ظاهرة «المهرجين» تثير قلق فرنسا.. وحمى الحملة الانتخابية تشتد في أميركا

الاعتداءات الجنسية وإيبولا والانسحاب من أفغانستان تتصدر التغطية في الصحافة البريطانية

ظاهرة «المهرجين» تثير قلق فرنسا.. وحمى الحملة الانتخابية تشتد في أميركا
TT

ظاهرة «المهرجين» تثير قلق فرنسا.. وحمى الحملة الانتخابية تشتد في أميركا

ظاهرة «المهرجين» تثير قلق فرنسا.. وحمى الحملة الانتخابية تشتد في أميركا

لم تكن تكفي حكومة مانويل فالس همومها مع المفوضية الأوروبية واحترام المعايير الخاصة بالعجز في الميزانية والبحث عن مصادر تمويلية إضافية يحتاجها حكماء بروكسل للمصادقة عليها. فصعوبات الحكومة مع النواب الاشتراكيين الذين يشكلون أكثرية هشة في البرلمان كانت مصدر صداع كاف، والانقسامات التي تضرب صفوف الحزب بين محدث وإصلاحي، وبين متشدد ومتمسك بقيم الحزب وآيديولوجيته واسمه، متداولة على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة. كل ذلك لم يكن كافيا حتى جاءت أزمة جديدة تزيد الطين بلة وتنهش أكثر فأكثر شعبية الرئيس هولاند وحكومته والاشتراكيين واليسار بشكل عام.
عنوان هذه الأزمة: «مشروع إقامة سد للمياه في منطقة (لوتارن) جنوب فرنسا» قريبا من مدينة ألبي ومن مدينة تولوز المعروفة، ففي إحدى المظاهرات الاحتجاجية على إقامة السد، حصلت اشتباكات بين المتظاهرين وبين رجال الدرك، من جهة: العصي والحجارة واليافطات وأحيانا زجاجات المولوتوف، ومن جهة أخرى: الغاز المسيل للدموع والهراوات والتوقيفات بالعشرات والقنابل الصوتية.. ولكن أيضا قنابل لإخافة وتفريق المتظاهرين.
ومن سوء طالع شاب يدعى ريمي فريس أن إحدى هذه القنابل أصابت ظهره، وفي اليوم التالي للمظاهرة عثر على هذا الطالب ميتا في حفرة. بعدها، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والتهبت تصريحات السياسيين وخرجت أصوات تطلب رأس وزير الداخلية، برنار كازنوف، القريب جدا من رئيس الحكومة، مانويل فالس، ووجهت الاتهامات لقوى الأمن وللتعليمات التي أعطيت لها، وانشغل الإعلام بين مترقب لنتائج التحليل المخبري الذي اكتشف آثار مادة «تي إن تي» المتفجرة على ثياب الشاب القتيل؛ مما يعني أن سبب موته القنبلة التي أصابته، والتي تحتوي على هذه المادة المتفجرة.
ولاستكمال الصورة، اعتمد حزب الخضر، الذي كان حتى فترة قصيرة شريكا في الحكومة، لهجة نارية موجها الاتهامات في كل اتجاه، وذهب أحد نوابه، نويل مامير، لوصف سياسة الحكومة بـ«البلهاء». وفي مقابل من يدعو إلى التخلي عن مشروع السد المكلف الذي يهدد البيئة وغير ذي جدوى اقتصادية، سمعت أصوات تطالب بفرض هيبة الدولة والتوقف عن التراجع كلما خرجت مظاهرة وقطع طريق.
وبعيدا عن السياسة، انشغلت فرنسا وصحفها وقنواتها هذا الأسبوع بظاهرة أصبحت أكثر قلقا، وهي تكاثر الحوادث التي يرتكبها «المهرجون» (CLOWNS)، ففي العادة، المهرجون مضحكون، يقتربون من الناس ويقومون بحركات وأفعال محببة. لكن ما يحصل في فرنسا أن مجموعات من هؤلاء الذين يخفون وجوههم تحت أقنعة يعتدون على الناس، ويلجأون إلى العنف لسلبهم ما ارتفع ثمنه وخف وزنه، وذهبت صحيفة «ليبراسيون» يوم الجمعة، إلى تخصيص موضوعها الرئيسي لهذه الظاهرة المتفاقمة، خصوصا أن مجموعات معادية تخصصت في ملاحقة هؤلاء والاقتصاص منهم، بينما الأجهزة الأمنية بقيت عاجزة حتى الآن عن وضع حد لظاهرة أخذت تثير الفزع، وتمنع الناس من الخروج ليلا مخافة مقابلة هؤلاء.
بالطبع، لم تغب «الدوليات» عن الإعلام الفرنسي الذي عاد بقوة إلى الوضع في مالي وبوركينا فاسو، فضلا عن التساؤلات حول «جدوى ونجاعة» ما يقوم به التحالف الدولي في سوريا والعراق والعجز إزاء الغطرسة الإسرائيلية واستمرا ر الاستيطان على مستوى واسع.
والفضائح الجنسية والاعتداءات على الأطفال وانتشار وباء الإيبولا في غرب أفريقيا وانتهاء حرب أفغانستان رسميا وانسحاب بريطانيا منها إضافة إلى القضايا التي تبين التناحر السياسي بين الأحزاب الرئيسية، ما زالت تنال الحظ الأوفر في التغطية في الصحافة المكتوبة.
جميع الصحف الرزينة تناولت قضية الاعتداءات الجنسية على الأطفال في ثمانينات القرن الماضي. إذ احتلت هذه القضية مكانة مهمة في التغطية الإخبارية للصحف البريطانية خلال الأسبوع الماضي، خصوصا بعد أن تم تعيين المحامية فيونا وولف عمدة حي المال والأعمال اللندني رئيسة للجنة التحقيق في الادعاءات التي اتهمت فيها وزارة الداخلية في حكومة مارغريت ثاتشر بأنها تواطأت في الموضوع وغطت على بعض المتورطين فيه. واعتبرت العمدة بأنها ليست الشخص المناسب للتحقيق في القضية بسبب العلاقات التي كانت تجمعها مع وزير الداخلية آنذاك. وحاولت القوى تسجيل الأهداف السياسية ضد بعضها في هذه القضية الحساسة، والتي سخرت من قبل الأحزاب كجزء من حملاتها الانتخابية القادمة، التي بدأت ملامحها واضحة أي قبل 6 شهور من تنظيمها.
صحيفة «التايمز» أبرزت في تغطيتها قضايا تخص الاعتداءات الجنسية وتورط الكنيسة في الموضوع. وعلى صفحتها الأولى كتبت حول استقالة كبار أساقفة الكنيسة الإنجليكانية بعد أن وجهت إليه الاتهامات بأنه قصر في عمله مما أدى إلى المزيد من الاعتداءات، منتقدة بذلك صمت الكنيسة. وتحت ما نشيت رئيسي على صفحتها الأولى كتبت صحيفة «الغارديان» تقول «الكنيسة ترجع بسجلاتها إلى 50 سنة مضت لتكتشف دورها في الاعتداءات الجنسية على الأطفال»، وإنها فتحت ملفات آلاف من رجال الدين الذين عملوا في الكنيسة طيلة 5 عقود لمعرفة دورهم في هذه القضية الأخلاقية. أما صحيفة «الديلي تلغراف» (يمين وسط) المحافظة فقد كتبت هي الأخرى بانتقاد شديد تعيين عمدة حي لندن المالي لتقود التحقيق، مبينة أن وزارة الداخلية قد غطت على العلاقة التي كانت قائمة بينها وبين وزير الداخلية في حكومة ثاتشر في ثمانينات القرن الماضي، مما يعني أن هناك تعارضا في المصالح، ولهذا فإنه من الخطأ أن تسند إليها هذه المهمة، وهذا ما تطالب به المعارضة العمالية.
وحظي تفشي وباء إيبولا في غرب أفريقيا على تغطية وافرة في صحف «التايمز» و«الغارديان» و«الإندبندنت». وقدمت الصحف خلال الأسبوع تغطية شاملة حول الوباء ومخاطره على العالم أجمع. وقالت إنه بمعزل عن المأساة الإنسانية التي لا تزال تعيشها أفريقيا الغربية على وقع انتشار إيبولا، فقد أوقع هذا الوباء ضحية أخرى هي منظمة الصحة العالمية وبشكل أعم الإدارة الدولية للوباء التي اعتبرت أنها جاءت متأخرة جدا. اتفق الجميع على القول إنه حصل تأخير في انطلاق التحرك الذي يعد مسؤولا جزئيا عن اتساع وباء إيبولا، الأخطر منذ اكتشاف الفيروس في 1976 في زائير السابقة.
وجاء عنوان صحيفة «الغارديان» على صفحتها الأولى يوم الجمعة الماضي محذرا ليعكس حجم المأساة قائلا «العالم ليس آمنا ما زال وباء إيبولا في أي مكان».
أما صحيفة «التايمز» فقد بعثت بأهم مراسليها إلى غرب أفريقيا، الذي عمل في حلب منذ اندلاع الثورة السورية، وتعرض لمحاولة اختطاف. أنتوني لويد كتب من فريتاون بسيراليون تحت عنوان «مدينة الموت حيث تتربص إيبولا في الشوارع بخفة». وفي بداية الأسبوع عكست التغطية إعلان مسؤولين في لندن قرار إغلاق آخر قاعدة عسكرية بريطانية في أفغانستان، وإنهاء العمليات القتالية البريطانية التي استمرت 13 عاما. وتناولت ما قامت به وزارة الدفاع البريطانية بأن قوات الأمن الوطنية الأفغانية تسلمت قاعدة «كامب باستيون»، ومن المقرر أن تغادر القوات البريطانية إقليم هلمند خلال الأيام المقبلة.
وفي نهاية الأسبوع تناولت الصحف حادث تحطم مركبة الفضاء الأميركية «سبيس شيب تو» التابعة لشركة «فيرجين جالاكتيك» والتي تم تطويرها لاستخدامها في سياحة الفضاء يوم الجمعة خلال رحلة تجريبية فوق صحراء موجاف بكاليفورنيا. واختارت «الديلي تلغراف» وكذلك «الغارديان» الحادث كموضوع رئيسي في عدد نهاية الأسبوع.
ومع بداية الأسبوع الماضي، زادت حمى الحملة الانتخابية الأميركية. وذلك لأنه، يوم الثلاثاء، سيذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب كل أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. وأشارت كل التغطيات الإعلامية تقريبا إلى احتمال فوز الحزب الجمهوري بأغلبية في مجلس الشيوخ. إذا حدث ذلك، سيسيطر على كل الكونغرس. واهتمت القنوات التلفزيونية الإخبارية أكثر، وكثفت التغطيات، وأرسلت مراسلين إلى الولايات لنقل أخبار حية. وفي نفس الوقت، زادت الإعلانات السياسية في هذه القنوات. وفي المجال الخارجي، ركز الإعلام على نوعين من الأحداث: الحروب والاشتباكات في جانب، والانتخابات في جانب. وبينما تميل التغطية في الصحف خاصة في صحف مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«لوس أنجليس تايمز» نحو التغطية الخارجية، تميل قنوات التلفزيون نحو التغطية الداخلية. لهذا، نشرت هذه الصحف تفاصيل الانتخابات في عدة دول: الناخبون في تونس يذهبون إلى صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية الأولى في ظل الدستور الجديد. في البرازيل، الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وإعادة انتخاب الرئيسة الحالية ديلما روسيف. في أوروغواي انتخابات عامة، وأيضا لجولة ثانية من الانتخابات الرئاسية. في أوكرانيا لصالح الرئيس بترو بوروشينكو، الموالي للغرب.
ومع الانتخابات، الحروب: مساعدة للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، قال الجيش الباكستاني إنه قتل 18 متشددا في غارات جوية بالقرب من الحدود مع أفغانستان. والحدث التاريخي في أفغانستان: إغلاق قاعدة عسكرية أميركية وبريطانية رئيسية، وتسليمها إلى القوات الأفغانية. ونقل تلفزيون «سي إن إن» مناظر براقة للمراسيم العسكرية للتسليم والتسلم. مع السؤال الروتيني عن مقدرة الأفغان على مواجهة منظمة طالبان.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا طويلا عن الاشتباكات بين القوات المصرية والإرهابيين في سيناء. وكتبت عن إغلاق الحكومة المصرية لمعبر رفح الحدودي مع غزة، وتأسيس منطقة عازلة.
وفي وسط الأسبوع، فوجئ الإعلام الأميركي، وأيضا المسؤولون الأميركيون وأعضاء الكونغرس، بخبر اعتراف السويد بدولة فلسطين. خاصة بسبب تأييد إسرائيل القوي في الكونغرس، ووسط عامة الأميركيين. ونشرت صحف كلمات افتتاحية لم تؤيد الاعتراف، وتساءلت عما إذا كان الاعتراف سيساعد على حل المشكلة.
وفي وسط الأسبوع، اهتم الإعلام الأميركي بحدث رياضي هو: في دوري البيسبول، فاز فريق جاينات (العملاقة)، في سان فرانسيسكو، ببطولة العالم لعام 2014، بعد أن هزم فريق رويالز (الملكيين) في كانساس سيتي (ولاية ميزوري).
ومع نهاية الأسبوع، زادت حمى الانتخابات، وصعد الجمهوريون حملتهم ضد الرئيس أوباما، خصوصا بسبب أخبار بأن الضرب الجوي الأميركي لمنظمة «داعش» لم يوقف توسعاتها، غرب بغداد، وشرق دمشق، ولم يخرجها من مدينة كوباني.
وفي صفحتها الأولى، ومع كلمة عن حب الشعوب للحرية، حتى الشعوب الأفريقية في دول نائية لم يسمع بها ربما كل الأميركيين، نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، صور وخبر نهاية حكم ديكتاتور بوركينا فاسو (في غرب أفريقيا) بعد حكم استمر 27 عاما.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.