إيران تتطلع لبلوغ «سقف المشاركة» في الانتخابات لئلا تتزعزع «شرعية النظام»

غداة تراجع الرئيس الإيراني حسن روحاني من انتقادات سابقة للانتخابات التشريعية، أعرب رئيس لجنة الانتخابات بالوزارة الداخلية الإيرانية عن أمله بتسجيل «سقف المشاركة» في الانتخابات، فيما أظهرت نتائج استطلاع رأي عزوف 75 في المائة من أهل العاصمة طهران عن المشاركة في الانتخابات المقررة الجمعة.
وقال رئيس لجنة الانتخابات الإيرانية جمال عرف إن 75 مليونا و918 ألف شخص من بين ثمانين مليون إيراني يمكنهم المشاركة في الانتخابات.
وقبل ثلاثة أيام على انتهاء الحملة الانتخابية التي بدأت الخميس، رجحت مصادر غربية أن يحكم «المتشددون» من أنصار المرشد الإيراني علي خامنئي وعلى رأسهم «الحرس الثوري»، قبضتهم على إيران.
وتوقع تحليل لوكالة «رويترز» أمس أن تؤدي نتائج الانتخابات التشريعية «لإحكام قبضة المتشددين»، ورجحت أن «تصب نتائج الانتخابات في صالحهم»، في حين تعمل القيادة على توحيد صفوفها مع تصاعد المواجهة مع واشنطن. واعتبرت «أي مكاسب كبيرة يحققها المتشددون ستؤكد على أفول نجم الساسة البراغماتيين، الذين أضعفهم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وإعادة فرضها العقوبات في خطوة عرقلت التقارب مع الغرب». ولاحظت أن «حصول المتشددين على المزيد من مقاعد البرلمان سيمنحهم مكسبا آخر يتمثل في فسحة أكبر للدعاية لمرشحهم في انتخابات الرئاسة 2021»، وأضافت «من الصعب التكهن بالطريق الذي ستسير فيه الانتخابات في ظل غياب استطلاعات رأي مستقلة يعتد بها، ناهيك عن إلى أي مدى سيفرض خامنئي والحرس الثوري نفوذهما على الانتخابات لتعزيز قبضتهما على السلطة».
واعتبرت الوكالة أن «الهيمنة الكبيرة على أجهزة الدولة قد تكون إيذانا بعهد يكون فيه للحرس، نفوذ أكبر على الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية». وأضافت «ضَمن حلفاء خامنئي هيمنة المتشددين على الساحة، حيث أبعدوا المعتدلين والمحافظين البارزين ولم يتركوا للناخبين سوى الاختيار بين المتشددين ومحافظين غير معروفين من أنصار خامنئي». وقال مسؤول إيراني للوكالة: «حرفيا لم يعد ذلك سباقا. المتشددون يريدون الرئاسة. سيضع هذا نهاية للاعتدال لمدة عشر سنوات أو أكثر».
ورغم ذلك، رجحت «رویترز» أن يركز الكثير من الناخبين، على قضايا حياتهم اليومية في ظل التراجع الاقتصادي بسبب سياسة الضغوط القصوى، التي يطبقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بهدف إجبار طهران على قبول اتفاق أشمل يتضمن قيودا جديدة على الاتفاق النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي المتمثل بأنشطة «الحرس الثوري».
إقبال باهت على الانتخابات
ويشعر كثير من الإيرانيين بالغضب إزاء التعامل مع احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) ضد زيادة سعر البنزين إلى 300 في المائة والتي تحولت سريعا إلى احتجاجات سياسية تطالب «بتغيير النظام» مما أثار أكثر الاضطرابات دموية في تاريخ النظام. وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن ثلاثة مسؤولين بوزارة الداخلية الإيرانية، أن خامنئي وجه أوامر لإخماد الاحتجاجات ما أدى إلى مقتل 1500 شخص في حملة قمع شارك فيها «الحرس الثوري» وذراعه التعبوية (الباسيج) وقوات الشرطة.
والشعب غاضب كذلك إزاء إسقاط طائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ في يناير (كانون الثاني) مما أسفر عن مقتل 176 شخصا كانوا على متنها أغلبهم إيرانيون. وأقرت طهران، بعد نفيها على مدى أيام، أن «الحرس الثوري» هو المسؤول عن إسقاط الطائرة.
في الأثناء، أظهرت نتائج استطلاع رأي جديد استياء 93 في المائة من سكان العاصمة طهران من سوء الإدارة، وقال 75.8 في المائة إنهم لن يشاركوا في الانتخابات، وأعرب 81.1 في المائة عن عدم رضاهم من أداء حكومة حسن روحاني في السياسية والاقتصاد والمجتمع. وحصلت الحكومة على 2.5 من أصل عشر نقاط لدى سؤال الإيرانيين عن أداء الحكومة الحالية.
وأفادت وكالة «فارس» نقلا عن رئيس مركز الأبحاث الاجتماعية في جامعة طهران، أحمد نادري بأن استطلاع رأي في بداية الشهر الحالي، أظهر أن 24.2 في المائة من سكان العاصمة سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع. وشارك في الاستطلاع ألف شخص من مختلف مناطق طهران (50.1 في المائة نساء و49.9 في المائة)، تراوحت أعمارهم بين 31 إلى 50 عاما.
أما «رويترز»، نقلت عن بعض الهيئات، أنها تتوقع أن تبلغ نسبة الإقبال على الانتخابات نحو 60 في المائة بالمقارنة مع 62 و66 في المائة في انتخابات 2016 و2012 على التوالي. وهناك 58 مليونا من بين سكان إيران البالغ عددهم 83 مليون نسمة يحق لهم التصويت.
وينظر للإقبال على الانتخابات باعتباره استفتاء على المؤسسة الحاكمة، وهو ما ينطوي على خطر محتمل على سلطاتها، في وقت تتجه فيه البلاد لعزلة متزايدة واحتمال نشوب صراع بسبب المواجهة النووية مع الولايات المتحدة وتنامي الاستياء في الداخل.
ونقلت «رويترز» أمس عن مصادر مطلعة أن «المرشحين الموالين لخامنئي يتمتعون بدعم جموع المؤيدين للمؤسسة الحاكمة الذي يتماهون في شتى جوانب حياتهم مع إيران». وقال المسؤول الحكومي: «أنصارهم يؤمنون بالمؤسسة الحاكمة وسيصوتون لأنهم يعتبرون ذلك واجبا دينيا. وسيستفيد المتشددون من ضعف الإقبال». وقال مسؤول متشدد إن «إيران ليست مجرد طهران أو مدن رئيسية أخرى تحرك الدوافع السياسية ناخبيها. في المدن والبلدات الصغيرة وفي الريف بشكل عام سيقبل الناس على التصويت».
ومن ناحية أخرى، أفادت «رويترز» بأن الناخبين الموالين للإصلاحيين يشعرون بالاستياء من الفوضى التي تسود معسكرهم، وفشل روحاني في الوفاء بوعوده الانتخابية. وقال مسؤول إصلاحي سابق في هذا الصدد: «الكثير من الإيرانيين (الذين صوتوا لروحاني) فقدوا الأمل في الإصلاح... فقدوا ثقتهم في الحركة الإصلاحية ويريدون التغيير ولا شيء غير التغيير».
ويمكن لبرلمان يهيمن عليه المتشددون أن يمارس ضغوطا على روحاني، مهندس الاتفاق النووي الذي تعرض لانتقادات من حلفاء خامنئي بسبب أدائه في السلطة.
وينقسم المحافظون إلى قائمتين وفيما يتصدر عمدة طهران محمد باقر قاليباف والقيادي السابق بـ«الحرس الثوري» قائمة المحافظين في طهران، أعلنت جبهة «بايداري» أو الصمود المتشددة (حلفاء محمود أحمدي نجاد سابقا) قائمة مختلفة عن المحافظين بسبب رفضها قاليباف.
وكان قاليباف عمدة طهران لفترة 12 عاما وترشح للانتخابات الرئاسية مرتين. كما أنه يحاول لعب دور السياسي البراغماتي رغم أن برقية دبلوماسية أميركية مسربة عام 2008 أشارت إلى أنه استفاد من الدعم القوي من مجتبى ابن خامنئي.
وكان انتخاب أحمدي نجاد لفترة ولاية ثانية في 2009 قد أثار احتجاجات استمرت شهورا بشأن مزاعم بتزوير الانتخابات. وليس للانتخابات البرلمانية أثر يذكر على السياسة الخارجية لإيران أو سياساتها النووية التي يرسمها خامنئي، ومنذ 2009 جرى حل أو حظر الأحزاب الإصلاحية الرئيسية، قبل العودة التدريجية بعد وصول روحاني إلى الرئاسة في 2013، لكن الانتخابات تظهر تحولات في توازن القوى بين الفصائل في النظام السياسي الإيراني الذي يجمع بين حكم رجال الدين والنظام الجمهوري.
ورفض مجلس صيانة الدستور ترشح 6850 شخصا من بين 14000 ما بين معتدلين ومحافظين لخوض الانتخابات. ورفض كذلك طلبات ترشيح من ثلث أعضاء البرلمان الحاليين.
وأيد خامنئي، قرار المجلس قائلا إنه لا مكان في البرلمان «لأولئك الذين يخشون توجيه انتقاد علني لعدو أجنبي». وقال رئيس المجلس أحمد جنتي: «قمنا بما يفترض أن نقوم به، والآن عليكم أن تقوموا بدوركم (التصويت)».
وانتقد الكثير من الساسة، منهم روحاني، بشدة رفض طلبات نصف الطامحين للترشح، لكن روحاني تراجع بشكل لافت عن انتقاداته أول من أمس.
انتقادات لتناقضات روحاني
وانتقدت صحيفة «همدلي» الإصلاحية تصريحات روحاني في المؤتمر الصحافي (الأحد) وقالت في افتتاحيتها أمس إن «المؤتمر الصحافي أظهر أن الممارسة السياسية ليست على المستويات المتوسطة وما دون، بل حتى بين مستوى الزعماء تواجه موانع وهو ما تسبب في تراجع أهمية الشفافية».
وأشارت الصحيفة إلى تناقض روحاني عندما قال إنه طرح الاستقالة من الحكومة مع خامنئي، وذلك بعد دقائق قليلة من قوله إنه لم يكن يفكر بالاستقالة على الإطلاق.
وذكّرت صحيفة «فرهيختغان» المحافظة بمواقف روحاني أثناء حملة الانتخابات الرئاسية 2017 أن «سلوك روحاني هذه الأيام قد يكون أكثر شدة من تصرفاته السياسية في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2017 في تخطي الخطوط الحمراء قبل التراجع للوراء بكل ما يملك من قوة». وخلصت إلى أن «التطرف لم ينته بالانحراف فإنه ينتهي بالانفعال» متهمة إدارة روحاني ووسائل الإعلام المؤيدة له باتباع هذا النهج.
أما في افتتاحية صحيفة «جهان» التي جاءت تحت عنوان «لماذا الرأي العام لا يهم روحاني؟»، فقد أشار الكاتب الإصلاحي صادق زيبا كلام إلى توقيت المؤتمر بعد أحداث شهدتها إيران. وقال إن روحاني «لم يكن لديه كلام جديد فحسب، بل لم يبذل جهدا في اتخاذ سلوك يتناسب مع مشاعر الناس»، منتقدا ضحكاته المتكررة أثناء الرد على أسئلة حول الطائرة الأوكرانية التي أسقطت بصاروخ «الحرس الثوري».
ودافع زيبا كلام عن ثقته بصحة ما يتردد عن انهيار شعبية روحاني وقال في حال إعادة الانتخابات الرئاسية فإنه لا يخسر 24 مليون صوت فحسب، بل لا يحصل على 240 ألف صوت. وقال: «القضية تتعقد عندما لا يمكن القبول بأنه لا يعرف بهذه الأوضاع».