الحداثة والكلاسيكية والتحول الثقافي في الوطن العربي

جانب من الندوة
جانب من الندوة
TT

الحداثة والكلاسيكية والتحول الثقافي في الوطن العربي

جانب من الندوة
جانب من الندوة

الانتصار للحداثة لا يعني الجهل بالقديم، وسؤال الحداثة في النص جزء من سؤال المجتمع كله. هذه آراء من سلسلة أفكار أخرى قدّمَتها القراءات التي تناولَتْ كتاباً جديداً للكاتب والروائي المغربي أحمد المديني، في جلسة نقدية نُظّمت نهاية الأسبوع الماضي برحاب المكتبة الوطنية في الرباط.
أسهم في القراءات حول الكتاب الذي حمل عنوان: «السرد بين الكتابة والأهواء... من النظرية إلى النص» كل من الناقد عبد الحميد عقّار، والناقد عبد الفتاح الحجمري، إضافة إلى الكاتب الصحافي محمد جليد، قراءاتٌ نقدية كانت متباينة إلى حدّ كبير؛ من حيث منطلقاتها وزوايا النظر التي اعتمدت عليها في مقاربة مضامين الكتاب؛ لكن جميعها اتفقت على أهمية ما جاء به العنوان الثاني والستين من سلسلة مؤلفات المديني.
انطلق عقار في معرض حديثه عن فحوى الكتاب، من تلك الرؤى الأساسية التي طبعت تفكير المديني على امتداد خمسة عقود من الكتابة، والتي بلغت معدّل أكثر من كتاب واحد في السنة، مستعرضاً في هذا الإطار جملة من السياقات التاريخية والثقافية.
ولم يخفِ عقار إعجابه الكبير بتمكّن المديني من معطيات الراهن السردية والتحولات التي يشهدها العالم العربي ثقافياً، مشيراً أيضاً إلى انحياز المديني المُعلَن للحداثة التي تشترط بالضرورة إلماماً تاماً بالقديم المؤسِّس والأصيل، والتمرد على كل تلك الأنماط الجاهزة في ألوان السرد وأشكاله ورؤاه، وهو ما لا يستقيم إلا بتعلُّم الدرس الكلاسيكي واستيعابه، والاطلاع الدائم على منجز الرواد والإنصات لهم.
وشدَّد عقار على أهمية الخلاصات التي خرج بها المديني في كتابه، والتي أكدت وجود أدب عربي كبير تمتد فيه النصوص وتتحاور، إضافة إلى التأكيد على كون الكتابة السردية العربية - والمغربية منها - قد دخلت بالفعل في طور حداثة ممكنة بأداتين لا غنى عنهما: أولاً، اعتبار القصة عالماً حقيقياً وعالماً آخر مصنوعاً باللغة والصور والرؤى. وثانياً، أداة التجريب عبر إرادة فنية قوية لاقتحام مجهول الكلام والمتخيل والإتيان بالبديل للسائد.
وفي خضم المداخلات التي تناولت متن الكتاب المُحتفى به، اختار الناقد عبد الفتاح الحجمري أن يقرأ مضامين هذا الكتاب في ضوء نصوص أخرى، علَّه بذلك يجد الخيط الرابط بين الأسئلة التي أثارها المديني في مؤلفه، وبين السياقات الثقافية المتصلة. وأشار في هذا الباب إلى جملة من المفاهيم الأساسية التي توقَّف عندها المديني في كتابه، وهي الكلاسيكية والحداثة والهوية والواقعية والتجريب.
وأكد الحجمري كذلك على الصلة القوية التي تربط اليوم بين سؤال الحداثة وسؤال المجتمع، مستشهداً بقول المديني: إن السرد الحديث هو جزء من حركة التحول المجتمعي، وبناء المنظومة الحديثة للقيم. كما شدَّد الحجمري على رؤية المديني للتجريب كاختيار كتابي من بين اختيارات كتابية أخرى، في سياق المراهنة الدائمة على الحداثة، وهو ما يطرح سؤالاً آخر، حسب الحجمري: هل حداثة الرواية العربية اليوم محكومة بتمثل نظري يفوق تمثُّلها النصي؟
وبالرجوع إلى الكلاسيكية، يستدعي الحجمري ما قاله المديني عن السرد الكلاسيكي، والذي رآه قائماً على يقينيَّات متماسكة ومنسجمة مع مقومات المجتمع البورجوازي وهياكله الاقتصادية والاجتماعية، كما أن الكلاسيكية في تصور المديني هي القواعد المكرَّسة من قبل فن اكتملَ نُضجه. وتساءل الحجمري من هذا المنطلق: ما معنى الكلاسيكية في الأدب؟ وهل كتب العرب أصلاً الرواية الكلاسيكية حتى يُقال إنهم كتبوا الرواية الحديثة؟ موضحاً أن النصوص الكلاسيكية عموماً كانت في زمنها نصوصاً حديثة، فالكلاسيكية في سياقها مفهوم زمني، تماماً كالحداثة، يقول الحجمري؛ لكنه أشار في المقابل إلى أهمية ما خلص إليه المديني في كتابه، من حيث ضرورة الدفاع عن موقع التخييل وخطاب الخيال ضمن الخطاب الثقافي العام للمجتمع، وحتمية الدفاع كذلك عن قيمة الرؤية النقدية التي يعقدها مع الواقع.
تفاعُل الحاضرين مع فحوى المداخلات كان نشيطاً، وقد أثرت جلسةَ النقاش مداخلةٌ للشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري، الذي نبَّه بإعجاب إلى ما أشار إليه المديني في كتابه، حول تقلص الهوة الفاصلة بين الكتابة في المغرب والكتابة في المشرق، كماً ونوعاً، ومسألة التقاطع والانسجام بين ما يُكتَب في المشرق وما يُكتب في المغرب، تحدُثُ اليوم ولأول مرة ربما - يقول الأشعري - في فنون عديدة، كالشعر والقصة والرواية؛ بل والسينما أيضاً، وهو ما يعبِّر عن تحول ثقافي حدث بالفعل في عالمنا العربي، ويشير إلى وضع مشترك موجود ولا يمكن بتره أو تجاوز معطياته. ولم يكن الأشعري على ما يبدو متحمساً كثيراً لمنظور الحجمري حول مسألة الكلاسيكية، إذ شدَّد على أهمية أن نفهم أن الكلاسيكية لا تحمل معنى التراتبية النصية، ولا تتضمن حكم قيمة تجاه السابق من النصوص أو التجارب؛ بل هي على العكس من ذلك، تمامُ ما يطمح له النص والكاتب؛ من حيث الوضع والتموقع الرمزي، فطموح كل كاتب هو أن يصبح يوماً ما كلاسيكياً، يقول الأشعري.
وخلافاً لبقية القراءات، كانت مساهمة الصحافي محمد جليد متصلة أكثر بمضمون الكتاب؛ حيث استفاض في تبيان الأفكار الأساسية التي جاء بها كتاب المديني، لا سيما ما يتعلق منها بصَنعة التجريب الذي يرى فيه المديني بحثاً عن سرد مختلف، أو شرطاً سردياً جديداً يتأسس على مقومات عدَّة، منها على سبيل المثال: خلخلة البناء السردي التقليدي، وإيجاد بناء مضاد قائم على التفكيك، وإعادة توليد الصُّوَر، ثم تقديم تصور جديد للعقدة أو الفكرة القصصية، إضافة إلى المزاوجة بين الصورة والمعنى وبين الشعور وتجلِّيه.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.