تقول نسيمة؛ التي تعول 4 أولاد، إن احتمال إقامة سلام دائم في أفغانستان أمر يصعب تصديقه. ونسيمة (45 عاماً) التي قتل زوجها ناصر أحمد في تفجير شاحنة ملغومة بكابل، تردد أن حركة «طالبان» تقف وراءه، واحدة من آلاف المكلومين الذي فقدوا أحبة في بلد أرهقته الحرب، وأصبحوا ينظرون بعين الشك والأمل في آن لاتفاق السلام الموعود... فأفغانستان في حالة حرب منذ عشرات السنين.
كان الغزو السوفياتي مهيمناً في فترة الثمانينات، ثم أعقبته الحرب الأهلية وكانت لحركة «طالبان» المتشددة اليد العليا بضع سنوات قبل أن يطيح بها هجوم أميركي أعقبه صراع استمر 18 عاماً أخرى. وسقط عشرات الآلاف قتلى من المدنيين ومقاتلي المعارضة وقوات الأمن الأفغانية والقوات الأجنبية. ويثير الاتفاق الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» يوم السبت مشاعر متباينة لدى هؤلاء المكلومين. وقالت نسيمة متسائلة في شقتها بكابل وحولها أولادها: «كيف لي أن أصدق أن من يقدر على ارتكاب هذا الهجوم الوحشي سيسمح للآخرين بالعيش في سلام؟».
لكنها ستحاول على الأقل مواصلة حياتها إذا توقفت الهجمات فعلاً. وقالت نسيمة: «إذا كانوا (طالبان) جادين في الاتفاق على سلام
حقيقي، فأنا على استعداد للصفح عن المعاناة التي تسببوا فيها لي ولعائلتي».
ويرتبط الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العطلة الأسبوعية بالدوحة على انسحاب القوات الأميركية، بمسعى أوسع نطاقاً لتحقيق المصالحة بين حركة «طالبان» والحكومة الأفغانية، وذلك رغم بقاء عقبات كبرى أمام تحقيق السلام الدائم. ومن هذه العقبات انعدام الثقة بين الطرفين اللذين يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية عن ضخامة الخسائر في الأرواح خلال الحرب.
بشاعة ما بعد التفجير
خرج زوج نسيمة من بيته مبكراً صباح يوم في أواخر شهر مايو (أيار) 2017 خلال شهر رمضان للبحث عن عمل يمكن بعده العودة للبيت بوجبة الإفطار. وكانت بضعة أيام مرت دون أن يجد عملاً. وتروي نسيمة ما تتذكره من أحداث فتقول: «قبل ذلك بيوم سألته إن كان قد وجد عملاً، وقال لي إن هناك متاجر تحتاج واجهات العرض فيها للتنظيف بمناسبة رمضان، وإنه واثق بأنه سيجد عملاً إذا خرج مبكراً». وفي نحو الساعة الثامنة والنصف سمعت دوي انفجار هائل. كان الانفجار من الضخامة بحيث ارتجت المدينة بكاملها. كان تفجير الشاحنة الملغومة أسوأ هجوم من نوعه في الحرب حتى الآن. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية التي سقط فيها 150 قتيلاً على الأقل كان ناصر أحمد واحداً منهم.
وذكريات نسيمة عن ذلك اليوم مروعة رغم أنها أمر عادي بين الأفغان. تقول نسيمة: «في المستشفى شاهدت جثثاً تغطيها الدماء ومتفحمة.
وكان الجرحى يصرخون. وكانت هناك صناديق تمتلي بأشلاء بشريةٍ. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة عملت نسيمة في غسل الصحون
والملابس لتعول أولادها وهم: بنتان: نعيمة (15 عاماً) وسابزينة (13 عاماً)، وولدان هما: وارث (10 أعوام) وعارف (7 أعوام). وقالت: «أنا عشت حياتي وكُتبت عليّ المعاناة، لكني أريد السلام لأولادي».
الألم مقابل السلام
وعرفت أسر مقاتلي «طالبان» ورجال الأمن مرارة الفقد أيضاً، من هؤلاء حاجي مالك (47 عاماً) الذي يملك متجراً في مدينة قندوز؛ إذ فقد ابنه سراج الدين وهو في الثامنة عشرة عندما سقط قتيلاً في صفوف «طالبان» خلال اشتباك مع القوات الدولية والأفغانية في إقليم باكتيكا عام 2016. هرب سراج الدين من بيت الأسرة قبل ذلك بعامين للانضمام إلى مقاتلي «طالبان»، ويتذكر مالك الألم الطاغي الذي شعر به عندما جاءه خبر مصرع ابنه. قال مالك إنه لم يتسن له قط أن يدفن ابنه لأن الجثة كانت في حالة سيئة وتم دفنها قبل وصوله إلى حيث كانت. وقال لـ«رويترز» عن اتفاق الدوحة إنه «فرصة للسلام في أفغانستان التي عانت خلال سنوات الحرب. لكن إذا كان السلام قادماً فيحب أن يكون سلاماً حقيقياً... لا أن يستمر بضعة أيام فقط».
ومن الضحايا أيضاً حبيب الله نزاري، الضابط بمديرية الأمن الوطني في أفغانستان، والذي كان على الخط الأمامي في محاربة حركة «طالبان»؛ فقد لقي مصرعه في هجوم شنته الحركة المتشددة. كان نزاري يستعد لمهمة أمنية مع 6 من زملائه عندما قاد انتحاري من «طالبان» عربة محملة بالمتفجرات واقتحم بها مكتب المديرية في مدينة هرات بغرب البلاد. قال شقيقه محمد جول (23 عاماً) إن نزاري كان العائل الوحيد لأسرته المكونة من 12 فرداً. وأضاف: «فقدان أحد أفراد الأسرة مؤلم جداً. لكني لن أنطق بالشكوى إذا عاد السلام؛ السلام الحقيقي».