مليون نازح من إدلب وحلب منذ ديسمبر

نازحون سوريون (أ.ف.ب)
نازحون سوريون (أ.ف.ب)
TT

مليون نازح من إدلب وحلب منذ ديسمبر

نازحون سوريون (أ.ف.ب)
نازحون سوريون (أ.ف.ب)

أدّى التصعيد العسكري الأخير الذي أطلقته قوات النظام السوري في إدلب وحلب منذ منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أكبر موجة نزوح على الإطلاق، أجبرت نحو مليون مدني على النزوح من منازلهم في ظل أوضاع إنسانية كارثية نظراً لعدم توافر الحد الأدنى من متطلبات الحياة واكتظاظ مناطق النزوح بالمدنيين الذين آثروا النجاة والفرار من قوات النظام، وكذلك في ظل الطقس السيئ الذي تمر به المنطقة، حسبما ذكر تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وذكر التقرير أن أعداد النازحين من إدلب، منذ بدء الهجوم البري في 24 يناير، ارتفع إلى نحو 380 ألف مدني سوري، في حين ارتفع تعداد النازحين من حلب وإدلب منذ منتصف يناير إلى 575 ألف مدني، في ظل استمرار العمليات العسكرية جوا وبرا، وارتفع العدد الإجمالي منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول)، إلى نحو مليون و5 آلاف نازح من إدلب وحلب.
ارتفاع أعداد النازحين، جاء مع اتساع رقعة النزوح لتشمل مناطق جديدة بعد فتح قوات النظام لجبهات جديدة، كمحاولتها التقدم بريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي وحصارها مناطق عدة كحريتان وعندان وياقد العدس وكفرحمرة وحيان وبالا وبسطرون وكفرداعل وقبتان الجبل ومناطق أخرى هناك، بالإضافة لاستمرار النزوح من الريف الغربي لحلب.
وبحسب مشاهدات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن عدداً كبيراً من النازحين يعيشون في العراء ضمن مناطق ريف إدلب الشمالي عند الحدود السورية مع لواء إسكندرون، وفي مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة «القوات التركية»، والفصائل الموالية لها، وذلك نتيجة تهجيرهم بفعل العمليات العسكرية، في ظل العجز التام من قبل المنظمات الإنسانية عن احتواء ومساعدة الأعداد الهائلة من النازحين، كما أن مئات الآلاف المهجرين من دمشق وحمص وحماة والجنوب السوري وحلب وحماة وإدلب باتوا محصورين ضمن منطقتي سرمدا والدانا، ثاني أكبر تجمع سكني في إدلب بعد إدلب المدينة، حيث يواجه هؤلاء مصيراً مجهولاً بفعل الاتفاقات الروسية - التركية، إذ إن العمليات العسكرية المتصاعدة بريف حلب الغربي الملاصق لتلك المنطقتين قسمت المواطنين بين مَن جمع أشياءه وغادر نحو المجهول، ومن ينتظر التهجير ربما للمرة العاشرة.
وذكر «المرصد» أن «الجميع الآن ينشغل فقط بالبحث عن مكان يأوون إليه هرباً من البرد القارس، وعمليات النظام، ولم يعد أحد يفكر أبداً في ارتفاع أسعار الدولار أو غيرها من الأمور التي كانت تشغلهم في السابق. في واقع الأمر، بفعل الاتفاقات الروسية - التركية وعمليات النظام عسكرياً، أصبح مئات الآلاف من السوريين في انتظار مصير مجهول داخل بقعة جغرافية صغيرة».
ولأن المصائب لا تأتي فرادى؛ ففصل الشتاء الأخير يُعدّ ضيفاً ثقيلاً على مئات الآلاف من النازحين، حيث الأوضاع الكارثية التي يعيشها النازحون باتت هي الأخرى من ضمن العوامل التي تحصد أرواح السوريين.



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».