كيف كشفت الأزمة الحكومية في تونس الخلاف بين رأسي السلطة؟

الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ (أ.ف.ب)
الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ (أ.ف.ب)
TT

كيف كشفت الأزمة الحكومية في تونس الخلاف بين رأسي السلطة؟

الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ (أ.ف.ب)
الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ (أ.ف.ب)

كشفت المفاوضات التي ترافق تشكيل الحكومة في تونس وجود خلافات عميقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وحزب النهضة الذي يملك الكتلة الأكبر في البرلمان، مما يهدد بحلّ مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرّة ستكون الثانية في أقل من عام.
وقدم رئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ تركيبة حكومته السبت. وكان حزب النهضة أعلن رفضه لها قبل الإعلان عنها حتى، معللّاً قراره بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقصي أي حزب ممثل في البرلمان، وذلك حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها.
وكانت حكومة أولى برئاسة الحبيب جملي الذي رشحته حركة النهضة، فشلت في العاشر من يناير (كانون الثاني) في نيل ثقة مجلس النواب.
ويقول أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي: «هناك صراع إرادات بين سعيّد ورئيس البرلمان مرده التموقع السياسي وكل طرف يريد فرض توجهاته السياسية».
وانتخب سعيد رئيساً للجمهورية في أكتوبر (تشرين الأول) ويقدم نفسه على أنه مستقل تماماً. وهو خبير في القانون الدستوري وتفاصيله ويدافع عن مشروع لا مركزية السلطة وينتقد النظام البرلماني الذي تهيمن عليه الأحزاب. بينما يسعى حزب النهضة، الإسلامي الجذور، إلى الحفاظ على نفوذه الذي سمح له بالبقاء في السلطة منذ ثورة 2011.
وفاز الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة بـ54 نائباً من أصل 217. وأوصل رئيسه راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان بتوافق مع «قلب تونس»، الحزب الثاني في البرلمان.
لكن لا توجد في البرلمان أكثرية واضحة، بل هو منقسم ومشتت بين كتل وأحزاب عدة بينها خلافات آيديولوجية وسياسية عميقة.
واستأنف الفخفاخ التفاوض لتقديم تشكيلة حكومية جديدة. وتنتهي المهلة الدستورية المحددة لتشكيلها الخميس. وأعلنت الرئاسة التونسية قبل قليل أن الفخفاخ سيقدم تشكيلة حكومية جديدة بعد ظهر اليوم الأربعاء.
وكان سعيّد وصف الوضع الاثنين «بأخطر أزمة تعرفها تونس منذ الاستقلال».
وسألت صحيفة محلية أمس: «هل سعيد والغنوشي في مواجهة مفتوحة؟»، مشيرة إلى «دخول رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة في صراع محموم عنوانه تأويلات مختلفة للدستور وفي باطنه مسك زمام الحكم».
ويقول الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية حمزة المؤدب: «قيس سعيّد أصبح الخصم والحكم... يقرأ الدستور بشكل لا يتوافق مع النهضة، مما خلق توتراً كبيراً يمكن أن ينتهي بظهور جبهة معادية لمعسكر النهضة».
ويشير الحناشي إلى أن «النهضة قبلت بالفخفاخ على أساس أن تكون لها الكلمة الفصل في الحكومة»، لكنها لم تنل وزارات معينة كانت طالبت بها.
واستثنى الفخفاخ من مشاوراته لتشكيل الحكومة حزب «قلب تونس» (38 نائباً) و«الحزب الدستوري الحرّ» (17 نائباً)، وعلّل قراره بأنهما «ليسا في مسار ما يطلبه الشعب»، وأنه «يجب خلق استقرار سياسي لتحقيق الانتقال الاجتماعي الذي طالما انتظره التونسيون».
في المقابل، تمسكت النهضة بمشاركة «قلب تونس». ويقول المؤدب إن سبب تمسك النهضة بقلب تونس مرده أنها «لا تستطيع الدخول في حكومة من دون حلفاء، خوفاً من عزلها أو أن يكون وزنها أقل».
لكن قيس سعيد كان واضحاً مساء الاثنين حين أعلن أنه سيحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة إن لم يتم منح الثقة لحكومة الفخفاخ.
وينظم الفصل 89 من الدستور مراحل تشكيل الحكومة وفيه «إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً».
وتعتبر أستاذة القانون الدستوري سلوى الحمروني أن الفصل 89 من الدستور «مسار كامل يجب تطبيقه إلى نهايته»، مستبعدة أي سيناريو آخر يمكن اللجوء إليه للخروج من الأزمة.
وسيزيد تنظيم انتخابات جديدة من الضغوط على البلد الذي يعاني من وضع اجتماعي واقتصادي صعب يتطلب حكومة تستطيع إيجاد حلول في أقرب وقت.
وتمكنت تونس منذ ثورة 2011 من تحقيق خطوات مهمة على صعيد تطبيق الديمقراطية، لكن المؤشرات الاقتصادية شهدت في المقابل تدهوراً مع تزايد المطالب الاجتماعية وخصوصاً منها البطالة والتضخم.
ويقول المواطن باديس العيادي الذي يعمل في السباكة (41 عاماً): «الصراع السياسي والدستوري القائم في البلاد يهمني بدرجة ثانية، اهتماماتي الأساسية كيف أتمكن من شراء متطلباتي اليومية دون إلحاق الضرر براتبي مع ارتفاع الأسعار المتواصل».
كما أن الاستقرار السياسي عبر تشكيل حكومة يمثل مؤشراً مهماً بالنسبة للمانحين الدوليين لتونس، الديمقراطية الفتية التي تسعى عبر القروض، إلى تجاوز تعثر الاقتصاد. ومن المتوقع أن تحصل تونس في أبريل (نيسان) حزمة على آخر دفعة مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي (بدأت عام 2016)، على أن تبدأ البلاد في تسديدها في 2020.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».