مختبر ينتج غدد كوكتيل سموم الأفاعي

لتطوير أمصال مضادة سريعة للدغات القاتلة

مختبر ينتج غدد كوكتيل سموم الأفاعي
TT

مختبر ينتج غدد كوكتيل سموم الأفاعي

مختبر ينتج غدد كوكتيل سموم الأفاعي

تعتبر الغدد السميّة التي تمتلكها الأفاعي من أقوى أسلحة الطبيعة. واليوم، أصبح هانس كليفرز قادراً على صناعتها في مختبره، عبر إنتاج هذه الغدد الصغيرة بكميات كبيرة لإفراز كوكتيل السموم نفسه الموجود لدى الأفاعي الحقيقية. وعندما سألته من أين أتى بهذه الفكرة، ضحك وأجاب: «هذا ما سألته لطلّابي في صفّ الدكتوراه».
- إنتاج أعضاء حية
قبل عشر سنوات، لاحظ كليفرز أنّ الخلايا الجذعية المستأصلة من أمعاء الفئران قادرة على إنتاج نماذج مصغّرة من الأعضاء الكاملة إذا ما تمّ غسلها بالمواد الكيميائية الصحيحة. هذه الكتل الصغيرة (بحجم حبّة العدس) هي عبارة عن نسخ مصغّرة عن الأعضاء، وتحمل الكثير من الميزات المهمّة الموجودة فيها، من شكلها الهندسي إلى الجينات التي تشغّلها. منذ ذلك الوقت، عملت مختبرات كثيرة على إنتاج نسخ من الأعضاء المصغّرة للأمعاء، وشبكية العين، والرئة، والكبد، والكلى، وحتّى الدماغ. ولكنّها غالباً ما كانت تبدأ من خلايا الفئران أو البشر.
ولكنّ ثلاثة من طلّاب كليفرز تساءلوا ما إذا كانوا يستطيعون صناعة أعضاء مصغّرة كهذه من مخلوقات حيّة أخرى. وفي حال نجحوا في ذلك، ما هو العضو غير المتوقّع الذي قد يستطيعون إنتاجه؟ سارع الطلاب الثلاثة إلى الاتفاق على تنمية الغدد السمية الموجودة لدى الأفاعي، فتواصلوا مع أحد المربين مختصّ واشتروا منه بيضة أفعى من نوع «كيب كورال» التي تشبه الكوبرا وتعيش في جنوب أفريقيا. بعدها، استأصلوا الغدد السمية من جسم الجنين، وانتزعوا الخلايا منها، وطبّقوا عليها بروتوكولات صناعة الأعضاء المصغّرة نفسها التي يستخدمونها عادة. ولكنّ التغيير الوحيد الذي قام به الطلّاب كان تنمية الأعضاء المصغّرة هذه في درجات حرارة أقلّ من الطبيعية، أي 36.6 درجة مئوية (98 درجة فهرنهايت)، لأنّ أجساد الزواحف تحتاج إلى أجواء باردة للنمو، على عكس الثديّات.
- غدد السمّ
واليوم، نجح فريق كليفرز بإنتاج غدد سميّة في المختبر قادرة على إنتاج الكوكتيل الكيميائي نفسه الذي تنتجه غدد الأفعى. بعدها، عمل الفريق على تنمية أعضاء مصغّرة من ثمانية أنواع أفاع مختلفة، وجميعها مصدرها بيض اشتروه من مربّين أو من حدائق حيوانات.
تبدو الأعضاء المصغّرة المنتجة كبالونات بيضاء بقطر مليمتر واحد. ومع نموّها، تمتلئ بالسمّ، فيحصده فريق الباحثين. يتألف سمّ الأفعى الحقيقي من عشرات البروتينات، معظمها غير سام، ولكنّه يصبح كذلك بعد تعديله بفعل أنزيمات موجودة في الغدد.
واكتشف الفريق أنّ سمّ الغدد المصغّرة قريب جدّاً من السمّ الحقيقي، حيث إنه يتألّف من البروتينات الصحيحة نفسها، التي يبدو وكأنّها تعدّلت بالطريقة نفسها أيضاً.
في تجارب سابقة، وكان باحثون آخرون نجحوا في حفظ قطع من نسيج غدد الأفاعي السمية، ولكنّها لم تعِش لمدّة طويلة. أمّا الغدد المصغّرة المصنّعة في المختبر، فتتّسم بالثّبات ويمكن إنتاجها بالملايين.
- فوائد علاجية
قد تكون فكرة تنمية أحد المختبرات لسمّ الأفاعي بكميات كبيرة منفرة بعض الشيء، ولكنّ هذه الغدد المصغّرة قد تحمل فوائد كثيرة. تُعتبر لدغات الأفاعي، التي تقتل بين 81 ألف شخص و138 ألف شخص سنوياً، الأزمة الصحية الخفيّة الأكبر في العالم، لأنّ مصير المصاب غالباً ما يكون الموت أو العيش مع إعاقة دائمة. تواجه الأبحاث العلمية التي تركز على سمّ الأفعى نقصاً في التمويل بسبب صعوبتها، حيث إن السمّ المستخدم يجب أنّ «يُحلب» من أفاعي حيّة في عملية خطرة جداً وشاقّة. علاوة على ذلك، توجد الآلاف من أنواع الأفاعي السامّة، الكثير منها نادر ويصعب جمعه.
وإذا نجح كليفرز وفريقه بصناعة غدد سميّة من أنواع كافية، ستنتفي الحاجة إلى هذا العمل الشاق. كما ستتوفّر للباحثين مخزونات جاهزة من الغدد والسمّ، وبذلك، سيتمكّنون من دراسة جوانب كثيرة بسهولة تامّة، أبرزها إنتاج السمّ ومتغيّراته بين مختلف الأنواع، وتأثير هذه المتغيّرات على خطورة اللدغة وفاعلية المصل المضاد لها.
يعمل كليفرز وزملاؤه اليوم على إنشاء مكتبة تحتوي على غدد سميّة مصغّرة من نحو 50 نوعا من الأفاعي. ويدّعي كليفرز أنّه وفريقه قادرون على «إنتاجها وإرسالها حول العالم، ليحصل الجميع على فرصة إجراء الأبحاث التي يريدونها».
يعتبر مصل السمّ العلاج الوحيد المعتمد والمثبت للدغات الأفاعي. ولصناعة المصل، يعتمد الخبراء تقنية واحدة لم تتغيّر منذ عقود، ترتكز على جمع السمّ من الأفاعي الحيّة، وحقنه في الأحصنة، وحصاد الأجسام المضادّة التي ينتجها الحيوان. ولكنّ الغدد المصغّرة تقدّم مقاربة أكثر حداثة: يستطيع العلماء استخدام هذه الغدد الصغيرة لإنتاج سموم محدّدة، ومن ثمّ فحص الجزيئات التي تبطل مفعول هذه السموم. يقول نيكولاس كيسويل، من مدرسة ليفربول لطب المناطق الحارة، والذي شارك كليفرز في العمل على هذا المشروع: «صحيح أن المكاسب المنتظرة من هذه التقنية لضحايا لدغات الأفاعي لا تزال على بعد سنوات من اليوم، ولكنّ هذه الغدد السميّة المصغّرة ستزوّدنا بأداة فعّالة جديدة للتقدّم بدراسات لدغات الأفاعي نحو تحقيق هذا الهدف».
- تطويرات جديدة
ويأتي هذا البحث في وسط أزمة حقيقية يعاني منها العالم في توفّر مصل سمّ الأفاعي. فقد تخلّت شركات صناعة الأدوية عن مساهمتها في هذه السوق، وتراجع إنتاج المصل إلى النصف، وارتفعت تكلفة صناعته، فضلاً عن أنّ تراخي المعايير التنظيمية لهذه الصناعة يعني أن الكثير من المنتجات غير فعالة وغير آمنة.
تساهم الغدد السمية المصغّرة في حلّ بعض هذه التحديات من خلال توفير فرصة لصناعة مصل دون الحاجة إلى حلب الأفاعي الحيّة. من جهتها، ترى أنيتا مالهورتا من جامعة بانغور، أهمية كبيرة في مقارنة تكلفة إنتاج السمّ بواسطة هذا النظام بتكلفة شرائه محلوباً من الأفاعي الحيّة، لا سيما أن سعر المصل يشكّل عقبة أمام توسيع استخدامه في دول كالهند ونيجيريا تعتبر فيها لدغات الأفاعي مشكلة خطيرة.
وكشف كارتيك سوناغار، من المعهد الهندي للعلوم، أنّ الأفاعي التي تنتمي إلى الأنواع نفسها قادرة على إنتاج خلطات مختلفة من السمّ بحسب المكان الذي توجد فيه. يرتّب هذا الأمر مشكلة حقيقية على اعتبار أنّ المصل المستخدم في الهند يُصنع من أفاع تُجمع من منطقة واحدة في البلاد، وقد يكون غير قادر على إبطال مفعول اللدغات التي تحصل في مناطق بعيدة. وشدّد سوناغار على أنّ هذه التقنية ستغيّر قواعد اللعبة في حال نجح الباحثون في صناعة غدد مصغّرة من أنواع أفاع توجد في مناطق متباعدة جغرافياً، وخاصّة إذا أثبتت هذه المقاربة فاعلية أكبر على صعيد الكلفة من إنشاء مراكز إقليمية لجمع السمّ.
في الوقت الحالي، يعتزم كليفرز وطلّابه تجربة إنتاج أعضاء مصغّرة من حيوانات أخرى. وكشفوا أنّهم سيحاولون تنمية غدد دموع التماسيح التي قد تلعب دور الكلى المنتجة للملح، وقد تنطوي على بعض المكاسب الهامّة. وبناء على اقتراح زميل صيني، يرغب الفريق البحثي في تجربة الغدد اللعابية لطائر يستخدم لعابه في تمتين عشّه، الذي يُستخدم بدوره في إعداد «حساء عشّ الطير»، أحد أغلى الأطباق الحيوانية في العالم.

- «ذا أتلانتك أونلاين»،
خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

صحتك تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا (د.ب.أ)

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا وغيرهما من الفيروسات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات (رويترز)

كيف تتخطين «اكتئاب ما بعد الولادة»؟

يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات، وقد تستمر معهن لأشهر طويلة، وتتطور لدى بعضهن إلى حد التفكير في الانتحار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف

كشفت دراسة جديدة أن أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ينصح الخبراء بأن حتى المشي السريع يعمل على تعزيز الدورة الدموية ودعم الطاقة بشكل أفضل خلال الشتاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نصائح لتجنب الشعور بالتعب والإرهاق وسط برودة الطقس

ينصح خبراء التغذية بنصائح عدة لزيادة النشاط وتجنب التعب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

لتطوير علاجات مضادة للهرم

د. أنتوني كوماروف (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
TT

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)

يحتل الذكاء الاصطناعي حالياً مكانة بارزة في النقاشات العالمية؛ حيث يتم استكشاف مدى اعتماده وتأثيره الواسع على المنظمات والأعمال والمجتمع. ووفق تقرير صادر عن شركة «آي بي إم»، بلغ معدل تبني الذكاء الاصطناعي عالمياً 35 في المائة عام 2022، مسجلاً بذلك زيادة ملحوظة بمقدار 4 نقاط عن العام السابق.

تخلف الدول النامية

ورغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات الصحية، وتعزيز التعليم، ودعم أنظمة الطاقة، ورفع كفاءة الحوكمة، فإن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تزال تعاني من نقص الأبحاث والتطبيقات المتاحة في هذا المجال.

وفي هذا السياق، سعى باحثون من الولايات المتحدة واليابان إلى وضع استراتيجيات تتيح لهذه الدول دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة والحوكمة، مؤكدين أهمية تقليص الفجوة الرقمية لضمان وصول فوائد الذكاء الاصطناعي للجميع.

وأشار الباحثون، في دراستهم المنشورة بعدد 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بدورية «Humanities and Social Sciences Communications» إلى العقبات الأساسية التي تواجه البلدان ذات الدخل المنخفض في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، التي تشمل محدودية الوصول إلى التكنولوجيا، وضعف البنية التحتية، وقلة الكوادر المتخصصة، مشددين على أن هذه التحديات تعيق قدرة هذه الدول على توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية لدعم التنمية المستدامة، ما يستدعي استراتيجيات تكاملية لمعالجة هذه الثغرات وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

يقول الدكتور محمد سالار خان، أستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، إن المضي قدماً في مجال الذكاء الاصطناعي ليس خياراً، بل ضرورة لهذه البلدان. ومن خلال تعزيز البنية الرقمية، وتدريب الكوادر البشرية، وتبني سياسات فعّالة؛ يمكن لهذه الدول الاستفادة من القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة لمواطنيها.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على صانعي السياسات إدراك الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية العادلة، وإعطاء الأولوية للمبادرات التي تدعم دمجه في هذه البلدان، ومن خلال الجهود التعاونية، يمكن للمجتمع الدولي ضمان ألا تتخلف البلدان منخفضة الدخل عن ثورة الذكاء الاصطناعي».

استراتيجيات فعالة

تواجه الدول ذات الدخل المنخفض تحديات فريدة في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يستدعي اقتراح استراتيجيات تتماشى مع احتياجاتها الخاصة. وفقاً لأستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية نهجاً متعدد الجوانب.

ووفق خان، تتمثل إحدى التوصيات الأساسية في تعزيز البحث والتطوير، من خلال دعم الجامعات والمؤسسات المحلية في إجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي الموجهة إلى التحديات المحلية، وإنشاء مراكز ابتكار تركز على تطوير تقنيات مناسبة للصناعات المحلية. كما يُنصح بتوفير التمويل والموارد للشركات الناشئة المحلية المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتشمل التوصيات أيضاً بناء أنظمة ذكاء اصطناعي متكاملة، عبر تطوير استراتيجية وطنية لتعزيز القدرات في هذا المجال، وإنشاء شبكات تعاونية بين الكيانات المحلية والمنظمات الدولية.

ونبه خان إلى ضرورة تشجيع مشاركة القطاع الخاص في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعالج القضايا المحلية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، وتنفيذ مشاريع تجريبية تُظهر التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية

وشدد خان على ضرورة ضمان وصول عادل للتكنولوجيا، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات في هذا المجال، وتعزيز الاستقلال التكنولوجي عبر تطوير تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية.

وأوصى خان بضرورة التعاون مع الدول المتقدمة للحصول على دعم في مجال نقل التكنولوجيا؛ حيث يمكن للبلدان ذات الاقتصاديات المتقدمة والمنظمات الدولية ذات الصلة مثل اليونيسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والبنك الدولي؛ دعم هذه الدول في مساعيها من خلال نقل التكنولوجيا، وتقديم المنح، والمساعدات.

ونصح خان بضرورة تحسين الأطر السياسية من خلال وضع إرشادات تنظيمية واضحة، وإشراك جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار، لضمان وضع المبادئ التوجيهية واللوائح الأخلاقية التي تضمن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وعادل.

ومن خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية، ما يعزز التنمية ويقلل الفجوات الحالية في اعتماد التكنولوجيا، على حد قول خان.