إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

الرئيس التركي همش الجيش وعاقب الشرطة وسخر من المحاكم

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة
TT

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

على امتداد قرابة 50 فدانا من أراضي الغابات التي كانت يوما ما ضمن الممتلكات الخاصة للأب المؤسس لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك، ظهر الآن مجمع رئاسي جديد يضم قرابة ألف غرفة، ويتميز بنظام أنفاق سرية، وأحدث تقنيات مكافحة التجسس. ويعد هذا المجمع أضخم من البيت الأبيض والكرملين وقصر بكنغهام. أما سعره فيقدر بنحو 350 مليون دولار.
بجانب هذا، تم شراء طائرة رئاسية جديدة عالية التقنية (يقدر سعرها ب-200 مليون دولار)، ناهيك عن المكتب الرئاسي الجديد داخل قصر يطل على مضيق البوسفور يعود للحقبة العثمانية أعيد ترميمه - جميع ما سبق تم الاستحواذ عليه لخدمة الطموحات الكبرى لرجل واحد: الرئيس رجب طيب إردوغان.
المعروف أن إردوغان وصل للسلطة منذ أكثر من عقد، وهو سياسي إسلامي ورئيس وزراء غالبا ما جرت الإشادة به داخل العالم المسلم باعتباره نموذجا يحتذى به لنجاحه في التوفيق بين إيمانه الديني والديمقراطية. بيد أن إردوغان هذه الأيام تحول لنموذج مختلف للغاية، أقرب ما يكون إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. يبدو أنه بغض النظر عن المنصب الذي يتقلده، يبقى إردوغان القائد الأول للبلاد.
في تركيا، يعد الرئيس، من الناحية الفنية، في مرتبة ثانية بعد رئيس الوزراء. إلا أنه عمليا، عندما انتخب إردوغان رئيسا في أغسطس (آب)، استحوذ على سلطات ومميزات منصب رئيس الوزراء وضمها لمنصبه الجديد. ومثل بوتين، الذي تنقل أيضا بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، كلما زادت قوة إردوغان، تنامى توتر علاقات بلاده بالولايات المتحدة.
من جهته، أعرب ستيفن كوك، خبير الشؤون التركية وزميل مجلس العلاقات الخارجية، عن اعتقاده فيما يخص إردوغان: «إنه يمارس في واقع الأمر مهام المنصبين بصور متعددة».
في بداية العام، لم يكن أي من هذا مؤكدا. حينذاك، كان إردوغان لا يزال يترنح من تداعيات المظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة التي اندلعت في صيف 2013، بجانب مواجهته فضيحة فساد كبرى استهدفته هو والحاشية المقربة منه، مما دفع كثيرا من المحللين لتوقع قرب انهيار حكومته.
بدلا من ذلك، استغل إردوغان صراعه مع واشنطن وخصومه السياسيين كأداة لتعزيز سلطته، مع استمراره في الاضطلاع بمهام رئيس الوزراء. ونجح في حشد القاعدة المحافظة المؤيدة له خلف أجندته المفعمة بالروح الدينية. ودخل إردوغان في صدام مع السياسة الأميركية لدخولها في مواجهة مع مسلحي «داعش»، بينما ألقى اللوم على التدخل الأجنبي عن سلسلة الأزمات المتنامية التي يواجهها، ومع تفاقم التحديات أمام تركيا، ما بين القتال على حدودها مع سوريا، وتوتر علاقاتها مع حلفائها في «الناتو»، والضغوط التي يتعرض لها اقتصادها، تزايدت قوة وسلطة إردوغان.
خلال خطاب ألقاه مؤخرا، طرح إردوغان تقييما لاقى استحسان قاعدة مؤيديه من المسلمين السنة المتدينين - ويرد أيضا على لسان مسلحي «داعش» حول أن أزمة الشرق الأوسط تنبع مما فعله البريطانيون والفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى، والحدود التي تم ترسيمها بين العراق وسوريا في ظل اتفاقية «سايكس - بيكو». وفي إشارة للاتفاقية ذاتها، قال إردوغان: «كل صراع داخل المنطقة جرى التخطيط له منذ عقد مضى». ولمح إلى أن مخططا جديدا يجري تدبيره الآن، وأن «الصحافيين ورجال الدين والكتاب والإرهابيين» هم التجسيد الجمعي لتي إي لورانس، الدبلوماسي والجاسوس البريطاني الذي تم تخليده في فليم «لورانس العرب».
وأضاف: «واجبنا أن نشرح للعالم (اللورانسات) الجدد الذين خدعهم تنظيم إرهابي»، من دون أن يصرح بمن المقصود من وراء ذلك.
المعروف أن أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية السابق، هو رئيس الوزراء التركي الحالي. ومع ذلك، فإن الاتصالات الهاتفية مع الرئيس باراك أوباما تتم مع إردوغان، حيث يجري مناقشة الدور التركي في محاربة «داعش»، بينما يضطر البيت الأبيض لتذكير الدبلوماسيين الأميركيين بإشراك داود أوغلو في المناقشات بين البلدين.
يذكر أن الرفض التركي المستمر للسماح لواشنطن باستخدام قواعدها لشن هجمات جوية ضد قوات «داعش» في سوريا والعراق - وإصرار أنقرة على ضرورة استهداف التحالف لنظام بشار الأسد في سوريا - أزاح الستار عن صدوع عميقة في العلاقات بين الجانبين، مما دفع محللين للتشكك في إمكانية الاعتماد على تركيا كحليف.
الملاحظ أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن متوترة منذ أمد بعيد. عام 2003، رفضت تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها في غزو العراق. وفي عام 2010، أثار الأتراك غضب واشنطن بتصويتهم ضد فرض الأمم المتحدة عقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي وبتعاونهم مع البرازيل في التوسط في جهود التوصل لاتفاق مع إيران.
جدير بالذكر أنه في وقت مبكر من مشواره السياسي، عندما كان عمدة إسطنبول، تعرض إردوغان للسجن بسبب قصيدة إسلامية ألقاها في العلن. وخلال السنوات الأولى من توليه رئاسة الوزراء، وبينما كانت المؤسسة العسكرية التركية لا تزال تضطلع بحماية النظام العلماني بالبلاد، حرص إردوغان على عدم الكشف عن رغبته في لعب الدين دورا أكبر في الحياة العامة، وذلك في وقت كان يعمل فيه جاهدا على نيل عضوية الاتحاد الأوروبي لبلاده، وهي مساع تجمدت الآن.
أما في السنوات الأخيرة، ومع ترويض المؤسسة العسكرية عبر سلسلة من المحاكمات، تحول إردوغان علانية لزعيم إسلامي. وفي أعقاب انتفاضات «الربيع العربي»، سعت أنقرة للقيام بدور أكبر في صياغة الشؤون الإقليمية، مع دعمها للحركات الإسلامية، مثل «الإخوان المسلمين» الذين وصلوا للسلطة في مصر عبر الانتخابات، ثم أطيح بهم، مما شكل صفعة مؤلمة للطموحات التركية.
ونجح إردوغان في تعزيز سلطته عبر سبل بينها التخلص من الآلاف من ضباط الشرطة والمحققين والقضاة الذين اعتقد أنهم وراء تحقيقات الفساد المرتبطة به. واتهم إردوغان هؤلاء المسؤولين بكونهم من أتباع فتح الله كولن، الواعظ المسلم الذي يعيش بمنفى اختياري في بنسلفانيا وكان ذات يوم حليفا مهما لإردوغان. وكان من شأن انتصار إردوغان على كولن في الصراع على السلطة اختفاء صوت إسلامي معتدل يميل للغرب من داخل دوائر النخبة التركية الحاكمة، رغم اعتقاد كثير من الخبراء بأن أتباع كولن لهم تأثير سلبي داخل الشرطة والقضاء.
من جهته، قال روسين غوكين، خبير الحركات الإسلامية الذي يعيش في إسطنبول: «بالنسبة لطيب إردوغان، مثلما الحال مع الإخوان المسلمين والحركات المسلمة بكل مكان، تنبع مشكلات العالم المسلم من الغرب». واستطرد بأنه بالنسبة لكولن فإن «مشكلات العالم المسلم بسبب المسلمين أنفسهم». وتجلى هذا التحول بعيدا عن الغرب في الجدال المستمر حول دور تركيا في محاربة «داعش».
وقال سوات كينيكليوغلو، عضو المجلس التشريعي السابق عن حزب إردوغان والذي تحول لأحد منتقديه الآن، إن الخطاب الذي أشار إردوغان خلاله إلى «سايكس - بيكو» يكشف «مدى كراهية إردوغان للقوى الغربية العاملة بالمنطقة».
وقال عمر تاسبينار، خبير الشؤون التركية بمعهد بروكنغز: إن «خطاب لورانس العرب كان جزءا من هذا الأمر - إظهار كيف أن حدود الشرق الأوسط جرى ترسيمها على يد قوى إمبريالية وكيف أننا نواجه الآن أجندة غربية جديدة».
وتفسر هذه الرؤية المترسخة حول أن مشكلات الشرق الأوسط نابعة من تصرفات الغرب على امتداد القرن الماضي - إضافة إلى التضارب في صفوف الأتراك من المحافظين الدينيين الذين يشكلون لب ناخبي إردوغان، حول الانضمام إلى الغرب، وفيما يتعلق بالقتال ضد السنة (داعش)، تردد إردوغان إزاء الاضطلاع بدور أقوى في التحالف العسكري بقيادة واشنطن.
الملاحظ أنه جرى نشر مقال ظهر مؤخرا في صحيفة «الغارديان» للمفكر الهندي بانكاج ميشرا حول أفول نجم الحضارة الغربية كنموذج أمام العالم النامي، على نطاق واسع داخل تركيا. ولاقت فكرة المقال حول الانحسار الغربي قبولا هنا، رغم ما تضمنه المقال من انتقادات حادة لتركيا، حيث يضع تركيا بين مجموعة من الدول - تضم روسيا في عهد بوتين والهند في ظل رئيس وزرائها الحالي، ناريندرا مودي - باعتبارها جمعت بين التقدم الاقتصادي والانتخابات الديمقراطية والقيادة السلطوية على نحو متزايد.
أما بالنسبة للقصر الجديد لإردوغان، الذي كان مصمما في الأصل لرئيس الوزراء حتى تم انتخاب إردوغان رئيسا وقرر الانتقال إليه، فتحول لرمز يكشف أسلوب حكم إردوغان من وجهة نظر كثير من منتقديه، حيث يوجد القصر، الذي لا يزال البناء فيه مستمرا، على أرض محمية وصدرت أحكام قضائية من محاكم عدة تقضي بعدم قانونية البناء. وفي وقت سابق من هذا العام، تحدى إردوغان المحاكم علانية قائلا: «إذا كنتم تملكون القوة والشجاعة، تعالوا هنا واهدموه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

TT

باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

مناوشات بين رجال الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان في إسلام آباد (أ.ف.ب)
مناوشات بين رجال الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان في إسلام آباد (أ.ف.ب)

أفادت الحكومة الباكستانية بأن متظاهرين مؤيدين لرئيس الوزراء السابق عمران خان، قتلوا 4 من أفراد القوى الأمنية اليوم (الثلاثاء)، خلال مظاهرات في العاصمة إسلام آباد.

وقال وزير الداخلية محسن نقوي في بيان، إن العناصر الأربعة في قوة رينجزر الرديفة «قتلوا في هجوم» شنه متظاهرون في وسط إسلام آباد، بينما قال رئيس الوزراء شهباز شريف، إن «سيارة صدمتهم خلال هجوم» شنه «متظاهرون»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودارت مواجهات في إسلام آباد، اليوم، بين آلاف المتظاهرين المؤيدين لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، وقوات الأمن التي استخدمت القوة لتفريقهم بعدما اخترقوا حواجزها ودخلوا العاصمة في الصباح الباكر، للمطالبة بإطلاق سراح زعيمهم، بحسب ما أفاد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية».

وشاهد المراسلون المتظاهرين من جهة، وعناصر الشرطة والقوات شبه العسكرية من جهة أخرى، وهم يتبادلون قنابل الغاز المسيل للدموع، في حين أطلقت الشرطة باتجاه المتظاهرين الرصاص المطاطي، بينما انقطعت خدمة الإنترنت عن مناطق عدة.

وهاجم متظاهرون مسلّحون بهراوات ومقلاعات عناصر الشرطة في غرب إسلام آباد، على بُعد أقلّ من 10 كيلومترات من الموقع الذي يريدون الوصول إليه، وهو مجمّع مبانٍ حكومية يريدون احتلاله.

أنصار عمران خان خلال مناوشات مع رجال الشرطة الباكستانية في إسلام آباد (أ.ف.ب)

وأفادت السلطات بمقتل شرطي وإصابة 9 آخرين بجروح خطرة، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

وكان آلاف من مناصري خان شاركوا، فجر الثلاثاء، في مسيرات إلى مداخل إسلام آباد، حيث نشرت السلطات منذ الأحد، أكثر من 20 ألفاً من أفراد قوات الأمن لمنعهم من دخول العاصمة.

وفي مطلع الأسبوع، فعّلت السلطات في إسلام آباد لمدة شهرين «المادة 144» التي تحظر أيّ تجمّع يزيد عدد المشاركين فيه على 4 أشخاص.

ولبّى المتظاهرون دعوة أطلقت، الأحد، وانطلقوا من الإقليمين المتاخمين للعاصمة: البنجاب في الشرق وخيبر بختونخوا، معقل حركة إنصاف، حزب خان المعارض، في الغرب.

رجال الشرطة الباكستانية يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق أنصار عمران خان (أ.ف.ب)

واستغرق المتظاهرون أكثر من 48 ساعة للوصول إلى مداخل إسلام آباد، العاصمة الإدارية لخامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وحيث مقار كل المؤسسات السياسية والسجن الذي يقبع فيه خان البالغ 72 عاماً.

وكان محسن نقوي وزير الداخلية زار، ليل الاثنين - الثلاثاء، دي - تشوك، الموقع الذي يريد مناصرو بطل الكريكيت السابق الوصول إليه بقصد احتلاله، وقال: «سيتم اعتقال أولئك الذين يأتون إلى هنا».

ومنذ أن صوت البرلمان على إقصاء خان عن السلطة في عام 2022، يواجه عدداً من التهم بينها الفساد والتحريض على العنف. لكن خان وحزبه ينفيان كل الاتهامات.