تشيلي... أطول رحلة إلى أطول بلد

عندها تنتهي الأرض... لقبها «بلاد الشعراء» وملهمة شكسبير

تشيلي... أطول رحلة إلى أطول بلد
TT

تشيلي... أطول رحلة إلى أطول بلد

تشيلي... أطول رحلة إلى أطول بلد

«سيلفي» أمام اللوحة عند باب إقلاع رحلة طيران الإمارات «تي كيه 263» الأولى إلى سانتياغو عاصمة تشيلي في الخامس من يوليو (تموز) عند الساعة التاسعة وخمس دقائق صباحاً، التقطت الـ«سيلفي» غير آبهة للتعب الواضح على وجهي بعد قطع أكثر من ست ساعات طيران من لندن إلى دبي لأكون شاهدة على أطول رحلة أقوم بها في حياتي إلى وجهة لا أعرف عنها سوى كونها تقع في جنوب أميركا وشكلها طويل ورفيع وتقع ما بين جبال الإنديز وشرق المحيط الهادي، وتحدها بيرو من الشمال وبوليفيا من الجهة الشمال شرقية والأرجنتين من الشرق وممر دريك من أقصى الجنوب. كنت أعرف عنها من خلال شعرائها مثل بابلو نيرودا وغابرييل ميسترال وأعرف أن لقبها «بلاد الشعراء»، ومن المعلومات المحدودة لدي أن عاصمتها سانتياغو تضم أكبر جالية فلسطينية في العالم وفريق كرة القدم Club Deportivo Palestino الذي تأسس عام 1920.
ربطنا الحزام، وبدأت الرحلة بالترحيب بالركاب الذين سيقضون 21 ساعة من الطيران. الوجهة واحدة ولكن قصص الركاب مختلفة، فهناك رجال الأعمال الذين سيستفيدون من الرحلة الجديدة للوصول إلى البرازيل وتشيلي بأسرع وأفضل وقت، وهناك الركاب الذين ينتظرون بفارغ الصبر لقاء ذويهم بعد طول غياب، وهناك من هم مثلي يبحثون عن الرحلات البعيدة والجديدة ويحسبون سنوات عمرهم بالمعرفة التي يكتسبونها من كل رحلة ومغامرة.
أغمضت عيني وبدأت أحلم بتلك البلاد التي شغلني اسمها وتقت شوقاً للوصول إليها لأعرف ما إذا كان اسمها «تشيلي» تيمناً بالفلفل أو بسبب شكلها الطويل والرفيع.
وبعد ساعات وساعات من النوم والأكل ومشاهدة الأفلام حطت الطائرة في مطار سانتياغو الدولي، وكان المساء بارداً والمناخ في تشيلي يعتمد على القطاع الذي تنوي زيارته، فإذا كنت تفضل الطقس الدافئ من الأفضل التخطيط للزيارة ما بين أكتوبر (تشرين الأول) ومارس (آذار) وهذا التوقيت من العام هو الأفضل للذين ينوون زيارة باتاغونيا الواقعة إلى الجنوب من البلاد. وفي حال كنت تنوي زيارة العاصمة الواقعة في وسط الوادي وصحراء «أتاكاما». فيمكنك ذلك في أي وقت من فصول العام مع الأخذ بالحسبان بأن الطقس خلال صيفنا يكون الشتاء في تشيلي. فالفترة ما بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) هي فترة خريفية جميلة وخلالها تشاهد أجمل اللوحات الطبيعية لا سيما إذا كنت ستقصد الجبال.
لغز الاسم
أول سؤال طرحته على أول شخص تشيلي قابلته كان: «من أين جاءت تسمية تشيلي؟» وكان الجواب بأن هناك لغطاً فيما يخص الاسم، فعلى عكس ما يظنه البعض بأن الاسم جاء من شكل البلد الطويل الأشبه بالفلفل فهو بالفعل جاء من السكان الأصليين الـMapuche ويعني «حيث تنتهي الأرض «أو تقليد المابوتشي لطائر يطلق صوتاً تسمعه وكأنه يغرد «تشيلي تشيلي».

سانتياغو
بعد حل لغز اسم تشيلي جاء وقت تقييم المدينة والحكم عليها من النظرة الأولى، فهي مدينة تحدها الجبال التي كانت تكسوها الثلوج، مدينة عصرية وتاريخية بنفس الوقت، فيها المظاهر التي توحي بأنها مدينة ناجحة اقتصادياً، طرقاتها واسعة وأبنيتها عالية، وفيها أعلى مبنى في جنوب أميركا مؤلف من 64 طابقاً، وتم أخيراً افتتاح منصة لمشاهدة المدينة من الطابق الأخير لترى أجمل معالم المدنية و«أنديان كورديليرا».وتعتبر المدينة الأكثر استقراراً وازدهاراً في أميركا الجنوبية، وشهد القطاع السياحي في تشيلي نمواً مستمراً خلال السنوات الماضية، وتعدى عدد السياح الـ5.6 مليون سائح.
إذا كانت زيارتك قصيرة إلى العاصمة، أفضل وأسرع طريقة للتعرف إليها من خلال الرحلات على متن الحافلات السياحية التي تمر بوسط المدينة وفيها تزور المعالم الاثرية مثل Plaza De Armas وكاتدرائية سانتياغو ومركز البريد المركزي ومبنى البلدية في سانتياغو، ومن الزيارات المهمة أيضاً قصر لا مونيدا Palacio De La Moneda مقر الحكومة التشيلية، ويعود بناء القصر إلى القرن التاسع عشر تم تصميمه ليكون ورشة لإنتاج العملة المعدنية ولهذا السبب أطلق عليه اسم «لا مونيدا» وتعني «العملة».
وبعد زيارة أهم الأبنية والمعالم التاريخية في وسط سانتياغو، أنصحك بالتوجه إلى محيط منطقة Barrio Lastarria حيث يمكنك اكتشاف إرث الهندسة المعمارية وطرزها الحقيقية ولا بد من المشي في شوارعها المميزة بأرضيتها المرصوفة بالحجارة الصغيرة والولوج إلى البوتيكات الصغيرة ومحلات بيع القطع الفنية.
هيا بنا إلى خارج سانتياغو
سانتياغو جميلة ولكن ما هو أجمل هو الخروج منها وزيارة المدن القريبة والذهاب في رحلات أبعد بالطائرة إلى أماكن تستحق عناء السفر.
من الزيارات التي لا تتكرر في حياتك، صحراء «أكاتاما» Acatama، فتخيل أن أرض هذه الصحراء هي الأكثر جفافاً والأعلى في العالم والغريب أن هذه الصحراء تنمو فيها الزهور أقحوانية اللون مما يجعل منها أعجوبة طبيعية حقيقية.
ومن الزيارات الجميلة الأخرى مناطق الجليد في «تييرا ديل فويغو» Tierra Del Fuego واكتشاف الغموض الذي يكتنف أشهر جزيرة في تشيلي Easter Island وPuerto Varas التي كانت على مخطط رحلتي وتبعد نحو الساعة بواسطة الطائرة.
ومن المناطق الرائعة القريبة من سانتياغو «فالبارييزو» Valparaiso التي لعبت دوراً جيوسياسياً مهماً في القسم الثاني من القرن التاسع عشر بسبب مينائها الذي جعلها منفتحة على باقي المدن والدول، هي ثاني أكبر قطاع مأهول في تشيلي ولقبها جوهرة المحيط الهادئ وتعتبر إرثاً تابعاً لليونيسكو، وهي مدينة ثقافية وتجارية مهمة، وساهم ميناؤها في استقبال الأوروبيين، لا سيما الإسبان إليها.
بعد التعرف إلى مينائها وساحتها يمكنك زيارة المتحف البحري ومتحف الفنون الجميلة بالإضافة إلى متحف التاريخ الطبيعي، ولكن من أجمل ما يمكن أن تفعله في فالبارييسو هو الصعود إلى أعلى وزيارة متحف كازا لا سيباستيانا Casa La Sebastiana منزل الشاعر بابلو نيرودا الواقع على تلة تشرف على بيوت تلك المدينة العشوائية الملونة التي تتكئ على بعضها بعضاً، وهذا المنزل هو عينة ثقافية وترجمة للثروة الفنية والثقافية في تشيلي.
ومن الممكن المشي بين أزقتها وسلالمها والقيام برحلة قصيرة على متن التلفريك القديم واستنشاق الثقافة والفن والتمعن بفن الغرافيتي المنتشر في المدينة التي تضم أكبر عدد من الفنانين والرسامين، ويتخلل نزولك مطاعم ومقاه معلقة بين الأبنية وكلها تطل على مناظر ساحرة.

الأكل في تشيلي
إذا كنت تحب سمك السلمون فأنت في المكان الصحيح، لأن تشيلي تحتضن أعداداً هائلة من مزارع السلمون، وفي حال كنت من أنصار اللحم البقري وتحديداً الاستيك فأنت أيضاً في المكان المناسب لأن تشيلي تقدم أجود أنواع اللحم وتشتهر مطاعمها بتقديم أفضل الوصفات للاستيك المشوي.
ولمحبي المعجنات أنصحهم بتذوق الـ«Sopaipillas» ومعجنات الـ«إيمباناداس» Empanadas وهي عبارة عن قطعة من العجين محشوة بالخضراوات أو الدجاج أو اللحم.
وفي تشيلي الأكل جيد، بما فيه أكل الشارع البسيط فهو رخيص ولذيذ بنفس الوقت.
المعروف عن التشيليين حبهم للآيس كريم ولهذا ترى الكثير من محلات بيعها في مختلف أرجائها وفي جميع الفصول.

ما لا تعرفه عن تشيلي
> تعتبر تشيلي من بين الدول القليلة في العالم التي تضم مكتباً رسمياً لرصد الأجسام الفضائية الغريبة UFO وهذا ما يفسر شعف التشيليين بمراقبة السماء ورصد النجوم وما يجري فيها وهم من أكثر الشعوب التي تنشر فيديوهات يدعي أصحابها رؤية أجسام غريبة في السماء.
> الشعب التشيلي يحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث استهلاك الخبز بعد الشعب الألماني الذي يحتل المرتبة الأولى. ولهذا تتوفر أنواع عديدة من الخبز اللذيذ وأشهرها ماراكيتا Marraqueta.
> توجد في تشيلي أقدم مومياء في العالم، مما يجعلها أقدم بكثير من المومياء في مصر، اكتشفت في وادي كامارونيس وأقدمها يعود إلى نحو عام 5050 قبل المسيح.
* دخلت تشيلي موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد تسجيل أكبر بركة سباحة في العالم تتسع لـ66 مليون غالون من الماء وهي بحجم 20 بركة سباحة أولمبية.
> تشيلي حطمت الرقم القياسي عام 2007 بعدما أطلقت في ميناء فينيا ديل مار في فالباريسو 1600 لوحة من الألعاب النارية، ودخلت بذلك موسوعة غينيس.
> يقال إن شكسبير استلهم شخصية «كاليبان» في مسرحة «ذا تيمبيست» بعد قراءة مدونة مستكشف ووصفه للعشائر التي كانت تعيش في «تييرا ديل فويغو» الواقعة إلى أقصى الجنوب من تشيلي.
> من أجمل الطرقات في العالم هو تلك الذي ينتهي في مدينة «كويللون» في جزيرة «تشيلويه»، وفي هذه النقطة تلتقط أجمل الصور الفوتوغرافية على الإطلاق. والطريق الثاني الرائع ينتهي في مدينة «أوشوايا» في الأرجنتين.
> أكبر زلزال مسجل في العالم ضرب تشيلي وبلغت قوته 9.5 على مقياس ريختر، وحصل في فالديفيا عام 1960 ودام لمدة 13 دقيقة وحصد نحو 6 آلاف ضحية.
> اللغة الرسمية في تشيلي هي الإسبانية، ويتسم الشعب التشيلي كونه ودوداً ومنفتحاً على الجنسيات الأخرى.

كلمة أخيرة
من الصعب أن تحصي روعة وجمال تشيلي في كلمات معدودة ولكن من السهل أن تسهب في وصفها الذي يستحق الكثير من الكلمات.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.