بيت الرواية في تونس يستقبل ألبيرتو مانغويل

بعد صراع مع وزير الثقافة بسبب استضافة الأديب الأرجنتيني

ألبيرتو مانغويل
ألبيرتو مانغويل
TT

بيت الرواية في تونس يستقبل ألبيرتو مانغويل

ألبيرتو مانغويل
ألبيرتو مانغويل

وصل الكاتب الأرجنتيني ألبيرتو مانغويل إلى العاصمة التونسية أمس، حيث كان في استقباله مدير بيت الرواية كمال الرياحي، استعداداً لتقديم محاضرة ثقافية. ويعبر حلول الأديب الكبير في تونس انتصاراً لبيت الرواية الذي هو الأول من نوعه في بلد عربي. فالزيارة لم تخل من صراع كان «الفيسبوك» مسرحاً له طوال الأيام الماضية. والسبب هو قرار وزير الثقافة في الوزارة السابقة إلغاء استضافة مانغويل لأسباب غير واضحة تماماً.
وكان مما تسرّب عن تراجع الوزارة عن استقبال مانغويل هو أن والده كان سفيراً لبلاده في إسرائيل عام 1948. لكن الرياحي استنفر شبكة علاقاته بين المثقفين والروائيين العرب للاعتراض على قرار الوزير. وتطوع عدد منهم بتحمل تكلفة سفر مانغويل. لكن فريق بيت الرواية التزم بأن تكون الضيافة تونسية صرفاً. وهكذا بادر عدد من الشخصيات الثقافية إلى تغطية تذكرة السفر، ومنها الرياحي وفريقه المؤلف من محمد الحباشة وعبير صفر وانتصار رحومة، وكذلك الباحثة والأكاديمية رجاء بن سلامة مديرة المكتبة الوطني، والباحث والإعلامي ماهر عبد الرحمن، والروائي الفائز بجائزة «البوكر» العربية شكري المبخوت، والإعلامي نصر الدين اللواتي، والشاعر آدم فتحي شاعر، والشاعر حبيب الزغبي صاحب مكتبة «دار الكتاب».
وكان عدد من المثقفين والروائيين المعروفين قد كتبوا للرياحي يطلبون المساهمة، ومنهم الروائي ووزير الثقافة الفلسطيني السابق يحيى يخلف، والروائي إلياس خوري، والروائية ليانا بدر. لكن بيت الرواية اكتفى بمساهمة أهل الدار، كما وجه عشرات المثقفين والكتاب العرب والأكراد رسائل يستغربون فيها منع مانغويل من إتمام الزيارة وتقديم محاضرة في بيت الرواية.
من جهته كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج تعليقاً مطولاً تساءل فيه: ما هذا الذي يحدث في بيت الرواية؟ وجاء في التعليق: «منذ أن ظهر بيت الرواية، زرع أملاً جديداً في الإبداع إذ بدأ هذا البيت الجميل يتحول إلى نموذج يجب أن يحتذى عربيا، في حريته وفي موضوعاته الإنسانية الكبيرة. وكانت تونس في حاجة إلى هذه البؤرة من النور في الأوضاع الصعبة التي تعيشها. تونس الجمال، ليست سياحة فقط يقاطعها اليوم الغربيون، ولكنها شمعة من نور في مساحة من الظلمة المستشرية في العالم العربي. هي نموذج للديمقراطية كيفما كانت نقائصها، يفترض أن تشجع فيها المبادرات. وبيت الرواية واحد من أجمل وأهم هذه المبادرات.
لكننا نشهد اليوم ممارسة غريبة على تونس الجديدة. كيف يمنع كاتب كبير من عيار ألبيرتو مانغويل لا يحمل إلا الحب للإنسانية، اختار القراءة والسفر عبر حب الكلمات لصناعة عالم جديد، خارج منطق الحروب؟ ألبيرتو مانغويل الأرجنتيني والعالمي الذي علّمنا أن إنساناً لا يقرأ هو مثل دلو فارغ من الماء في صحراء الرمل والعطش، معرّض لكل مزالق العصر. نحتاج اليوم إلى الاحتفاء بهؤلاء الناس لاستعادة شيء من الحب سرقته منا الخيبات والحروب. لهذا أعلن تضامني مع الكاتب والروائي كمال الرياحي وبيت الرواية كامل بلا قفازات النفاق.
أكرر ما قلته لكمال الرياحي في رسالة خاصة: أنا مستعد لدفع ثمن بطاقة سفر مانغويل من جيبي، بلا أدنى تردد، مقابل أن ينتصر العلم على الجهل والمعرفة على بؤس اليقين، ويستمر بيت الرواية في أداء مهامه التنويرية. كم تحتاج تونس إلى مقاومة هذا النوع من أطروحات النفي، والتضامن الثقافي، في وقت تتهيأ فيه محاكم التفتيش المقدس للانقضاض على تجربة فتية وحية تزعج الكثير من الطواغيت المنبثين في كل مكان، في العالم العربي. مجيء ألبيرتو مانغويل لتونس هو انتصار للحق الثقافي والإبداعي، ولتونس الديمقراطية في نهاية المطاف. لتكن تجربة مانغويل واحدة من تجارب النضال من أجل الحرية العميقة».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».