انتهاء حملة الانتخابات التشريعية في إيران وسط ترقب نسبة المشاركة غداً

أغلق مجلس صيانة الدستور أمس، الباب نهائياً بوجه أي تراجع عن قرار إقصاء آلاف المرشحين للانتخابات التشريعية قبل ساعات من نهاية حملة انتخابية باهتة، استعداداً لفتح أبواب الاقتراع، صباح غد (الجمعة)، وسط تزايد ترقب حول المشاركة في ظلّ دعوات المقاطعة.
ودافع مجلس صيانة الدستور، عن إقصاء آلاف المرشحين معتبراً أنه يتماشى مع القانون.
وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية أمس، إلى توقعات بتسجيل المحافظين نتائج قوية في انتخابات غد، التي تأتي بعد أشهر من تفاقم التوتر بين إيران والولايات المتحدة، خصمها اللدود منذ عقود.
وقد تأتي مكاسبهم على حساب مؤيدي الرئيس حسن روحاني، المعتدل الذي أعيد انتخابه في 2017 على وعود بمنح مزيد من الحريات الفردية والاجتماعية، وضمانات للإيرانيين بأنهم سوف يستفيدون من التعاون مع الغرب. لكنّ العديد من الناس يشعرون بأن تدهور الوضع الاقتصادي يعيق حياتهم، خصوصاً بعد العقوبات الأميركية التي أعادت فرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.
وانتهت أمس، الحملة الانتخابية التي استمرت أسبوعاً، ورُفعت فيها ملصقات وشهدت بعض التجمعات المحدودة، قبل يوم صمت انتخابي عشية يوم الاقتراع.
وقالت وزارة الداخلية إن نحو نصف المستبعدين البالغ عددهم 16033 سيطعنون في الانتخابات بعد أن تم إقصاء آلاف الطامحين ومعظمهم من المعتدلين والإصلاحيين. لكن المجلس قال إنه يلتزم «الحياد» في تعاطيه مع جميع الأطراف السياسية وتصرف وفقاً للقانون عندما استبعد المرشحين.
وقال المتحدّث باسم المجلس عباس علي كدخدائي: «يتّبع مجلس صيانة الدستور القوانين والأنظمة التي سنّها البرلمان في أوقات مختلفة»، مضيفاً: «هذه المرة، كما فعلنا سابقاً، حاولنا أن نتبع القوانين كما يجب». وتابع: «لم يتبنَّ المجلس قط موقفاً سياسياً... وهو يتعامل مع كل التيارات السياسية بعيون مغلقة»، لافتاً إلى أن «ما يَحكم عليه هو الأدلة الموجودة في ملفات المرشحين ويتصرف لاحقاً بناءً على قانون سنه البرلمان».
وقال كدخدائي إنه يتوقع أن تبلغ نسبة المشاركة 50% على الأقل، وأضاف: «نتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة قوية، ومعدل نسبة المشاركة لم يكن قط دون 50%، وسنشهد في هذه الانتخابات أيضاً نسبة 50%». وكانت وكالة «فارس» نقلت عن إحصائية لجامعة طهران، عن مقاطعة نحو 75% للانتخابات البرلمانية.
ويتوقع محللون أن يؤثر إحباط الناخبين البالغ عددهم 57 مليوناً في البلد الخاضع لعقوبات اقتصادية على نسبة المشاركة سلباً.
ويشعر سكان طهران بالاستياء من السياسيين الذين يقولون إنهم أخفقوا في الالتزام بوعودهم أو رفع مستوى المعيشة.
وحضّ المرشد علي خامنئي الإيرانيين على التصويت، معتبراً ذلك «واجباً دينياً». فيما وجه الرئيس روحاني دعوة مماثلة، أمس (الأربعاء)، وقال إن المشاركة في الانتخابات من شأنها أن تعطي إيران «القوة والوحدة» اللازمتين في موقفها ضد الولايات المتحدة. وقال في تصريحات نقلها التلفزيون عقب اجتماع لحكومته: «نذهب إلى الانتخابات لاختيار أفضل الأشخاص للبرلمان، المؤسسة البالغة الأهمية». وفي إشارة إلى العقوبات الأميركية أضاف: «نخضع لعقوبات قاسية وضغوط من الاستكبار العالمي وعلينا كسر هذه العقوبات وتحسين حياة الناس».
بلغ معدل المشاركة في دورات الانتخابات العشر الماضية في إيران 60,5%، وفق وزارة الداخلية.
ورأى روحاني أنها «عقوبات الإرهاب والطغيان ضد إيران»، مؤكداً: «لا يستطيع أحد القول إن العقوبات لا تأثير لها وإن على الحكومة أن تبذل مزيداً من الجهود... إنها أكاذيب، إنها تدعم أميركا».
ويشعر الإيرانيون بتأثير العقوبات بعد أشهر من الصعوبات. فالاقتصاد يشهد تدهوراً منذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادته فرض عقوبات في إطار حملة «ضغوط قصوى» على طهران، بهدف تعديل دور إيران الإقليمي وتطوير الصواريخ الباليستية.
في نوفمبر (تشرين الثاني)، شهدت مدن إيرانية مظاهرات احتجاجاً على رفع أسعار البنزين بنسبة 300% قبل أن يتم سحقها في قمع دامٍ.
وكادت إيران والولايات المتحدة تخوضان حرباً مرتين في الأشهر السبعة الماضية، كان آخرهما في أعقاب مقتل قائد «فيلق القدس»، مسؤول العمليات الخارجية لـ«الحرس الثوري» قاسم سليماني، بضربة أميركية في 3 يناير (كانون الثاني).
وتسبب «استشهاده» بموجة حزن في إيران.
وشارك ملايين الإيرانيين على اختلاف انتماءاتهم في جنازته. لكنّ هذه الوحدة تعرضت لضربة بعد أن أقرّت إيران بأنها أسقطت «بطريق الخطأ» طائرة أوكرانية، ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 176 شخصاً.
وتفتح مكاتب الاقتراع لاختيار أعضاء البرلمان المكون من 29 مقعداً عند الساعة 08,00 صباحاً (04,30 ت غ) الجمعة، لفترة عشر ساعات مع إمكان تمديدها. ويتوقع صدور النتائج الأولية الأحد.
وتترقب المعارضة الداعية لمقاطعة الانتخابات التشريعية في إيران، كما النظام الباحث عن تعزيز شرعيته بعد أشهر من المظاهرات، ما ستكون عليه نسبة المشاركة خلال هذا الاستحقاق الانتخابي الذي تشهده البلاد، غداً (الجمعة).
وينتقد العديد من المعارضين في إطار النظام، غياب التعددية في هذه الانتخابات بعد إقصاء آلاف المرشح ينبثق معظمهم من التيار المعتدل والإصلاحي، فيما تدعو المعارضة التي تطالب بتغيير النظام إلى مقاطعة الانتخابات.

ومن السجون الإيرانية حتى الخارج، تتوالى دعوات مقاطعة الانتخابات. ومن زنزانتها حيث تقضي عقوبة بالسجن 10 سنوات لاتهامها بـ«تشكيل وقيادة مجموعة مخالفة للقانون»، كتبت الناشطة في حقوق الإنسان نرجس محمدي: «علينا أن ننتفض... ونطلق حملة مقاطعة كبيرة ضد السياسة القمعية للحكومة».
وخارج إيران، يتخذ ناشطون معارضون للنظام مواقف مماثلة، فبالنسبة إليهم المشاركة في التصويت مرادفة لإضفاء شرعية على النظام. وتتبنى هذا الموقف الصحافية مسيح علي نجاد التي عملت لسنوات في شؤون البرلمان قبل أن تهاجر لممارسة عملها الصحافي بموازاة الكفاح من أجل الحريات الاجتماعية وخصوصاً حقوق المرأة.
وفي مقطع فيديو تم تناقله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو علي نجاد أيضاً إلى مقاطعة الانتخابات وتعد التصويت بمثابة غض الطرف عن قتلى القمع.
وأوضحت علي نجاد، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «في اليوم التالي للانتخابات سيعود كل شيء كما كان: الأصوات ستعطي شرعية للنظام الإسلامي، وكل الوعود بالحريات سوف تذهب طي النسيان». وتضيف من نيويورك: «تنظم الجمهورية الإسلامية هذه الانتخابات الزائفة لدعم شرعيتها الدولية، لكن يجري اختيار المرشحين مسبقاً، ولا تسامح مع أي صوت معارض، وحتى نسبة المشاركة يجري التلاعب بها».
وترى أن على الإيرانيين أن يطلبوا من الأمم المتحدة فتح تحقيق حيال قمع احتجاجات نوفمبر.
ونقلت وكالة «رويترز» عن ثلاثة مسؤولين بالوزارة الداخلية الإيرانية في ديسمبر (كانون الأول)، أن حصيلة القتلى بلغت 1500 شخص بعد أوامر من المرشد الإيراني بإخماد الاحتجاجات.
ورغم أنه رفض هذه الأرقام، الأحد، لكن النظام الإيراني لم يقدم حصيلة رسمية. وعند سؤاله، الأحد، خلال مؤتمر صحافي عن هذه النقطة، تفادى الرئيس حسن روحاني الإجابة.
وخرجت مظاهرات جديدة في إيران في يناير بعد اعتراف القوات المسلحة الإيرانية بإسقاط طائرة مدنية بعد ثلاثة أيام من قولها إنها أسقطت بطريق الخطأ، ما أودى بحياة 176 مدنياً.
ويتوقع أن يشارك الناخبون في المناطق الريفية المحافِظة تقليدياً بكثافة في الانتخابات نتيجة تداخل عوامل منها عرقية وطائفية وعوامل أخرى تعود إلى مخاوف المواطنين من عقبات تواجههم في الحياة اليومية ما لم تسجل مشاركتهم في الانتخابات، عبر رقم الهوية المدنية.