بسبب ارتفاع أسعار الأدوية وأجر الطبيب.. سوريون يتجهون للأعشاب الطبيعية

رغم صعوبة تأمينها بعد الحرب

حوانيت سوق البزورية بدمشق القديمة حيث تباع الأعشاب الطبيعية
حوانيت سوق البزورية بدمشق القديمة حيث تباع الأعشاب الطبيعية
TT

بسبب ارتفاع أسعار الأدوية وأجر الطبيب.. سوريون يتجهون للأعشاب الطبيعية

حوانيت سوق البزورية بدمشق القديمة حيث تباع الأعشاب الطبيعية
حوانيت سوق البزورية بدمشق القديمة حيث تباع الأعشاب الطبيعية

لطالما كان سوق البزورية، إحدى أسواق دمشق القديمة المتخصصة ببيع الأعشاب الطبيعية، ومنذ عقود، مقصدا للسوريين الدراويش والفقراء الباحثين عن علاج لأمراضهم من خلال أعشاب طبيعية رخيصة الثمن. ولكن، الآن ومع استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية وخروج عدد من مصانع الأدوية السورية عن الخدمة بسبب وجودها في أماكن الاشتباكات - ارتفعت أسعار الأدوية المحلية الصنع بين 25 و50 في المائة، في حين تضاعفت أسعار الأدوية المستوردة بما يتماشى مع ارتفاع الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية الذي كان قبل الأزمة نحو 50 ليرة ويصل حاليا لنحو 190 ليرة.
يوضح الصيدلاني (مازن...) أن «الأدوية المستوردة قليلة لا تتجاوز نسبتها 10 في المائة من الأدوية الموجودة في الصيدليات، فالاعتماد على الأدوية المصنعة محليا التي تنتجها معامل محلية في مدينة حلب عاصمة سورية الاقتصادية، وفي ريف العاصمة دمشق، غير أن بعضها توقف عن العمل بسبب وقوعها في أماكن الاشتباكات كمعامل عمريت وآسيا وبركات». يستكمل مازن حديثه قائلا: «ارتفاع أسعار الأدوية خلال فترة الأزمة حدث مرتين وإن كان وبشكل عام لم يؤثر كثيرا في أسعار الأدوية التي يزيد سعرها على 100 ليرة، حيث ارتفعت بمعدل 25 في المائة فقط؛ فالمضادات الحيوية مثل الأوغمانتين كانت تباع قبل الأزمة بـ600 ليرة حاليا تباع بـ800 ليرة، وهناك أنواع من الأدوية قبل الأزمة كانت تباع بأقل من 50 ليرة؛ أي أقل من دولار واحد تم رفع سعرها لتصل لنحو الـ100 ليرة، ومنها أدوية السعال والمراهم الجلدية والقطرات العينية ،بينما الحبوب المسكنة كالسيتامول ارتفعت نحو الضعفين».
ويوجد عدد من مصانع أدوية الأعشاب الطبية في سوريا ما زالت تعمل بشكل جيد، ولكن منتجاتها تباع في الصيدليات والبقالات للوقاية ولعلاج حالات بسيطة مثل الإنفلونزا والتشنج المعوي وحصوات الكلي البسيطة. وفي ظل هذه الأزمة، انتعشت تجارة الأعشاب الطبيعية حيث اتجه الكثيرون نحو الأعشاب لمعالجة الأمراض البسيطة التي يمكن الاستفادة من هذه الأعشاب في علاجها. يقول بسام مارديني، أحد زبائن سوق البزورية: «البعض يتجه للإنترنت للاستفسار عن العلاج العشبي لمرض يعانيه، ولا يريد الذهاب للطبيب بحيث يوفر أجرة معاينة الطبيب في العيادة الخاصة، أو للبحث عن أعشاب منحفة أو مقوية للمناعة وغير ذلك من الأعشاب الموجودة على الإنترنت ويقومون من ثم بالتوجه إلى دكاكين بيع الأعشاب في سوق البزورية وغيرها».
غير أن سوق الأعشاب الطبيعية أيضا تغيرت، حيث قام أصحاب محلات بيع الأعشاب برفع الأسعار لحجج مختلفة؛ منها صعوبة الحصول عليها بسبب الحرب والتنقل بين المدن والأرياف والجبال حيث مصدر هذه الأعشاب بالمناطق الريفية والجبلية. ورغم ارتفاع أسعار الأعشاب فإنها تبقى أرخص ثمنا من الأدوية الكيميائية الموجودة في الصيدليات.
ربى سعيد، موظفة في مؤسسة خاصة بدمشق كانت تتجول في سوق البزورية تريد شراء بعض الأعشاب المنحفة، تقول لنا: «هذه الأعشاب التي نأخذ وصفاتها عن طريق الإنترنت أو من خلال القنوات الفضائية التلفزيونية الطبية والاجتماعية تغنينا عن زيارة الطبيب في عيادته، ومن ثم توفر علينا دفع أجور المعاينة التي ارتفعت بعد الأزمة، حيث تتراوح المعاينة مابين 1000 و2000 ليرة، بينما كانت قبل الأزمة ما بين 500 و1000 ليرة، إضافة إلى أنها أرخص تكلفة من وسائل التنحيف الأخرى كالانتساب للأندية الصحية المتخصصة بالتنحيف أو إجراء عمليات الشفط المكلفة ماديا التي ارتفعت أجورها في المشافي بشكل كبير بعد الأزمة.
ومن جانبه، يقول أحمد سلوم، بائع أعشاب طبيعية، إن هناك أسبابا أخرى لإقبال السوريين على الأعشاب، وهي كما يقول ظاهرة موجودة من قبل الأحداث، وقد تكون توسعت بعد الأزمة؛ ومنها أن شريحة من الناس تثق بالعلاج الطبيعي لما يشكله من أمان أكثر من الأدوية المصنعة من مواد كيميائية قد تكون لها تأثيرات جانبية، كما أن هناك أطباء يصفون لمرضاهم الأعشاب، وهذا دليل على أنها تحقق الفائدة المرجوة للمريض، إضافة لرخص ثمنها مقابل الأدوية الكيميائية. ومن المعروف - يتابع أحمد - أن البيئة السورية غنية بالنباتات الطبية حيث توجد فيها، وحسب إحصاءات موثقة، ما يقارب 3700 نوع نباتي طبي في البادية والجبال الساحلية والسهول الداخلية، وجميع هذه الأعشاب ومنها الشيح والقيصوم والزعتر البري والخلة والمردكوش وإكليل الجبل والزعرور والمريمية والنعناع والبقدونس الصخري والزلوع والبابونج والزوفا وغيرها الكثير، تعالج أمراضا كثيرة، كما أنها مفيدة في تقوية مناعة الجسم والتنحيف أو زيادة الوزن للنحيفين، حيث منها ما يساعد على فتح الشهية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».