مبارك يرحل ويطوي صفحة ومرحلة

تشييع الجنازة اليوم... والمؤسسات الرسمية تنعاه مركزة على دوره العسكري

الرئيس الراحل حسني مبارك بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة عام 1987 (أ.ف.ب)
الرئيس الراحل حسني مبارك بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة عام 1987 (أ.ف.ب)
TT

مبارك يرحل ويطوي صفحة ومرحلة

الرئيس الراحل حسني مبارك بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة عام 1987 (أ.ف.ب)
الرئيس الراحل حسني مبارك بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة عام 1987 (أ.ف.ب)

عن عمر ناهز 91 عاماً رحل الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، طاوياً صفحة ومرحلة وتاركاً جدلاً بين مواطنيه بشأن ثلاثة عقود تولى فيها سدة الحكم قبل أن تطيح به «ثورة يناير (كانون الثاني)» قبل تسع سنوات.
ومن المقرر أن يتم تشييع الرئيس الراحل اليوم (الأربعاء) في جنازة عسكرية، من مسجد المشير طنطاوي (شرق القاهرة)، على أن تبدأ مصر حداداً لثلاثة أيام بموازاة إتمام مراسم دفنه.
ورغم مغادرته للسلطة منذ عام 2011؛ فإن مبارك حظي بنعي من كل المؤسسات الرسمية الكبيرة في مصر، والتي ركزت بشكل متشابه على ذكر مناقب الرجل العسكرية ودوره في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 التي خاضتها مصر ضد إسرائيل، وكان حينها قائداً للقوات الجوية. وفي ساعة مبكرة من صباح أمس، أعلنت وسائل إعلام رسمية مصرية، وعائلة مبارك، عن وفاته، وذلك بعد نحو شهر من خضوعه لعملية جراحية في أحد المستشفيات العسكرية، ودعا نجله علاء، أول من أمس، أنصار والده، إلى الدعاء له، إذ كان لا يزال خاضعاً لأجهزة الرعاية المركزة.
وتصدرت التعليقات المتباينة بشأن تقييم فترة حكم مبارك، صدارة مناقشات المصريين سواء كان ذلك في المحافل العامة، أو عبر الفضاء الإلكتروني الذي تصدره وسم يحمل اسم الرئيس الأسبق، ومن خلاله دبج المعلقون تغريدات وتدوينات منتصرة حيناً، ومنتقصة في أحيان أخرى. وبدأت التعليقات الرسمية على رحيل مبارك من مؤسسة الرئاسة التي نعت «ببالغ الحزن رئيس الجمهورية الأسبق، لما قدمه لوطنه كأحد قادة وأبطال حرب أكتوبر المجيدة، حيث تولى قيادة القوات الجوية أثناء الحرب التي أعادت الكرامة والعزة للأمة العربية». وتقدمت بـ«العزاء والمواساة لأسرة الفقيد».
وفي بيان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة في مصر، نعت المؤسسة العسكرية «ابناً من أبنائها، وقائداً من قادة حرب أكتوبر المجيدة»، متوجهة «لأسرته وضباط القوات المسلحة ولجنودها بخالص العزاء». ومبارك المولود في مايو (أيار) 1928، تولى رئاسة مصر عام 1981 خلفاً للرئيس الراحل محمد أنور السادات، وحتى 11 فبراير (شباط) 2011، بعد مظاهرات شعبية حاشدة ضد سلطته.
وقبل الرئاسة تدرج مبارك في المناصب العسكرية، إذ كان مديراً للكلية الجوية عام 1967 ثم رئيسا لأركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية عام 1973، وبعدها بعامين اختاره السادات نائباً لرئيس الجمهورية.
الحكومة المصرية، أيضاً نعت مبارك، الذي وصفته بـ«أحد أبطال قواتنا المسلحة في معركة الكرامة عام 1973»، منوهة بأنه «سبق أن تولى رئاسة مجلس الوزراء (إلى جانب رئاسة الدولة) منذ عام 1981 ومطلع عام 1982».
ولم يختلف تعليق البرلمان المصري بشأن الوفاة، وركز في بيانه على ما قدمه مبارك «لوطنه كأحد قادة حرب أكتوبر المجيدة التي تولى فيها قيادة القوات الجوية، وكأحد قادة القوات المسلحة المصرية».
المؤسسات الدينية الرسمية أيضاً، شاركت في بيانات التعزية؛ إذ أشاد الأزهر وشيخه الدكتور أحمد الطيب بمسيرة مبارك «الوطنية»، وبـ«دوره البارز في حرب أكتوبر المجيدة، التي أعادت العزة والكرامة للأمة العربية». وعلى النهج نفسه جاء تعليق دار الإفتاء المصرية الذي تحدث عن «استكماله لمسيرة النصر بتحرير أرض طابا من الاحتلال الإسرائيلي». وكذلك أشارت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى أن «مبارك تحمل مسؤولية الوطن في ظرف عصيب، واستمر على مدى ثلاثة عقود في قيادة البلاد».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.