أميركا تبلور استراتيجية لـ «عزل» سوريا وعرقلة إعمارها

تتضمن عناصر عسكرية واقتصادية ودبلوماسية وسياسية

فتية يتسلقون جدار مخيم الأطمة للنازحين السوريين قرب الحدود مع تركيا أمس (رويترز)
فتية يتسلقون جدار مخيم الأطمة للنازحين السوريين قرب الحدود مع تركيا أمس (رويترز)
TT

أميركا تبلور استراتيجية لـ «عزل» سوريا وعرقلة إعمارها

فتية يتسلقون جدار مخيم الأطمة للنازحين السوريين قرب الحدود مع تركيا أمس (رويترز)
فتية يتسلقون جدار مخيم الأطمة للنازحين السوريين قرب الحدود مع تركيا أمس (رويترز)

تتبلور ملامح استراتيجية أميركية تجاه سوريا، تتضمن سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتشريعية لـ«وضع النظام في صندوق العزلة لسنوات»، على أن يكون منتصف يونيو (حزيران) المقبل موعداً فاصلاً في ذلك، جراء بدء تنفيذ «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات صارمة على أي جهة سورية أو غير سورية تساهم في عملية الإعمار.
وفي يونيو (حزيران)، تلتقي 3 مواعيد تتكثف فيها حملة الضغوطات على دمشق: الأول بدء تنفيذ «قانون قيصر»؛ والثاني انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل الذي سيجدد شروط المساهمة بالأعمار؛ والثالث صدام غربي - روسي إزاء تمديد قرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية.
وفي المقابل، تكثف دمشق، بدعم بري من طهران وجوي من موسكو، حملة لاستعادة طريقين رئيسيين بين حلب ودمشق، وبين حلب واللاذقية، لـفتح الشرايين الاقتصادية وتخفيف آثار العقوبات والعزلة، بالتزامن مع حملة دبلوماسية روسية لـ«تطبيع» أوروبي، وإعادة دمشق إلى «العائلة العربية»، والإفادة من قرب موعد الانتخابات البرلمانية السورية في الأسابيع المقبلة، والرئاسية في عام 2021.
ومع اقتراب تقاطع المسارين الأميركي والروسي، كثفت واشنطن تواصلها باتجاه عواصم أوروبية وإقليمية فاعلة لـ«ضبط إيقاع التحرك» بسبب تطورات سياسية وميدانية، هي: تقدم قوات الحكومة في ريفي إدلب وحلب، والتغيير في رأس المفوضية الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وطرقت واشنطن أكثر من باب وعاصمة. ويكرر مسؤولون أميركيون في تصريحات إعلامية ونقاشات دبلوماسية مع نظرائهم الأوروبيين أنهم لا يريدون «تغيير النظام السوري، بل تغيير السلوك». ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أميركياً «ألا تكون سوريا مزعزعة لاستقرار جوارها، أو داعمة للإرهاب، أو مهددة لحلفاء واشنطن في المنطقة»، إضافة إلى «التخلي عن السلاح الكيماوي، والتأكد من تفكيك الترسانة بموجب اتفاق أميركي - روسي في نهاية 2013، وتوفير العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى مناطقهم، وصولاً إلى محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا في السنوات الماضية».
والمطلوب أميركياً «حكومة سورية توفر هذه الشروط»، سواء كانت حكومة حالية أو مستقبلية، مع «إدراك أن الحكومة الحالية لا يمكن أن تقوم بذلك»، في ضوء «سلوك» السنوات الأخيرة لدى اختبار تنفيذ القرار (2118) الخاص بالسلاح الكيماوي، أو (2254) الخاص بالحل السياسي. والخيبة، هنا، لا تقتصر على موقف دمشق فقط، بل موقف موسكو أيضاً، ذلك أن «التعاون الروسي - الأميركي لم يؤتِ ثماره سورياً في الإطار السياسي، باستثناء منع الصدام العسكري مع أميركا، أو غض الطرف عن القصف الإسرائيلي».
لهذه الأسباب، وغيرها، تتجه الأمور تصاعدياً نحو تكثيف الضغوط على دمشق. وباتت في السلة الأميركية سلة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية. وتشمل السلة الاقتصادية فرض تنفيذ «قانون قيصر» بدءاً من منتصف يونيو (حزيران)، الذي يسهل فرض العقوبات في إطار زمني مستمر إلى 5 سنوات. وبالإمكان الحصول على بعض الاستثناءات الإنسانية أو الطبية، لكن العقوبات ستكون قاسية على أي جهة تساهم في أعمار سوريا، سواء كانت من سوريا أو عربية أو أجنبية. يضاف إلى ذلك دعم العقوبات الأوروبية، إذ تمظهر هذا في مسارعة لندن وواشنطن في مباركة آخر قائمة أوروبية ضد 10 أشخاص وكيانات.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى مؤتمر المانحين في بروكسل في يونيو (حزيران)، في سياق تناغم موقف الدول الأوروبية الأعضاء من جهة، وبين بروكسل وواشنطن من جهة ثانية. وبعد تردد المفوضين الأوروبيين الجدد، تقرر عقد مؤتمر المانحين في أواخر يونيو (حزيران) للتمسك بشروط المساهمة في الأعمار التي تشمل تقدماً في عملية سياسية ذات صدقية، وتوفير ظروف عودة اللاجئين والمحاسبة.
كما ينظر أميركياً إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان بصفتها عاملاً إضافياً لتعزيز حملة الضغوطات على دمشق، وخفض قيمة الليرة السورية، وتراجع الجانب المعيشي، و«زيادة شكوى شخصيات نافذة في دمشق».
وسياسياً، ستواصل واشنطن علاقاتها مع المعارضة السياسية، والاتصال مع النازحين واللاجئين السوريين لـ«تعزيز الصفوف»، إضافة إلى التنسيق مع الدول الداعمة للمعارضة، ضمن «المجموعة الصغيرة» التي تضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر. وفي السياق الدبلوماسي، تواصل واشنطن اتصالاتها العلنية والدبلوماسية مع دول عربية وأوروبية لـ«منع التطبيع السياسي والدبلوماسي مع النظام». وفي الجانبين، هناك دعم للعملية السياسة في جنيف لتنفيذ القرار (2254)، سواء بالإصلاح الدستوري أو تشجيع المبعوث الدولي غير بيدرسن على البحث عن مداخل جديدة للعملية السياسية السورية، وفتح ملفات المعتقلين والمخطوفين والسجناء و«البيئة المحايدة».
وأما السلة العسكرية من الضغوطات، فإنها تشمل عدداً من البنود: الأول، استمرار الوجود العسكري شرق الفرات براً، و«الحظر الجوي» لدعم حلفاء واشنطن في «قوات سوريا الديمقراطية»، ومنع قوات الحكومة من السيطرة على هذه المناطق، وحرمانها من الموارد الطبيعية، من نفط وغاز ومحاصيل زراعية وسدود للمياه والطاقة. والثاني، استمرار بقاء قاعدة التنف لقطع طريق الإمداد بين طهران ودمشق، وتقديم دعم لوجيستي للعمليات الخاصة بالتحالف أو إسرائيل. والثالث، تقديم دعم استخباراتي ودبلوماسي لتركيا في مناطق نفوذها، ومواجهة قوات الحكومة وروسيا في إدلب، والبحث في إمكانية الاستثمار في الفجوة بين موسكو وأنقرة جراء إدلب. والرابع، «مباركة الغارات الإسرائيلية على مناطق مختلفة في دمشق وجوارها وسوريا»، ذلك أن الاعتقاد في واشنطن أن «حملة الضغوط وإبقاء دمشق بالصندوق تعطي مجالاً لإسرائيل لشن غارات لتقويض النفوذ الإيراني في سوريا».
ومن يعرف «النظام العميق» في واشنطن يشير إلى أن العقوبات الاقتصادية هي بمثابة «مصعد يسير إلى أعلى فقط، ومن الصعب إنزاله»، ما يعزز الاعتقاد بأن الحملة الأميركية ذات الأذرع الأربعة سترمي بسوريا في «صندوق العزلة»، بانتظار «تغيير يأتي بعد سنوات، ما لم تحصل مفاجأة سورية أو تفاهم روسي - أميركي».



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.