السعودية تهدي مصر قطعة من كسوة الكعبة

لوضعها ضمن مقتنيات متحف العاصمة الإدارية الجديدة

قطعة من كسوة الكعبة
قطعة من كسوة الكعبة
TT

السعودية تهدي مصر قطعة من كسوة الكعبة

قطعة من كسوة الكعبة
قطعة من كسوة الكعبة

أهدت المملكة العربية السعودية قطعة من كسوة الكعبة المشرفة لمتحف العاصمة الإدارية الجديدة بمصر، سلَّمها مساء أول من أمس، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، مندوب المملكة الدائم بالجامعة العربية، أسامة بن أحمد نقلي. وجرت مراسم التسليم خلال زيارة السفير نقلي لمقر المتحف، وكان في استقباله وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني.
وقال سفير خادم الحرمين: «يشرفني ويسعدني نيابة عن حكومة خادم الحرمين الشريفين، أن أهدي هذا المتحف قطعة من كسوة الكعبة المشرفة، وهي عبارة عن رمز لعمق العلاقات فيما بين البلدين، ورمز للروابط الدينية فيما بينهما، وروابط الدم وأواصر التاريخ».
ومن جهته، أكد العناني لـ«الشرق الأوسط» عقب تقبيله كسوة الكعبة، أن «هذه أروع هدية يتسلمها المتحف، وأصدق تعبير عن قوة العلاقات بين القاهرة والرياض»، مطالباً دول العالم «بتقديم هدايا مماثلة تعبر عن دولهم، لتنضم لقائمة معروضات المتاحف المصرية المختلفة».
ويقع متحف العاصمة الإدارية في مدينة الثقافة والفنون التي بدأ تنفيذها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، على مقربة من الحي الحكومي، كمركز ثقافي وحضاري وسياحي في العاصمة الإدارية الجديدة؛ حيث تضم دار أوبرا، ومسرحاً مكشوفاً، ومتاحف آثار وفن تشكيلي، ومكتبة.
وتحمل مدينة الثقافة والفنون رسالة مصرية للعالم، تؤكد على حضارة مصر وموروثها الثقافي، من خلال مدينة متكاملة للثقافة والفنون، بحسب العناني الذي وصف المتحف بأنه «حلم أصبح حقيقة»، بينما اعتبره السفير السعودي «صرحاً ثقافياً وفنياً يعرض الموروث الحضاري لمصر»، مهنئاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنشاء المتحف، مشيداً بجهود وزارة السياحة والآثار في الحفاظ على المناطق الأثرية والترويج لها سياحياً.
وأوضح السفير السعودي لـ«الشرق الأوسط» أن «وزارة السياحة والآثار بذلت جهوداً كبيرة للترويج السياحي للآثار، من خلال الجولات السياحية التي نظمها العناني للسفراء الأجانب في مختلف أنحاء مصر، والتي ساهمت بشكل كبير في التعرف على مصر وحضارتها»، مشيراً إلى أن «السعودية وضعت خطة للترويج السياحي للمناطق الأثرية، وستنظم جولات للسفراء الأجانب العاملين بها لتعريفهم بالتراث السعودي».
واعتاد العناني دعوة السفراء الأجانب لحضور الاكتشافات الأثرية، كنوع من الدعاية السياحية لمصر، وللتأكيد على الأمان الذي تتمتع به مصر، و«نجحت» هذه الجولات في تحقيق الهدف منها، على حد قول العناني الذي أوضح أن «السفراء كانوا يحرصون على الوجود، وزيارة المناطق الأثرية المختلفة، ووجودهم دعاية مهمة للسياحة في مصر، ولدرجة الأمان بها».
ويأتي متحف العاصمة الإدارية الجديدة نوعاً من الدعاية للحضارة والتراث المصري؛ حيث سيكون أحد المزارات الموضوعة على جدول ضيوف مصر الرسميين، بحسب التصريحات الرسمية، وتم إنشاؤه بموجب برتوكول تعاون بين المجلس الأعلى للآثار ومجموعة «الماسة» المسؤولة عن إنشاء مدينة الثقافة والفنون. وهو عبارة عن مبنى زجاجي على مساحة 8500 متر مربع، يتوسط مبنيين آخرين يضمان متاحف فنية، ويتكون من طابقين، أرضي وأول، وأمام مدخله تقف مسلة رمسيس الثاني مستقبلة زوار المتحف، وتقودهم إلى مدخله الذي زُينت أرضه بنقش لنهر النيل، حُددت عليه أسماء عواصم مصر القديمة.
ويحكي المتحف تاريخ العواصم المصرية عبر العصور، بدءاً من توحيد مصر قبل نحو 5 آلاف عام، وصولاً للقاهرة، بحسب العناني الذي أوضح أن «المتحف سيضم قطعاً أثرية ترمز لعواصم مصر المختلفة، من منف، إلى طيبة، إلى القاهرة».
واختارت لجنة سيناريو العرض المتحفي 9 عواصم مصرية لتمثيلها في المتحف من بين 20 عاصمة تاريخية لمصر، وفقاً للدكتور محمود مبروك، مستشار سيناريو العرض المتحفي بوزارة الآثار، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف سيحكي قصة هذه العواصم، ونظام الحكم والإدارة فيها، وأسباب إنشائها».
ويتوسط صحن المتحف الداخلي تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني، وهو أول قطعة أثرية يتم عرضها في المتحف، وعلى الجانب تماثيل صغيرة وقطع أثرية أخرى.
وما زالت الأعمال جارية لاستكمال القطع الأثرية، وخارج القاعة الرئيسية للمتحف، وفي أحد المباني الجانبية الملحقة به، تجري حالياً إعادة تركيب مقبرة توتو التي تم نقلها أخيراً من محافظة سوهاج بصعيد مصر.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».