الحكومة التونسية الجديدة تبدأ مهامها بـ«ملفات ثقيلة»

أبرزها محاربة البطالة وجلب الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد

الحكومة التونسية الجديدة تبدأ مهامها بـ«ملفات ثقيلة»
TT

الحكومة التونسية الجديدة تبدأ مهامها بـ«ملفات ثقيلة»

الحكومة التونسية الجديدة تبدأ مهامها بـ«ملفات ثقيلة»

تسلم إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية الجديدة، أمس، مهامه بصفة رسمية من سلفه يوسف الشاهد، رئيس حكومة تصريف الأعمال، لتشرع الحكومة في تنفيذ برنامج عملها الذي سيركز على «ملفات ثقيلة»، بحسب تعبير بعض المراقبين، وفي مقدمتها الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة البطالة، وجلب الاستثمارات، وإنعاش الاقتصاد.
ونظم حفل تسليم وتسلم رئاسة الحكومة الجديدة في دار الضيافة بقرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة)، بحضور فريق الحكومة المنحلة، يتقدمهم يوسف الشاهد، والفريق الحكومي الجديد وعلى رأسه إلياس الفخفاخ، وراشد الغنوشي رئيس البرلمان، وممثلو المنظمات الوطنية والهيئات الوطنية، وعدد من ممثلي الأحزاب السياسية، مع غياب لافت لممثلي الاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال).
وكان أعضاء حكومة الفخفاخ قد أدوا أول من أمس اليمين الدستورية، أمام الرئيس قيس سعيد، كما صرحوا بممتلكاتهم ومكاسبهم، كما ينص على ذلك قانون البلاد.
وفي كلمة ألقاها الشاهد بمناسبة حفل التسليم، ثمَّن عملية الانتقال السلمي للسلطة، والمناخ الديمقراطي في تونس، وردد العبارة الشهيرة التي انتشرت بعد الإطاحة بنظام بن علي، موجهاً كلامه إلى رئيس الحكومة الجديد: «وأخيراً، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، مضيفاً: «لا بد من أن نضع اليد في اليد لتجاوز المرحلة الصعبة اقتصادياً واجتماعياً. نحن نغادر السلطة وضمائرنا مرتاحة؛ لأننا خدمنا البلاد. وقد دفعت ثمناً سياسياً كبيراً؛ حيث شُنت ضدي حملات تشويه وشيطنة؛ لأنني حاربت الفساد»، في إشارة إلى خسارته السباق الرئاسي.
وأوضح الشاهد أنه غادر السلطة وقد ترك البلاد محصنة ضد الإرهاب، وذكَّر بالعمليات الإرهابية التي وقعت في تونس منذ توليه مهامه، والتي أثرت على الاقتصاد وعلى صورة تونس في الخارج، لافتاً الانتباه إلى التحديات الأمنية التي واجهتها حكومته خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2020، والتي نجحت البلاد في تجاوزها، كما سجل تجاوز تونس مرحلة الخطر الاقتصادي، بحسب تعبيره. وتابع الشاهد موجهاً كلامه لرئيس الحكومة الجديدة: «التحديات لن تكون سهلة، والبلاد لن تتقدم إذا لم تكن هناك إصلاحات، وستكون هناك فرصة تاريخية للحكومة الجديدة مع رئيس جمهورية يؤمن بضرورة الحرب على الفساد، وهي حرب ضرورية في تونس اليوم». ونبهه إلى أن سيره في الحرب على الفساد سيخلق له كثيراً من المشكلات، قد تصل إلى إمكانية إسقاط حكومته، ومع ذلك نصحه بالمواصلة وعدم الاكتراث «لأن في ذلك مصلحة البلاد» على حد تعبيره.
من جهته، طلب رئيس الحكومة الجديدة من التونسيين دعم الاستقرار السياسي، مشيراً إلى أن سنة واحدة «لا تكفي الحكومة لإنجاز البرنامج الحكومي، وعلينا أن نتعاون جميعاً لأن إنقاذ تونس هو هدفنا». وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) قد دعا الحكومة قبيل نيلها ثقة البرلمان للالتزام بتعهدات الحكومات السابقة، وتطبيق الاتفاقيات المبرمة، احتراماً لمصداقية التفاوض بين ممثلي النقابات والحكومة. ومن جانبها، قررت «الجامعة العامة للقيمين والقيمين العامين»، التابعة لاتحاد الشغل، أمس، مقاطعة كل عمل إداري وتربوي وبيداغوجي له علاقة بشؤون التلاميذ والمؤسسات التربوية، وهو ما قد يسلط ضغوطاً إضافية منذ البداية على حكومة الفخفاخ.

وجاءت قرارات الجامعة رداً على ما اعتبرته إصرار رئاسة الحكومة على عدم تفعيل عدد من المطالب المهنية، وفي مقدمتها تفعيل محضر اتفاق 8 مايو (أيار) 2018 الذي يتضمن عدداً من المطالب المهنية، ومن أبرزها الإسراع في هيكلة ديوان الخدمات المدرسية، وإصدار النصوص الترتيبية ذات العلاقة، فضلاً عن إصدار الترقيات السنوية العادية في آجالها القانونية.
ودعت النقابة إلى تسوية الوضعية المهنية للأعوان المتعاقدين للتأطير والمرافقة، وإصدار قرارات الترسيم للموظفين المؤقتين، والإسراع إلى توفير وتعميم التجهيزات الرقمية، وتكوين القيمين والقيمين العامين في المنظومة المعلوماتية.
يذكر أن رئيس الحكومة المكلف كان قد وضع في أعلى سلم اهتمامات الحكومة المنتظرة مقاومة الجريمة وعدم احترام القانون، ومقاومة غلاء الأسعار والغش، وتوفير متطلبات العيش الكريم، والتصدي للمحتكرين، ومقاومة التهريب، ومراقبة مسالك التوزيع، والتصدي للمحتكرين، إضافة إلى إنعاش الاقتصاد، وحماية المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتقديم حلول عملية، ودعم المستثمرين والمصدرين، والتصدي للتعقيدات الإدارية، وهي ملفات معقدة من المنتظر أن يصطدم خلالها بكثير من العوائق.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.