أحدث أساليب التصدي للأخبار الكاذبة مثل لقاح الفيروس... المكافحة قبل الانتشار

مهارات جديدة اعتمدتها عدة كليات للإعلام

تم الكشف عن العديد من أساليب تزييف الحقائق أثناء حملة «بريكست» لإقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي
تم الكشف عن العديد من أساليب تزييف الحقائق أثناء حملة «بريكست» لإقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي
TT

أحدث أساليب التصدي للأخبار الكاذبة مثل لقاح الفيروس... المكافحة قبل الانتشار

تم الكشف عن العديد من أساليب تزييف الحقائق أثناء حملة «بريكست» لإقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي
تم الكشف عن العديد من أساليب تزييف الحقائق أثناء حملة «بريكست» لإقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي

الأخبار الكاذبة أو المزيفة ليست ظاهرة جديدة، فهي من بقايا الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، حيث كان هتلر والتحالف ضده، والاتحاد السوفياتي والغرب، يتبادلان المعلومات الكاذبة في أغراض متعددة، منها رفع الروح المعنوية مقابل إحباط المعسكر الآخر، أو تشتيت انتباه العدو ونشر الشائعات والدعاية الكاذبة. ولكن الأخبار المزيفة اكتسبت زخماً جديداً في عصر الإنترنت، وأصبحت تستخدم في جميع المجالات، ولأغراض سياسية داخلية، أو لتسويق معلومات كاذبة.
من بقايا المعلومات الزائفة الباقية، حتى الآن، القول بأن تناول الجزر يقوي النظر. والأصل في هذه المقولة خدعة بريطانية موجهة ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اكتشف الحلفاء نظام الأشعة تحت الحمراء، الذي يمكن بها الرؤية الليلية أثناء حملات ضرب المدن الألمانية بالقنابل ليلاً. ومع تعجب الألمان من دقة إصابة الأهداف، أشاع الإنجليز أن الفضل يعود إلى قوة نظر الطيارين، بعد نظام تغذية خاص يعتمد على الجزر. وما زال البعض يعتقد في صحة هذه المقولة.
دلالة الإشاعة حول تناول الجزر لتقوية النظر، تشير إلى قدرة الأخبار الكاذبة على الاستمرار وتحدي الزمن، مما يجعل التصدي لها في غاية الصعوبة. ويعرف الباحث الأكاديمي في جامعة كامبردج، ساندر فاندر ليندن، هذه الحقيقة، ويقول إن انتشار الأخبار الكاذبة مثل انتشار الفيروسات، من الصعب التصدي لها بعد انتشارها. ولذلك فهو يعتقد أن أفضل وسائل التصدي لها هو أسلوب التحصين ضدها.
وتساهم وسائل التواصل الحديثة في انتشار هذه الفيروسات عبر «تويتر» و«واتساب» و«فيسبوك». وأحيانا تكون الأخبار الكاذبة أكثر إثارة من الحقيقة، مثل نظرية المؤامرة أن رحلة الهبوط على سطح القمر في الستينات لم تحدث، وأنها مفبركة في معمل أميركي.
ويرى ليندن أن من الصعوبة إلغاء أثر الأخبار الكاذبة بعد أن تستقر في الذاكرة. ولذلك فهو يعتقد أن أفضل وسيلة ضد الأخبار الكاذبة هو اللقاح ضدها، ومنعها من الانتشار قبل أن تبدأ. وهو يرى أن هذا أفضل من مكافحتها بعد مرحلة الانتشار. ويتم تدريس نظرية التحصين أو اللقاح (Inoculation) ضد الأخبار الكاذبة حالياً في كليات الإعلام.
ويمكن شرح نظرية التحصين بتجربة أجراها ليندن على مجموعة من العامة حول فكرة صحيحة، وهي أن 97 في المائة من العلماء في الوقت الحاضر يؤكدون أن التغير المناخي الضار هو نتيجة للنشاطات الإنسانية على الأرض. وهي حقيقة يجد البعض صعوبة في تصديقها على الرغم من الأدلة. فمع سؤال عينة عشوائية من الأميركيين، قالت نسبة 49 في المائة إن إجماع العلماء هو بنسبة أكبر من النصف، بينما قالت نسبة 15 في المائة فقط إن النسبة هي أكبر من 90 في المائة، وهي النسبة الأقرب إلى الحقيقة. ويرى ليندن أن هذه الحيرة هي نتيجة حملات منسقة لبث الشك بين العامة حول أسباب التغير المناخي.
من الأسباب الأخرى لشكوك الرأي العام في إجماع أغلبية العلماء حول أسباب التغير المناخي، خروج تقرير كاذب يسمى «التماس أوريغون» في عام 2007، أشار إلى أن 31 ألف عالم أميركي رفضوا فكرة أن النشاط الإنساني هو سبب التغير المناخي.
وجرى البحث على عينة من ألفي شخص بعد تحضير تقريرين؛ الأول هو تقرير حقيقي حول نسبة العلماء المؤيدة لفكرة أن النشاط الإنساني هو سبب التغير المناخي. والثاني هو دحض «التماس أوريغون» بكشف أكاذيب فيه، منها أن العينة تشمل أسماء أشخاص متوفين، وأن أقل من واحد في المائة من العينة لهم خبرة بشؤون المناخ.
وتم تقسيم العينة إلى مجموعات، الأولى منها تم سؤالها عن نسبة العلماء المؤكدين لفكرة أن النشاط البشري هو أهم أسباب التغير المناخي، وذلك قبل الاطلاع على أي تقرير. وكانت الإجابات الصحيحة في حدود نسبة 72 في المائة. وعندما اطلعت مجموعة أخرى على التقرير الحقيقي لعدد العلماء، ارتفعت النسبة المؤيدة إلى 90 في المائة. وهبطت النسبة إلى 63 في المائة من مجموعة ثالثة قرأت فقط التقرير الكاذب المسمى «التماس أوريغون».
المفاجأة كانت من مجموعة أخرى قرأت التقرير الأصلي أولاً، ثم التقرير الكاذب، حيث كانت النسبة 72 في المائة أيضاً، وهو ما يعني أن الأخبار الكاذبة لغت أثر الأخبار الصادقة تماماً، وكأن المجموعة لم تقرأ شيئاً.
وهنا جاء وقت «التحصين»، حيث تم إطلاع مجموعة أخرى على التقرير الصحيح حول أسباب التغير المناخي، ثم شرح أن هناك مجموعات سياسية وتقارير خاطئة تريد خداع الرأي العام لأغراض متعددة حول قضايا التغير المناخي، فارتفعت نسبة المؤيدين للتقرير الحقيقي إلى 80 في المائة حتى بعد قراءتهم للتقرير المزيف المسمى «التماس أوريغون». وكان الشرح المصاحب للتقرير الأصلي بمثابة «التحصين» الواقي من الأخبار الكاذبة. وأجريت العديد من الأبحاث المماثلة من كليات إعلام أخرى، وكانت النتائج مماثلة.
وتوصلت الباحثة الأسترالية إيرين نيومان، إلى أن المصل الواقي من الأخبار الكاذبة كان بمثابة ضربة استباقية رفعت الوعي العام ضد الأخبار الكاذبة. ويمكن تطبيق مثال التغير المناخي على العديد من القضايا الأخرى، مثل كروية الأرض، والوصول إلى القمر، وجوانب من إدارة الرئيس ترمب، وغيرها من القضايا.
ويلجأ مروجو الأخبار الكاذبة إلى عدة أساليب نفسية من أجل تمرير أكاذيبهم، مثل القول إن 31 ألف عالم وافقوا على «التماس أوريغون» حول التغير المناخي. وتعتمد هذه الكذبة على الثقة المفترضة في العلماء من دون البحث عن حقيقة هؤلاء.
ومن الناحية النفسية، من المفترض أن يلجأ العامة إلى عدة أساليب لتحليل المعلومات الجديدة عليهم. من هذه الأساليب: هل يصدق آخرون هذه المعلومات، هل هناك دليل على المعلومات، هل تتوافق هذه المعلومات مع ما نعرفه مسبقاً عن الموضوع، وهل مصدر المعلومات موثوق فيه. ولكن العديد يلجأون إلى اختصار هذه الأسئلة أو تجاهلها. وفي الادعاء أن 31 ألف عالم ينفون علاقة النشاط الإنساني بالتغير المناخي، لم يسأل البعض أنفسهم كم من هؤلاء بالفعل علماء مناخ. وهم يلجأون إلى الحل الأسهل بتصديق رقم «31 ألف عالم».
ويصف العلماء هذا الحل السهل بأنه «النظام 1» في التفكير، وهو الأسلوب الأسهل لأنه يلائم وقع الحياة اليومية السريعة وسيل المعلومات الغزير، الذي لا يسمح بتحليل كل المعلومات بطريقة صحيحة. وهو أسلوب متبع حالياً في القفز بين عناوين رسائل «فيسبوك» بسرعة من دون التوقف لتحليل صحة أي منها. ولذلك تعد وسائل التواصل الاجتماعي تربة خصبة للأخبار الكاذبة.
وتأتي فائدة اللقاح ضد الأخبار الكاذبة بمثابة تحذير مسبق منها، يجعل العقل يقلل من سرعة تناول المعلومات، ويفكر لبرهة في كل منها. وبعد اللقاح تؤخذ الأخبار الكاذبة على محمل الشك أولاً، بدلاً من تصديقها من أول وهلة.
ويعرف علماء النفس أن العامة لا تريد أن يملي عليها أحد ما هو صحيح وما هي خطأ، ولذلك فإن الأسلوب الأمثل للتحصين ضد الأخبار الكاذبة هو تعلم الأساليب المستخدمة في نشر هذه الأخبار، لكي يسهل على العامة كشفها ورفضها. وقد تم الكشف عن العديد من أساليب تزييف الحقائق أثناء حملة «بريكست» لإقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكانت بعض أسباب التصويت لـ«بريكست» مضحكة، مثل الاعتراض على وجود العديد من الهنود يعملون في محلات «السوبر ماركت»، أو أن المحاكم الأوروبية تمنع بريطانيا من ترحيل المتطرفين.
وهناك بالطبع نقاط ضعف ظاهرة في نظرية التحصين ضد الأخبار الكاذبة. وهي أنها تستغرق الكثير من الوقت والجهد في توصيل اللقاح ضد المعلومات الكاذبة لمجموعات من الأفراد. كذلك فإن اللقاح ضد موضوع تزييف التحول المناخي لا يقي من المعلومات الكاذبة في موضوعات أخرى متعددة. ولا يعرف المتلقي عادة من أي اتجاه سوف تأتي الأخبار الكاذبة التالية.
من نقاط الضعف الأخرى أن هناك ملايين من الأخبار الكاذبة المنتشرة في المجال العام، خصوصاً على وسائل التواصل، وتوفير لقاحات لكل منها هو شبه مستحيل. وفي مجال المناخ يعرف الجميع أن النشاطات الإنسانية لها انعكاس مباشر على تغير المناخ، ومع ذلك يدعي البعض، عن جهل أو عمد، أن المناخ يتغير منذ القدم، ومن قبل النشاط الإنساني. وهو أسلوب معروف بالقفز إلى النتائج، على الرغم من أن المقدمات لا تؤدي إلى النتائج نفسها. وهو مثل اكتشاف جثة، وبها طعنة سكين، والقول إن الناس تموت طبيعياً منذ القدم.



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».