«العفو الدولية» تطالب الحكومة التونسية بإرساء دعائم العدالة الانتقالية

دعت إلى محاسبة المتهمين

TT

«العفو الدولية» تطالب الحكومة التونسية بإرساء دعائم العدالة الانتقالية

دعت منظمة العفو الدولية رئيس الحكومة التونسية الجديد إلى «اغتنام الفرصة» للتخلص من ظاهرة إفلات رجال الأمن المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان في تونس من المساءلة القانونية، وأبرزها التعذيب والإفراط في استعمال القوة خلال المداهمات الأمنية. كما دعتها إلى مواصلة إرساء دعائم العدالة الانتقالية من خلال حماية المساءلة الجنائية، التي بدأتها المحاكم المختصة منذ سنة 2018.
ودعت «العفو الدولية» في رسالة مفتوحة موجهة إلى إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة الجديدة، الذي تسلم مهامه رسميا أول من أمس، إلى «الالتزام علنا بعدم التسامح مطلقا مع انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان أن تكون المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت في الماضي، وكذلك تلك التي ارتكبتها أطر الأمن منذ سنة 2011 على رأس الأولويات».
وأضافت المنظمة في الرسالة ذاتها أنه «من غير المقبول أن تبقى معظم الادعاءات الموثوق بها ضد أفراد من منظومة الأمن دون محاكمات، رغم مرور أكثر من تسع سنوات عن الانتفاضة التونسية». كما دعت الحكومة التونسية الجديدة إلى ضمان عدم استمرار تنفيذ إجراءات الطوارئ، التي كانت سببا وراء المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، مشيدة في المقابل بالتزامات الحكومة بدعم استقلالية القضاء.
من جهة ثانية، قررت لجنة إعداد المؤتمر الاستثنائي التوحيدي لحزب «نداء تونس»، التي شكلها حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل، عقد المؤتمر التوحيدي الاستثنائي للحزب يومي 18 و19 أبريل (نيسان) المقبل، وذلك في محاولة للمّ شتات الحزب، الذي فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية لسنة 2014، وكان متزعما للمشهد السياسي طوال السنوات الخمس الماضية. وأوضحت هذه اللجنة أن هذا المؤتمر «يعتبر فرصة للتقييم والانطلاقة الجديدة، بعد أن تمّ الاتفاق على نموذج يهدف إلى مؤتمر توحيدي للحزب».
وحول مراحل الإعداد لهذا المؤتمر، بينت لجنة المؤتمر الاستثنائي أن الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار) الحالي سيكون موعدا لانطلاق اجتماعات مختلف اللجان، ودعت منتسبي الحزب إلى الاستعداد لهذه المحطة الهامة في تاريخ الحركة، والالتفاف حول الهياكل المحلية والجهوية، قصد إنجاح كافة مراحل الإعداد والمشاركة فيها، والتفاعل مع كل المبادرات التي ستدعو لها اللجنة مستقبلا.
وحسب بعض المراقبين، فإن حزب «نداء تونس» يحاول من خلال هذا المؤتمر ترميم بيته الداخلي، وجمع شتاته وإعادة توحيد صفوفه، بعد أن مني بهزيمة مدوية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث لم يحصل سوى على 3 مقاعد برلمانية، بعد أن كان في المرتبة الأولى بـ86 مقعدا.
وكانت اللجنة المركزية لحزب النداء قد اجتمعت في 25 و26 من يناير (كانون الثاني) الماضي في مدينة الحمامات (شمال شرق)، وصادقت على سد الشغور في هياكل الحزب، وانتخاب قاسم مخلوف رئيسا للجنة المركزية وممثلا قانونيا للحركة، خلفا لحافظ قائد السبسي، وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر المقبل. علما بأن الحزب أقال خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حافظ قائد السيسي، نجل الرئيس الراحل، من قيادته بعد أن تلقى نجل السبسي اتهامات واسعة بالاستفراد بالرأي، وسعيه لوراثة الحكم من والده، وهو ما يوحي، وفق مراقبين، بمحاولة إصلاح هيكلي داخل الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل سنة 2012. وقاده إلى الفوز على «حركة النهضة» (إسلامية) غريمه السياسي ومنافسه في انتخابات 2014. بعد أن انفرط عقده خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية.
وسجلت قيادات «النداء» ما سمته «حالة شغور بمنصب رئيس اللجنة المركزية والممثل القانوني للحزب»، وتم إقرار الشغور إثر استقرار حافظ السبسي في العاصمة الفرنسية باريس، وابتعاده عن المشهد السياسي التونسي لنحو خمسة أشهر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.