هاشتاغ يستدعي الضحايا الذين واجهوا تنّمراً واحتقاراً من شركائهم في الوطن، بسبب إصابة بعضهم بهذا المرض، تحت هذا الوسم تناقل مغردون في كندا ونيوزلندا تقارير تفيد بتعرض أطفال من أصول آسيوية للتنمر في المدارس.
بصوت مرتفع، قال ولي عهد البحرين: «إن عدونا اليوم هو فيروس كورونا ليس المصابين به»، وهو خطاب المنطق الذي يتصدى لثقافة الكراهية والتمييز، بوعي من أن الخطاب الآخر لا يضيف شيئاً سوى دق إسفين في ثقة الناس ببعضهم وبمصيرهم المشترك.
في نهاية المشهد، لرواية «الحبّ في زمن الكوليرا»، نظر القبطان إلى «فيرمونا داثا»، ورأى في رموشها البريق الأول لصقيع شتوي. ثمّ نظر إلى العاشق «فلورنتينو إريثا»، بتماسكه الذي لا يُقهر وحُبّه الراسخ، وأرعبه ارتيابه المتأخر بأن الحياة أكثر من الموت، وهي التي بلا حدود.
سأل: وإلى متى تظن بأننا سنستطيع الاستمرار في هذا الذهاب والإياب الملعون؟
كان الجواب جاهزاً لدى «فلورنتينو إريثا» منذ ثلاثة وخمسين سنة وستة أشهر وأحد عشر يوماً بلياليها.
فقال: مدى الحياة.



اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
TT

اليونيسكو تُدرج الورد الطائفي في التراث غير المادي

تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)
تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)

أعلن الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، رئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، عن نجاح السعودية في تسجيل «الممارسات الثقافية المرتبطة بالورد الطائفي» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».

وأكّد وزير الثقافة السعودي أن الدعم غير المحدود الذي يحظى به القطاع الثقافي السعودي بمختلف مكوناته من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، ساعد على تعزيز حضور الثقافة السعودية في العالم، مضيفاً: «يعكس هذا التسجيل جهود المملكة الحثيثة في حماية الموروث الثقافي غير المادي، وضمان استدامته ونقله للأجيال القادمة».

وجاء تسجيل الورد الطائفي بملفٍ وطنيٍ مشتركٍ بقيادة هيئة التراث، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والوفد الدائم للمملكة لدى اليونيسكو، لينضم إلى قائمة عناصر التراث الثقافي غير المادي السعودية المُسجلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو، وهي: العرضة السعودية، والمجلس، والقهوة العربية، والصقارة، والقط العسيري، والنخلة، وحياكة السدو، والخط العربي، وحِداء الإبل، والبن الخولاني السعودي، والنقش على المعادن، والهريس.

ويُعد الورد الطائفي عنصراً ثقافياً واجتماعياً يرتبط بحياة سكان الطائف، حيث تُمثّل زراعته وصناعته جزءاً من النشاط اليومي الذي ينعكس على الممارسات الاجتماعية والتقليدية في المنطقة، ويمتد تاريخ زراعة الورد الطائفي إلى مئات السنين، إذ يعتمد سكان الطائف على زراعته في موسم الورد السنوي، ويجتمع أفراد المجتمع في حقول الورود للمشاركة في عمليات الحصاد، التي تُعد فرصة للتواصل الاجتماعي، ونقل الخبرات الزراعية بين الأجيال.

وتُستخدم منتجات الورد الطائفي، وخصوصاً ماء الورد والزيوت العطرية في المناسبات الاجتماعية والتقاليد المحلية، مثل تعطير المجالس وتقديم الضيافة، مما يُبرز دورها في تعزيز الروابط الاجتماعية، كما يُعد مهرجان الورد الطائفي السنوي احتفالاً اجتماعياً كبيراً يجتمع خلاله السكان والزوّار للاحتفاء بهذا التراث، حيث يعرض المجتمع المحلي منتجاته، ويُقدم فعاليات تُبرز الفخر بالهوية الثقافية.

ويعكس تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو قيمة هذا العنصر بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية، إلى جانب إسهامه في تعزيز فهم العالم للعلاقات الوثيقة بين التراث الثقافي والممارسات الاجتماعية، ويأتي ذلك في ظل حرص هيئة التراث على ضمان استدامة هذا الإرث الثقافي، كما يعكس حرصها على ترسيخ التبادل الثقافي الدولي بعدّه أحد مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».