بحث جديد يكشف سبب تلاشي ألوان لوحة «الصرخة» الشهيرة

يساعد مؤرخي الفن على معرفة الألوان الأصلية لإحدى اللوحات الأكثر شهرة في العالم

جينيفر ماس رئيسة قسم التحليل العلمي للفنون الجميلة في هارلم والتي يعمل فريقها على بحث بعنوان «الصرخة» (نيويورك تايمز)  -  لوحة «الصرخة» لإدفارت مونك (غيتي)
جينيفر ماس رئيسة قسم التحليل العلمي للفنون الجميلة في هارلم والتي يعمل فريقها على بحث بعنوان «الصرخة» (نيويورك تايمز) - لوحة «الصرخة» لإدفارت مونك (غيتي)
TT

بحث جديد يكشف سبب تلاشي ألوان لوحة «الصرخة» الشهيرة

جينيفر ماس رئيسة قسم التحليل العلمي للفنون الجميلة في هارلم والتي يعمل فريقها على بحث بعنوان «الصرخة» (نيويورك تايمز)  -  لوحة «الصرخة» لإدفارت مونك (غيتي)
جينيفر ماس رئيسة قسم التحليل العلمي للفنون الجميلة في هارلم والتي يعمل فريقها على بحث بعنوان «الصرخة» (نيويورك تايمز) - لوحة «الصرخة» لإدفارت مونك (غيتي)

أخضع العلماء عينات صغيرة من الطلاء المستخدم في نسخة 1910 للوحة إيدفارت مونك الشهيرة «الصرخة» تحت أشعة إكس وأشعة الليزر وحتى مجهر إلكتروني عالي الطاقة، حيث استخدموا تقنية متطورة لمحاولة معرفة سبب تلاشي ألوان اللوحة، وذلك بعد تحول بعض أجزائها التي كانت باللون الأصفر البرتقالي اللامع إلى اللون الأبيض العاجي.
ويعمل العلماء في نيويورك، الولايات المتحدة، والخبراء في متحف مونك في أوسلو، النرويج، منذ 2012، على هذه اللوحة، التي سُرقت في 2004. وتم ترميمها بعد عامين، لمعرفة قصة تغير اللون هذه، لكن البحث يوفر أيضاً نظرة ثاقبة على أعمال مونك وعلى طريقة عمله، كما أنه يوفر خريطة للمرممين لمنع حدوث مزيد من التغير في اللوحة، ويساعد المشاهدين، ومؤرخي الفن، على معرفة الألوان الأصلية لإحدى اللوحات الأكثر شهرة في العالم.
وقد بات عالم الفن يتحول بشكل متزايد إلى المختبرات لفهم كيف تتغير ألوان اللوحات المرسومة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فقد تمت دراسات موسعة لمعرفة كيف بدأ لون الكروم الأصفر في لوحات فنسنت فان غوخ يكتسب لوناً بنياً، فضلاً عن تحول اللون البنفسجي في بعض لوحاته إلى اللون الأزرق، ولكن هناك معلومات أقل عن لوحات مونك، إلا أن العلماء، باستخدام التقنيات والأدوات الحديثة، مثل المجاهر الإلكترونية، قد بدأوا في فتح آفاق جديدة.
وتوضح رئيسة قسم التحليل العلمي للفنون الجميلة في هارلم، والتي يعمل فريقها على بحث بعنوان «الصرخة»، جينيفر ماس، التقنيات التي تم استخدامها في مختبرها مؤخراً، مشيرة إلى صورة تشبه مجموعة من «صواعد الكهوف»، قائلة إنه هكذا تبدو لوحة «الصرخة» تحت المجهر.
وأضافت: «هذا حقاً ليس ما نريد رؤيته»، حيث لوحظ نمو بلورات نانوية على اللوحة، الموجودة في متحف مونك، وهو دليل صارخ على تدهور الألوان في الجزء الواقع بالقرب من فم الشخصية المركزية في اللوحة، وفي السماء وفي الماء.
وتواصل المرممون والباحثون في متحف مونك مع ماس، التي تعمل كعالمة في الفنون الجميلة منذ أن كانت زميلة في متحف متروبوليتان للفنون بعد حصولها على درجة الدكتوراه في 1995. وهي أيضاً أستاذة في مركز بارد للدراسات العليا، كما تعاونت مع العديد من كبرى المؤسسات في مجال البحوث. وتقول مرممة اللوحات في متحف مونك، إيفا ستوريفيك توفيت، إن المتحف سعى إلى التعاون مع ماس بسبب خبرتها في لون أصفر الكادميوم، الذي قامت بدراسته من قبل في أعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، وبسبب الأدوات العلمية عالية الجودة التي يمتلكها مختبرها.
ويحتاج المتحف، الذي سيتم نقله إلى مبنى جديد هذا العام، إلى معرفة أفضل طريقة لعرض اللوحة، وتحقيق التوازن بين التمكن من مشاهدتها والمخاوف بشأن الحفاظ عليها.
وقد تم الآن تحليل المواد التي كان يستخدمها مونك بشكل كامل، ويظهر البحث، الذي من المقرر أن يصدر هذا الربيع، معلومات كاملة حول اللوحة، وقد تمكن فريق ماس من تضييق خيارات الألوان المستخدمة في لوحات مونش وذلك باستخدام أنابيب الألوان الخاصة به، والتي يوجد حوالي 1400 منها في متحفه، وأكدوا أنه مع مرور الوقت، ومع تعرض اللوحة للهواء، فإن كبريتيد الكادميوم الأصفر قد تأكسد إلى مركبين كيميائيين أبيضين: كبريتات الكادميوم وكربونات الكادميوم.
وقالت ماس إن التحليل الذي تم في مختبرها يتضمن الفن الانطباعي في اللوحات التعبيرية التي تم رسمها في الفترة ما بين ثمانينيات القرن التاسع عشر وعشرينيات القرن العشرين، والتي كانت مصبوغة بأصفر الكادميوم، حيث تقدر ماس أن 20 في المائة من هذه اللوحات شهدت نفس الظاهرة.
وتعمل ماس وفريقها مع المتاحف والعملاء من القطاع الخاص ودور المزادات والمعارض الفنية والفنانين على كل شيء بدءاً من النحت المعاصر الواسع النطاق في هامبتونز إلى التماثيل الرومانية القديمة، فقد أصبحت هذه المختبرات اليوم شيء أكثر شيوعاً مع زيادة الطلب على البحث العلمي، ولعل أشهرها هو مختبر جيمس مارتن أوريون أناليتيكال، الذي اشترته شركة سوثبيز، وأصبح أول مختبر من نوعه في أحد المزادات الكبرى.
ومن بين الشركات الأخرى هناك أيضاً مختبر جنيف للفنون الجميلة، ومقره في جنيف، ومختبر Art & amp، في لندن، حيث يتم اللجوء لهذه المختبرات في كثير من الأحيان من قبل جامعي القطع الأثرية أو المشترين المحتملين الذين يرغبون في التحقق من مدى أصالة القطع التي يرغبون في شرائها.
- أسباب تدهور الألوان
وتتلاشى ألوان الطلاء المستخدمة في اللوحات المرسومة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بسرعة خاصة بسبب التغيرات في كيفية تصنيع هذه الطلاءات، فقد كان يتم صناعة الطلاءات بواسطة معادن مطحونة يدوياً ومستخرجة من الأرض، أو باستخدام أصباغ مصنوعة من النباتات والحشرات، ولكن الثورة الصناعية أنتجت أصباغ اصطناعية مثل الكادميوم أو أصفر الكروم، والتي يخلطها الفنانون بالزيت، ثم بدأ الفنانون في تجربة هذه الأصباغ الاصطناعية، والتي كانت في بعض الأحيان يتم أعدادها بشكل عشوائي وغير مجربة على المدى الطويل، ولكنها كانت لامعة بشكل استثنائي، مما أوجد لوحات رائعة في المدرسة الوحشية، وما بعد الانطباعية، والحداثة.
وتقول نائبة مدير وكبير مرممي متحف ومعهد سولومون غوغنهايم، لينا سترينغاري، والتي درست تغير الألوان والأصباغ في أعمال فان غوخ، إنه في ذلك الوقت تخلى العديد من الفنانين عن تقنيات الرسم التقليدية، مضيفة: «كان الكثير من الفنانين يعملون في الهواء الطلق، وكانوا يجربون مختلف الدهانات ونظريات الألوان».
وتقول ماس إن هذا جعل الأصباغ الجديدة شائعة، لكن لم يكن يمكن التنبؤ بنتيجة استخدامها في المستقبل، مضيفة: «لا يمكننا أن نؤكد أن ألوان أوراق الشجر في لوحة ما خضراء بمجرد وجود شجرة في اللوحة، وذلك لأنه في حالة ماتيس أو مونك هذا ليس صحيحاً بالضرورة، ولذلك نحن بحاجة إلى اللجوء إلى العلم لمعرفة الألوان الحقيقية».
وصحيح أن عملية استعادة الألوان الأصلية هي أمر مستحيل، لكن العلم يمكنه أن يجعلها أقرب إلى اللون الأصلي، ويقول الأستاذ في قسم الكيمياء بجامعة أنتويرب، كون يانسنز، والذي درس أصباغ لوحات فان غوخ وماتيس وآخرين، إن «الفكرة هي محاولة الرجوع بالزمن إلى الوراء بطريقة افتراضية»، فالمرممون لن يقوموا بوضع أصباغ جديدة على اللوحات الأصلية، لكن عمليات الترميم الرقمية يمكنها وضع اللوحة في شكلها السابق في الماضي، وتتنبأ ماس بإمكانية حدوث تحول نحو الواقع في عمليات ترميم اللوحات الرقمية، بحيث يمكنك رفع هاتفك المحمول أمام لوحة ما ورؤية ألوانها السابقة.
- خدمة نيويورك تايمز



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.