بوتين وإردوغان في إدلب: مزاوجة بين «أضنة» و«سوتشي»؟

بوتين وإردوغان
بوتين وإردوغان
TT

بوتين وإردوغان في إدلب: مزاوجة بين «أضنة» و«سوتشي»؟

بوتين وإردوغان
بوتين وإردوغان

الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان يلعبان في إدلب سياسة «حافة هاوية». كل منهما لا يزال يلصق أوراقه إلى صدره. المسرح هو إدلب، لكن نتائج التصعيد مرتبطة بأمور استراتيجية. ثنائيأ، قد تكون أحدى مآلاتها المزاوجة بين «اتفاق سوتشي» و«اتفاق أضنة».
بوتين، قاد هجوم قوات الحكومة السورية لاستعادة السيطرة على الطريق السريع بين حلب ودمشق وتوسيع دائرة السيطرة على العاصمة الاقتصادية لسوريا- حلب. كما أن تابع كيف ان طائراته تزيل معظم البنية التحتية للمعارضة من مستشفيات ومدارس في شمال غربي سوريا. رأى أن العمليات العسكرية اقتلعت نحو مليون مدني باتجاه حدود تركيا. هدفه الثاني، فتح طريق حلب - اللاذقية ما يعني قذف مزيد من المدنيين إلى الحدود السورية مع «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).
هو يعتقد، حسب مسؤول غربي مطلع على التفكير الروسي، أن الأولوية حالياً لفتح الشرايين الاقتصادية لمناطق الحكومة. هذا يرمي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية، ما يسمح بمواجهة الخطة الأميركية القائمة على «الضغط الأقصى» على دمشق لانتزاع تنازلات من موسكو. عملياً: فرض أمر واقع قبل موعد بدء تنفيذ «قانون قيصر» في يونيو (حزيران) المقبل.
أيضاً، يعني هذا بالنسبة إلى بوتين، فرض حقائق مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية في منتصف 2021، بما يسمح لروسيا كي تقود حملة علاقات عامة لـ«شرعنة النظام» وإعادة دمشق إلى «العائلة العربية».
وزارة الدفاع الروسية تريد تقديم نسخة سورية من «نموذج غروزني» القائم على «الهندسة الاجتماعية» بإفراغ مدن من الحجر والبشر وإعادة إعمارها وإسكانها. لذلك، فإن اتفاق سوتشي الخاص بشمال غربي سوريا، هو جزء من هذا التصور الروسي لـ «استعادة السيادة السورية تدرجيا». هناك «تكامل» بين المفاوضات والمعارك للوصول إلى هذا الهدف سواء بالنار أو الدبلوماسية. على ماذا يراهن؟ على القدرة النارية وأنه اللاعب الأبرز وصاحب المفتاح في سوريا ودعم أو عجز من عدد الدول، وقبول من دول إضعاف تركيا في سوريا خصوصاً أن وجودها «غير شرعي». كما يراهن على اقتراب أو تطابق موقف طهران حالياً مع موسكو ودمشق في إدلب.
إردوغان، من جهته، بات ينظر إلى ملف إدلب بوصفه «شأناً داخلياً يخص الأمن القومي». أرسل تعزيزات عسكرية غير مسبوقة، من معدات وجنود، إلى إدلب وريفها. لا تزال في موقف دفاعي. صعّد من الخطاب السياسي ضد دمشق وموسكو. أبلغ عبر مفاوضيه أنه لا بد من عودة قوات الحكومة إلى خطوط التماس بموجب خرائط اتفاق سوتشي. الموعد هو نهاية الشهر. حمّل موسكو بعض الهجمات ومسؤولية استهداف جنوده. توعّد بـ«رد شامل» على أي استهداف جديد لها.
على ماذا يراهن؟ يعتمد على أن بوتين لن يغامر بخسارة ما حققه مع دولة عضو في «ناتو» سواء ما يخصل تطوير العلاقات الثنائية اقتصادياً وعسكرياً أو نشر منظومة «إس 400» قرب «باتريوت» الأميركية. كما يعتمد إردوغان على الدعم الذي وصل إليه من دول غربية وخصوصاً من أميركا. المبعوث الرئاسي الأميركي جيمس جيفري، قال إن بلاده «تقف مع حليفتها في ناتو» وتدعم مطالب أنقرة بـ«استعادة الخطوط الأصلية لمنطقة وقف النار التي تم التوصل إليها في سوتشي». ووعد بدعم دبلوماسي واستخباراتي. الرئيس دونالد ترمب أبلغ إردوغان هاتفياً «قلقه إزاء العنف في إدلب». عملياً، إردوغان يراهن على رهان أميركا ودول غربية على الاستثمار في الفجوة بين موسكو وأنقرة.
وفد بوتين أبلغ عناصر هذا الموقف في المفاوضات. موفدو إردوغان وضعوا مطالبهم على الطاولة. إردوغان يعرف حدود الدعم الأميركي وأنه لن يصل إلى الجانب العسكري. بوتين يدرك أهمية «اللاعب الأطلسي» وحدود الدعم القادم من الحلفاء الإقليميين لـ«السوفيات الجدد».
لذلك، لا يزال الباب مفتوحاً لعقد صفقة. سياسة «حافة الهاوية» قد تتفتق عن اتفاق جديد يبارَك بقمة بين «السلطان» و«القيصر»، أحد احتمالاته: خطوط تماس جديدة تكون شمال طريقي حلب - دمشق وحلب - اللاذقية مقابل انتشار القوات التركية في «منطقة خفض التصعيد» الجديدة. ويمكن نصب خيمة لذلك بالمزاوجة بين «اتفاق سوتشي» و«اتفاق أضنة» لإعطاء صفة «شرعية» للوجود التركي وفتح نوافذ سياسية بين دمشق وأنقرة تمتد إلى مناطق شرق الفرات التي شهدت أمس استئناف الدوريات الروسية - التركية!



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.