من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية
TT

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

من التاريخ: الخوارج والدولة الأموية

قتل الخوارج الإمام علي بن أبي طالب، وكفّروا أيضا أغلبية الأطراف التي لم تتبع مذهبهم المتشدد خاصة في عملية التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأمروا عليهم من لم يكن له حق الإمامة، ومن بعد ذلك رفضوا كل ما تم الاتفاق عليه في عام الجماعة بعدما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فلقد رفضوا عليا ثم الحسن بن علي ثم معاوية من بعده، فكتبوا على أنفسهم الدخول في حرب ضروس ضد الخلافة الأموية الجديدة، ولم يكن الخليفة الجديد بغافل عن فكرهم وتطرفهم، وأدرك على الفور أنه لا مجال لاجتذاب هؤلاء إليه رغم قدراته السياسية الفائقة وأساليبه الدبلوماسية المميزة، فلقد تعامل معهم باللغة الوحيدة التي يمكن التصرف بها معهم، وهي لغة السيف، فأمثالهم ممن كفّروا المجتمع واستباحوا قتل من لم يتبع فكرهم بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ ما كان للكلمة أن تكون أداة لاستقطابهم إلى الجماعة مجددا ولم شمل الدولة، فعقد الخليفة العزم على محاربتهم حربا ضروسا، وتبعه في ذلك سائر الخلفاء من بعده.
لقد بدأ صراع الخوارج مع الدولة الأموية منذ البداية، فلقد كانوا رافضين تماما لخلافة معاوية ولأسسها الشرعية وكان موقفهم أكثر تشددا من موقفهم مع خلافة علي بن أبي طالب،، فجمعوا شملهم تحت قيادة شخصية تدعى فروة بن نوفل وخرجوا على الأمويين، وهنا لجأ معاوية بن أبي سفيان إلى سياسة حكيمة للغاية، فلقد جرد لهم جيشا قويا يحاربهم، ولكنه استعمل أيضا وسيلة مبتكرة وهي تهديد أهل الكوفة بجملته الشهيرة «لا أمان لكم عندي حتى تكفوا بوائقكم»، كما ركز هذا السياسي الحكيم جزءا من جهده لمحاربة البيئة الحاضنة لهؤلاء المتطرفين حتى تلفظهم فيساعد ذلك جيوشه على مواجهتهم، وقد رضخ أهل الكوفة لهذا ولفظوا كثيرا منهم، ولكن هذا لم يمنع من ظهور موجة ثانية منهم بقيادة حيان بن ظبيان، فواجههم والي معاوية المغيرة بن شعبة وهزمهم ولكن بثمن كبير وبجهد ومال وفيرين.
لقد أدرك معاوية أن مواجهة الخوارج ستمتد، ولذلك قرر أن يُحَمِّل أخاه بالتبني زياد بن أبيه - الذي يقال إنه كان أخا له - فأسند له ولاية الكوفة بكل مشاكلها وفتنها، وقد استطاع هذا الرجل أن يسيطر على الأمر بقوة السلاح وأخمد فتن الخوارج لفترة زمنية كبيرة حتى مات، وعندما أُسند إلى ابنه عبيد الله بن زياد ولاية الكوفة، فإن الابن صار على نهج أبيه تماما، واستطاع أن يقضي على نفوذهم الذي كان يظهر بقوة بين فترة وأخرى، خاصة عندما لجأوا إلى «الأهواز» وبلاد فارس لأن البيئة السياسية هناك كانت مواتية لتقبل أفكارهم المتطرفة، واستخدموها كقاعدة لشن الهجمات منها، وقد عانت الدولة الأموية معاناة شديدة من فتنهم خاصة بعد موت عبيد الله بن زياد.
ولقد تحالف الخوارج بقوة مع عبد الله بن الزبير الذي أعلن خلافته الإسلامية في المدينة وكاد يعصف بالدولة الأموية تماما لولا حنكة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان من بعده، ومع ذلك فإن الخوارج كانوا على عهدهم بالتشدد وعدم الاستقرار، فكانوا حلفاءه، ثم تخلوا عنه لأسباب مرتبطة برؤيتهم لإمامته، فكانوا فرقة ضالة غير قادرة على حسم أمرها لفترات ممتدة بسبب رؤيتهم الضيقة وفكرهم المتصلب، وقد قام بمواجهتهم شخصية عسكرية فذة وهو المهلب بن أبي صفرة الذي استطاع بكل قوة أن يضربهم ضربات موجعة خاصة أتباع قطري بن الفجاءة واستطاع أن يقضي عليه بعد أن حقق نجاحات إيجابية وكان من فسلفته أن يتركهم كلما تجمعوا إلى أنفسهم وأفكارهم فينقسمون على أنفسهم ثم يواجههم متفرقين، ورغم ذلك فإن هذا الداء السياسي ظل موجودا مرة بعد أخرى، حتى بعدما سَيّر الخليفة الأموي عامله الحجاج بن يوسف الثقفي إلى العراق، فيروى أن فريقا منهم قويت شوكته واستطاع أن يحاصر الكوفة ومقر الحجاج نفسه تحت قيادة بطل مغوار هو شبيب بن يزيد، ولكن الحجاج كانت له أساليبه العسكرية والسياسية فاستطاع دحرهم في النهاية.
ثار الخوارج مرة أخرى في عهد عمر بن عبد العزيز، وقد سَيّر لهم هذا الخليفة الورع مسلمة بن عبد الملك على رأس جيش قوي، ولكنه طلب منه التأني في قتالهم، وتورد المصادر التاريخية الإسلامية وجود الكثير من الحوارات بين الخليفة عمر وبعضهم والتي تعكس بوضوح ضآلة فكرهم ونظرتهم الضيقة إلى حد السذاجة، فلقد كانت أفكارهم متشددة ولكنها لم تكن صلبة الجذور لاعتمادها على التفسيرات المتشددة وليس لب الدين الحنيف، وقد ساهمت هذه الحوارات في تهدئة ثورتهم، خاصة لما كان لهذا الخليفة من سمعة طيبة رقت معها عقلية بعض الخوارج بعض الشيء وإن كانت الحرب ضدهم قد استمرت بعد ذلك أيضا، ولكن شوكتهم انكسرت بشكل كبير في نهاية عهده، ومع ذلك فقد ظلت ثوراتهم ممتدة في الشمال الأفريقي عندما حاولوا الاستقلال بدولتهم الخاصة هناك ولكنهم دحروا أيضا، ثم ثاروا على فترات متقطعة، وكانت آخر ثوراتهم في المدينة خلال حكم آخر الخلفاء مروان بن محمد، وانتهت المواجهة بهزيمتهم ولكن ليس قبل أن يضعفوا هذا الخليفة تماما، ويساهموا بشكل ملحوظ في نهاية الدولة الأموية خاصة أن ذلك تزامن مع الزحف العباسي، ومع ذلك فإن شرهم لم يقف عند حد الأمويين، بل استمروا في نشاطهم المناوئ كما سنرى خلال الدولة العباسية، ولكن هذه الدولة الفتية استطاعت أن تنهي خطرهم السياسي عليها، وساعدهم في ذلك كثرة هزائمهم أمام الدولة المركزية ولجوء الكثير منهم للاحتفاظ بفكرهم بعيدا عن العمل السياسي والعسكري، وهكذا هدأت حركة الخوارج وخملت وانكفأت على نفسها في أحيان كثيرة.
واقع الأمر أنني كثيرا ما أعود بالفكر والتأمل لهذه المرحلة الحاسمة من التاريخ الأموي، فأشرد الذهن بعض الشيء وأتساءل ماذا كان سيحدث لو أن الفتن لم تدب في الجسد السياسي الإسلامي بسبب الخوارج؟، فيعود لي الفكر الشارد خاسئا وهو حسير، ليس لغياب أي أفكار إيجابية يمكن لي أن أتخيلها حول مستقبل مواز للدولة أو الدول الإسلامية حتى الوقت الحالي، ولكن لاقتناعي القوي بأن أمثال هذه الفئة الضالة قد كلفت الدولة الإسلامية الكثير من الفرص الضائعة، فلو أن القيادة السياسية الإسلامية، أيما كانت، سواء ممثلة في الأمويين أو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أو غيرهما، كانت مسيطرة على المشهد السياسي الداخلي بعيدا عن الفتن والاقتتال السياسي مع الفرق المتطرفة، لكان الوضع قد تغير ولتمكنت الجيوش الإسلامية من تثبيت أركان هذه الدولة الوليدة، ولما تأخر فتح القسطنطينية ولكانت الجيوش الإسلامية قد استطاعت حسم معركة «بلاط الشهداء» وتوسيع أركانها في كل أوروبا، ولأصبح من الممكن أن تكون الخلافة الإسلامية أو الدول والكيانات المتتالية في عالمنا قوة لا يُستهان بها في عالم اليوم، فكان من الممكن أن تملك خيوطا هامة من زمام عوامل التغير التاريخي وحركته.



أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.