يخشى نزيه خلف (42 عاماً) في حال قرر مغادرة الخيمة التي نصبها مع انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في ساحة العزارية، المتاخمة لساحة الشهداء، في وسط بيروت، لزيارة منزله الواقع في جنوب لبنان، من أن يقوم رفاقه في الساحات بالمثل، فتخلو الخيم من قاطنيها، ويظن مؤيدو الحراك، كما معارضوه، أن «الثورة» انتهت، وأن عقارب الساعة عادت إلى الوراء. يتمسك بخيمته حارساً للحراك، ويتنقل بها أينما تنقل الشارع، كما لو كان ظلاً له.
هو لم يغادر الخيمة التي نصبها أولاً في ساحة رياض الصلح، المتاخمة للسراي الحكومي، وعاد ونقلها إلى ساحة العزارية منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية، إلا لشراء بعض الحاجيات، أو للمشاركة في التحركات الاحتجاجية أمام بعض المؤسسات الرسمية التي ينظمها ورفاقه الذين لا يزالون يوجدون في الساحات، ويقدر عددهم بحوالي 85 لم يغادروا مثله خيمهم الثلاثين التي أعادوا نصب بعضها بعد إحراقها أو تحطيمها من قبل مناصري بعض الأحزاب.
خلف الأربعيني، الذي يتخذ العلم اللبناني وشاحاً «يدفئ عنقي وقلبي»، كما يقول، متزوج وله ابنة تبلغ من العمر 10 سنوات تزوره وزوجته، وتبيتان معه في الخيمة نهاية كل أسبوع. فهو العاطل عن العمل اليوم، بعد أن تم تحطيم مقهى صغير كان يمتلكه في قريته الضهيرة الجنوبية، رداً على مشاركته بفعالية في التحركات الشعبية. يكرس كل وقته لـ«الثورة» التي يرى فيها السبيل الوحيد للوصول إلى الوطن الذي يطمح إليه بالحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.
ويقول خلف لـ«الشرق الأوسط»، «تركت لبنان 10 سنوات، عملت فيها في الكويت، وعندما عدت حاولت أن أستثمر بعض الأموال التي جمعتها من خلال إنشاء مؤسسة تعنى بالديكور، أدى الفساد المتغلغل في النظام اللبناني، وللأسف في القضاء، إلى خسارة كل ما جنيته من دون القدرة على مقاضاة من احتال عليّ من أتباع هذه السلطة».
وأضاف: «بعد عودتي إلى لبنان، وبعدما تأقلمت مع النظام القائم، اكتشفت حجم الفساد في النظام اللبناني الذي لا يمكن التعايش معه، ويتوجب استئصاله»، لافتاً إلى أن نشاطه في إطار مجموعات المجتمع المدني بدأ في عام 2015 مع استفحال أزمة النفايات، «وعندما انطلقت الثورة في 17 أكتوبر لم أنزل إلى الساحة للاحتجاج على موضوع فرض ضريبة على (واتساب)، إنما للانتفاض على كل شيء في هذا البلد، ولاستعادة كرامتنا كمواطنين».
ويعزّ على خلف الذي يؤكد أنه لا ينتمي إلى أي من مجموعات الحراك، خروج المئات من الشوارع، على الرغم من استمرار الأوضاع على ما هي عليه، لكنه يؤكد أنه يتفهم أن الناس بحاجة للعودة إلى أعمالها لتأمين لقمة عيش أولادها، كما أن البعض يخشى على أمنه الشخصي نتيجة هجوم جديد عليهم. ويقول: «لكنهم لا يخذلوننا عندما ندعو لتحركات معينة، ونعلم أنهم سيكونون دائماً على الموعد، لأن الوجع وجعنا جميعاً. هذا الوجع سيتحول قريباً إلى جوع نتيجة تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية ما سيدفع كل اللبنانيين إلى الانضمام إلينا. حتى أنصار السلطة الذين هاجمونا، مراراً وتكراراً، نعلم أنهم سينصبون خيماً على مقربة من خيمنا قريباً جداً عندما يطرق الجوع أبوابهم... لذلك نحن متى قرروا مهاجمتنا مجدداً سننسحب، وننظر إليهم من بعيد يحطمون الخيم التي سنبنيها من جديد، لأن آخر ما نريده هو مواجهتهم».
ويبدأ خلف نهاره بدعوة رفاقه في باقي الخيم للانضمام إليه لاحتساء القهوة، عبر مجموعة أنشأوها على «واتساب»، ليتم خلال «الصبحية» تقييم مجريات وتحركات الساعات الماضية والتخطيط للتحركات المقبلة والشروع بدعوة الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للانضمام إليهم. ويضيف: «أنا في الساحات منذ انطلاق الثورة، وأؤكد أن أي جهة أجنبية لم تزرنا لتقديم الدعم. كل ما نتلقاه هو من شخصيات لبنانية مقتدرة يصعب عليها الوجود معنا في الخيم، لذلك تزورنا لتمدنا بالمساعدات التي تؤمن صمودنا واستمراريتنا».
يشعر خلف بالغربة عند مغادرة خيمته لشراء بعض الحاجيات، لافتاً إلى أن «الموجودين في الساحات يسألون بعضهم البعض: أين تسكن؟»، في إشارة إلى ساحة الشهداء أو العزارية أو رياض الصلح، «حتى أننا وجهنا كتاباً إلى مؤسسة كهرباء لبنان لاعتماد الآلية التي يرونها مناسبة لتركيب عدادات لندفع ما علينا نتيجة استخدامنا الطاقة لإضاءة خيمنا التي تحولت أعز علينا من منازلنا».
ناشط لبناني يتمسك بخيمته منذ أكتوبر «حماية للثورة»
لم يغادر الساحة منذ انطلاق الحراك ولا ينتمي إلى مجموعة
ناشط لبناني يتمسك بخيمته منذ أكتوبر «حماية للثورة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة