هل ينجح غريفيث في إطلاق مسار السلام المتعثر في اليمن؟

بعد مرور عامين من عدم تحقق بناء الثقة بين الشرعية والحوثيين

غريفيث متحدثاً في اجتماع استشاري استضافته عمّان أمس (حساب غريفيث في تويتر)
غريفيث متحدثاً في اجتماع استشاري استضافته عمّان أمس (حساب غريفيث في تويتر)
TT

هل ينجح غريفيث في إطلاق مسار السلام المتعثر في اليمن؟

غريفيث متحدثاً في اجتماع استشاري استضافته عمّان أمس (حساب غريفيث في تويتر)
غريفيث متحدثاً في اجتماع استشاري استضافته عمّان أمس (حساب غريفيث في تويتر)

لم يتردد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أثناء التصريح في أول إحاطة له هذا العام أمام مجلس الأمن الدولي بأنه يأمل أن تكون هذه السنة 2020 هي السنة التي سيتحقق فيها السلام في اليمن، رغم الكثير من المؤشرات التي تحيل يإلى تعقيد كبير في مسار السلام المتعثر سواء من قبل مجيئه أو من بعد تولي مهمته الأممية قبل عامين.
قام غريفيث منذ أن أوكلت إليه المهمة الأممية في مارس (آذار) 2018 بالعديد من الجولات المكوكية بين صنعاء والرياض وعواصم خليجية أخرى وعربية في سياق السعي الأممي المسنود بضغط غربي وبريطاني على وجه التحديد، غير أن كل ما تحقق لا يعدو عن كونه خطوات هائمة حتى الآن في محيط الجدار الصلب للأزمة اليمنية.
وبعد أن باشر غريفيث مهمته كان صرح أنه لا ينوي أن يبدأ من الصفر وأنه سيبني على ما قطعه سلفه إسماعيل أحمد ولد الشيخ من جهود كادت أن تتوج باتفاق تاريخي في الكويت لولا تعنت الميليشيات الحوثية وقادة الجماعة الذين رأوا أن مثل هذا الاتفاق سيسلبهم أهم مصادر قوتهم وهو ترسانة الأسلحة الضخمة.
ويبدو أن المبعوث الأممي راهن كثيرا على التوطئة لمسار الحل النهائي الذي يصبو إليه بإنجاز ما وصفه بـ«خطوات بناء الثقة» أولا، غير أن تحقق ذلك بعد مرور عامين أثبت أنه محض سراب أيضا، لجهة عدم التنفيذ الفعلي لاتفاقية السويد التي كان يفترض بها ترسيخ هذه الثقة.
وفي حين كان يفترض أن تؤدي خطوات بناء الثقة هذه إلى بناء أساس قوي للانطلاق منه نحو عقد مشاورات شاملة لبحث ملفات الجوانب الأمنية والسياسية والعسكرية وصولا إلى تحقيق اتفاق السلام، أصبحت في حد ذاتها عقبة سياسية، لجهة تمسك الحكومة الشرعية بإنجاز هذه الخطوات، إضافة إلى تمسك الجماعة الحوثية بتحقيق مكاسب أخرى قبل الشروع في أي محادثات ومنها تخفيف الضغط عليها بفتح مطار صنعاء وإلقاء التبعات الاقتصادية كلها على عاتق الحكومة الشرعية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه المبعوث الأممي الآن تجاوز اتفاقية السويد والمضي قدما إلى مشاورات جديدة تتناول الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، يبدو أنه يحاول الاستفادة من أطروحات وتصورات المجموعات اليمنية المستقلة أو غير المنخرطة مباشرة في الصراع، كما هو الحال في الاجتماع الأخير الذي دعا إليه في عمان على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وكان مكتب غريفيث أعلن أنه يستضيف اجتماعاً تشاورياً مع مجموعة من الشخصيات العامة والسياسية اليمنية وأوضح أن الاجتماع حضره مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة من اليمنيين واليمنيات بما يتضمن أعضاء في أحزاب سياسية بارزة وشخصيات عامة مستقلة.
وكشف مكتب المبعوث أن النقاش سوف يتركز حول الطرق الممكن اتباعها لاستئناف مسار العملية السياسية الرسمية تحت رعاية الأمم المتحدة بما يشمل الجميع ويؤدي لسلام مستدام.
وفي حين يضغط سفراء غربيون على الحكومة الشرعية لاستئناف مسار المشاورات دون شروط، يسعى غريفيث بمعية سفراء أوروبيين ودول إقليمية إلى استدراج الجماعة الحوثية نحو هذا الطريق الذي يعتقد أنه سيكون المسار الأفضل للإسراع بالتوصل إلى إبرام اتفاق للسلام.
وبينما ينظر أغلب اليمنيين المؤيدين للحكومة الشرعية بعين التشاؤم للجهود الأممية، وذلك بالنظر إلى النتائج شبه الصفرية التي حققتها هذه الجهود في أزمات دولية أخرى، يعتقدون أيضا أن تحقيق السلام في بلادهم لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود سلاح الجماعة الحوثية وتبعيتها المطلقة لأجندة إيران.
في المقابل يشير سلوك الجماعة الحوثية إلى أنها تستثمر كثيرا في الجهود الأممية لتعزيز موقفها التفاوضي وأيضا لتعزيز قدراتها الميدانية على الأرض، كما حصل في شأن التهدئة الموجودة في الحديدة، إذ مثل اتفاق السويد طوق نجاة للجماعة حيث أبقى على وجودها الفعلي في المدينة وموانئها وقيد القوات المؤيدة للشرعية من الحسم عسكريا والذي كان في متناول يدها بعد أن طوقت مدينة الحديدة من ثلاثة اتجاهات.
ولعل غريفيث في كل إحاطاته السابقة أمام مجلس الأمن كما هو ملاحظ، يركز دائما على إقناع المجتمع الدولي بوجود تقدم في مسار الحل، غير أن التصعيد الأخير في جبهات الجوف ونهم وعودة الحوثيين إلى استهداف الملاحة البحرية والأراضي السعودية واستمرار تدفق الأسلحة المهربة، يشير إلى أن تفاؤل غريفيث لا يستند إلى أرضية صلبة أمام كل هذه المعطيات.
كانت فكرة غريفيث كما يبدو هي السعي إلى تجزئة الحل في البداية بحيث يكون اتفاق الحديدة نموذجا جيدا وسريعا في حال نجاحه لتنفيذه في أماكن أخرى، غير أن مرور حوالي 14 شهرا دون تحقيق أي مما كان يطمح إليه، هو الذي أعاده كما يبدو إلى مربع الحديث عن استئناف مشاورات الحل الشامل.
وحتى فيما يتعلق بملف المعتقلين والأسرى، وكذلك ملف التفاهمات حول فك الحصار عن مدينة تعز، كلها لا تزال حبرا على ورق، وهي قضايا لو أنجزت لكانت دافعا قويا للشروع في المشاورات من جديد حول الملف السياسي والأمني والعسكري.
وأمام كل هذا التعقيد، يبدو أن مسألة التوصل إلى حل في اليمن لا تزال غير ممكنة في المدى القريب، وخاصة أن الجماعة الحوثية لا تعترف من حيث المبدأ بالمرجعيات المتفق عليها للحل، وفي مقدمها قرار مجلس الأمن 2216. لجهة أنها باتت ترى نفسها سلطة موازية للشرعية ولديها مكاسب من الصعب أن تفرط فيها، إضافة إلى أن مرور الوقت سيمكنها من تثبيت أقدامها وخلق واقع جديد على الأرض في مناطق سيطرتها، اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
كما أن الحكومة الشرعية والمؤيدين لها من الأحزاب والقوى اليمنية الأخرى يدركون أن التفاوض مع الحوثيين لم يعد له جدوى، ولهم تجارب سابقة مريرة، في ظل عدم وجود أي ضمانات لإلزام الجماعة بالتنفيذ وعدم النكوص عن أي اتفاق، كما حدث على سبيل المثال مع اتفاقية السويد.
في ضوء كل ذلك، يبدو أن المبعوث الأممي لا يزال أمام جولات مكوكية أخرى في المنطقة، وفي النهاية إن نجح في دفع الشرعية والجماعة الانقلابية للجلوس على طاولة المفاوضات، وعلى افتراض أن هذه المفاوضات حول إطار الحل السياسي والعسكري والأمني، أفضت إلى توافق من أي قبيل، يبقى السؤال حول ماهية الضمانات التي ستوفر لتطبيق هذا التوافق على الأرض.
لذلك يبقى تقدير الكثير من المراقبين للحال اليمنية مشوشا، بينما يرجح العديد منهم أن الأزمة ستبقى على حالها الراهنة لمدة أطول، في ظل عدم القدرة على الحسم عسكريا، وفي ظل عدم وجود أفق جديد يمنح الشرعية تفوقا نوعيا لمجابهة الانقلاب، أو وجود إرادة دولية وإقليمية حاسمة لمنع إيران من الاستئثار عبر أداتها الحوثية بجزء كبير من اليمن.


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.