الحضارة المصرية القديمة تنبعث مجدداً في «أشجار وأرواح»

التشكيلي صلاح المليجي يقدم 50 عملاً فنياً

تشكل الأشجار جزءاً من تراث مصر البيئي والحضاري
تشكل الأشجار جزءاً من تراث مصر البيئي والحضاري
TT

الحضارة المصرية القديمة تنبعث مجدداً في «أشجار وأرواح»

تشكل الأشجار جزءاً من تراث مصر البيئي والحضاري
تشكل الأشجار جزءاً من تراث مصر البيئي والحضاري

الرموز البيئية المستخدمة في الأعمال التشكيلية المعاصرة تعد انعكاساً لمدى تفاعل المجتمع مع التراث الثقافي وبيئته، ويأتي معرض التشكيلي المصري صلاح المليجي المقام الآن بغاليري «ضي»، الذي اختتم أعماله اليوم (الأحد)، تحت عنوان «أشجار وأرواح» ليلقي الضوء على اعتزاز الفنان المصري ببيئته وموطن رأسه واحتفائه بتجسيدها في تجربة مفعمة بالمشاعر والحنين المتجدد.
ولا يكتفي صاحب المعرض بتقديم الأشجار وأوراقها ولحائها كجزء من الطبيعة وإنما كروح ورمز للحضارة المصرية القديمة، وإذا كان من المعروف عن المليجي ولعه بالبحر واحتفائه باللون الأزرق تأثراً بميلاده ونشأته في مدينة السويس الساحلية، فإنه أيضاً تأثر كثيراً بزياراته المتكررة في طفولته لمركز «العياط» جنوب محافظة الجيزة، حيث الزخم الأثري والتاريخ القديم، و«منبع لا ينضب من الإلهام» على حد تعبير الفنان.
ويحدد المليجي مواطن تأثره في معرضه الجديد في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، ويقول: «في العطلات الصيفية كنت أذهب إلى منطقة العياط؛ لزيارة الأقارب، وهناك تقع قرية اللشت الأثرية عاصمة مصر الفرعونية في الدولة الوسطى، التي تحوي في جوفها تاريخاً ما زال غامضاً وملهماً؛ لأن معظم أسراره وكنوزه الأثرية ما زالت مدفونة تحت الأرض بهذه المنطقة التي كانت تسمى في العصر الفرعوني (اثت تاوي) بمعنى القابضة على الأرضيين» ويصفها أثريون بـ«المنطقة البكر»، التي لم يقترب منها أي أثري منذ ما يقرب من قرن.
ويتابع: «وأثناء زيارتي لهذه المنطقة المتفردة كنت أسمع أساطير وحكايات من أهلها التي توارثوها عبر العصور، إضافة إلى قراءاتي وأبحاثي عنها حيث أثارت إقامتي فيها لأوقات طويلة اهتمامي بالحضارة القديمة، وما يرتبط بها من حكايات وأساطير، ما ألهمني بدوره شغفي بكثير من العناصر والمفردات البيئية، ومنها الأشجار» ويوضح: «تشكل الأشجار جزءاً من تراث مصر البيئي، والحضاري، على سبيل المثال ارتبطت شجرة الجميز في الفكر المصري القديم الخاص بنشأة الكون، وقد ارتبطت حتحور رمز الحب والموسيقى والجمال بشجرة الجميز التي أطلقوا عليها اسم (الأم السماوية)، وهكذا أنواع أخرى من الأشجار، لكل منها مكانتها الخاصة عند المصريين».
هذه الخصوصية التي استلهمها المليجي من أجداده شكلت رؤيته تجاهها وصاغت تناوله الفني المغاير لها، فمثلما قدم لنا البحر في معارضه السابقة مكاناً هادئاً بعيداً عن صخب موجاته وغدرها في «النوات الشتوية» قدم لنا أيضاً طرحاً ناعماً للأشجار بعيداً، عن صلابتها وقوتها في مقاومة الزمن؛ لتتوافق مع روح المتلقي وأحاسيسه المتطلعة إلى الجمال والخير والصفو، وكأنها تحتويه بحنانها وبامتدادها ورمزيتها كإرث بيئي يعود إلى آلاف السنين.
ولعل ذلك يكون سبب حضور اللون الأزرق بقوة في بالتة ألوانه؛ فإلى جانب ولعه بهذا اللون المستلهم من البحر حيث نشأ، أراد المليجي أن يدخل المتلقي في حالة وجدانية مشبعة بالهدوء النفسي والصفاء، لا سيما في الحضور اللافت كذلك للون قرص الشمس في أشجاره، وهو حضور استلهمه من الحضارة الفرعونية حيث ولد قرص الشمس من قلب زهرة اللوتس بحسب أسطورة الأشمونيين.
ولا تلتقي في المعرض الذي يضم نحو 50 عملاً أبدعها الفنان بالإكليرك والأحبار بـ«أرواح الأشجار»، وحدها إنما تنتظرك أيضاً أعمال مختلفة مستلهمة من أرواح استلهمها المليجي من أساطير مصرية قديمة تروي جوانب أخرى عن الحضارة المصرية، ومنها أعماله عن إيزادورا الجميلة أو «شهيدة الحب» كما تعرف عند المصريين، والتي يقال إنها انتحرت أو سقطت في النيل حزناً أثناء تفكيرها في معشوقها الضابط المصري «حابي»، بعد أن رفض والدها حاكم المنطقة المعروفة الآن باسم المنيا تزويجها له، فحزن أبوها ورثاها في مرثية شعرية كتبت باليونانية على جدران مقبرتها، حيث تحولت إلى مزار سياحي ولا تزال تلهم المبدعين»، يقول المليجي: «تأثرت كثيراً بقصة هذه الفتاة وعندما زرت مقبرتها شعرت أن روحها تحلق في المكان وتناديني لتجسيدها».
ومن الأعمال المستلهمة من الحضارة المصرية إلى الأعمال المأخوذة عن جبال مصر وصحرائها وطينها، حيث تلتقي في معرضه بمجموعة لوحات تجريدية يسيطر عليها اللون البني في رمز إلى البيئة المصرية والأفريقية، فمن المعروف أن للون البني مكانة مميزة في رحلة صلاح المليجي، الذي عاد إليه مجدداً عبر مجموعة من الأعمال تتسم بالتلخيص والتبسيط. لتزيد المعرض ثراءً وتنوعاً وتعكس بحثه المستمر في التراث الحضاري بكافة مناحيه.
الفنان صلاح المليجي، هو أستاذ الغرافيك بكلية الفنون الجميلة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق، شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية وأقام نحو أربعة عشر معرضاً خاصاً، نال خلالها عدداً من الجوائز المحلية والدولية، منها الجائزة الأولى رسم صالون الشباب الثاني، وجائزة ترينالي الغرافيك المصري عام 1997. وجائزة الرسم في صالون الخريف دورتين، والجائزة البرونزية الدولية في بينالي الغرافيك الدولي لحفر الجاف بصربيا ومونتنيغرو عام 2001.



لأول مرة... عرض كسوة الكعبة بكاملها خارج مكة المكرمة

كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
TT

لأول مرة... عرض كسوة الكعبة بكاملها خارج مكة المكرمة

كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)
كسوة الكعبة المشرفة (مؤسسة بينالي الدرعية)

ضمن عدد هائل من المقتنيات التاريخية والقطع المستعارة من مؤسسات عربية ودولية ينفرد بينالي الفنون الإسلامية 2025 المقرر افتتاحه في 25 يناير (كانون الثاني) الحالي بعرض كسوة الكعبة المشرفة بالكامل، وهي المرة الأولى التي تشاهد فيها الكسوة خارج مكة المكرمة.

ويأتي عرض الكسوة في الدورة الثانية من البينالي بالتزامن مع الذكرى المئوية الأولى (حسب التقويم الهجري) لإنشاء مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة في السعودية، والذي ينال شرف صناعة الكسوة منذ عام 1346 هـ (1927 م).

جدير بالذكر أن الكسوة التي سيتم عرضها في البينالي غطّت الكعبة المشرّفة طوال العام الهجري الماضي ولم يسبق أن عُرضت بشكلها الكامل في أيّ محفل أو معرض من أي نوع.

قاعات عرض بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة (مؤسسة بينالي الدرعية)

ويمثل عرض الكسوة سابقة أولى يسجلها البينالي ضمن جهوده المعرفية التي تُضيء الجوانب المرتبطة بالفنون الإسلامية والنقوش والزخارف الفريدة، والتي تتجلّى في الكسوة الشريفة بوصفها واحدة من أسمى الإنتاجات الإبداعية التي بلغها الفن الإسلامي.

وسيقدم البينالي من خلال عرض كسوة الكعبة المشرفة تعريفاً بالكسوة، وتطورها عبر التاريخ، وما يرتبط بها من فنون ونقوش ومهارات حِرفية ومعارف، وذلك بأسلوب عرضٍ مميز، يتيح للزوار التعرّف على التفاصيل الدقيقة في حياكتها، وتطريزها بخيوطٍ من الحرير والذهب والفضة. وستتم إعادة الكسوة إلى رعاية مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بعد اختتام فعاليات البينالي.

وتهدف مؤسسة بينالي الدرعية من خلال عرض الكسوة إلى ترسيخ الاعتزاز بالإرث الثقافي الإسلامي، وخلق فرصة استثنائية تسمح لعامة الجمهور بالتعرف عن قرب على أحد أهم مظاهر الفن الإسلامي عبر التاريخ، وتقديم فهمٍ أعمق للحرفية العالية في صناعة كسوة الكعبة المشرفة، مع ما يتضمنه ذلك من تأكيد على مركزية المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وتوفيرها لكل الإمكانات والمهارات والحرفيين البارعين لصناعة الكسوة من خلال مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة.

صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة مكان إقامة فعاليات بينالي الفنون الإسلامية في دورته الثانية (مؤسسة بينالي الدرعية)

و إلى جانب كسوة الكعبة المشرفة سيعرض البينالي مجموعةً واسعة من التحف التاريخية الإسلامية وأعمال الفن المعاصر، بهدف دفع زواره إلى التأمل في ثراء الحضارة الإسلامية وفنونها الإبداعية، وذلك امتداداً لما قدمه البينالي في نسخته الأولى التي أُقيمت في عام 2023م تحت عنوان «أول بيت»، وحققت نجاحاتٍ كبيرةٍ جعلت منه ثاني أكثر بينالي زيارة في العالم، بحضورٍ وصلَ إلى أكثر من 600 ألف زائر تعرفوا على الإرث الثقافي للفنون الإسلامية.