إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

الرئيس التركي همش الجيش وعاقب الشرطة وسخر من المحاكم

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة
TT

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

إردوغان يستغل الصراعات لتعزيز سلطته على حساب صلاحيات رئيس الحكومة

على امتداد قرابة 50 فدانا من أراضي الغابات التي كانت يوما ما ضمن الممتلكات الخاصة للأب المؤسس لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك، ظهر الآن مجمع رئاسي جديد يضم قرابة ألف غرفة، ويتميز بنظام أنفاق سرية، وأحدث تقنيات مكافحة التجسس. ويعد هذا المجمع أضخم من البيت الأبيض والكرملين وقصر بكنغهام. أما سعره فيقدر بنحو 350 مليون دولار.
بجانب هذا، تم شراء طائرة رئاسية جديدة عالية التقنية (يقدر سعرها ب-200 مليون دولار)، ناهيك عن المكتب الرئاسي الجديد داخل قصر يطل على مضيق البوسفور يعود للحقبة العثمانية أعيد ترميمه - جميع ما سبق تم الاستحواذ عليه لخدمة الطموحات الكبرى لرجل واحد: الرئيس رجب طيب إردوغان.
المعروف أن إردوغان وصل للسلطة منذ أكثر من عقد، وهو سياسي إسلامي ورئيس وزراء غالبا ما جرت الإشادة به داخل العالم المسلم باعتباره نموذجا يحتذى به لنجاحه في التوفيق بين إيمانه الديني والديمقراطية. بيد أن إردوغان هذه الأيام تحول لنموذج مختلف للغاية، أقرب ما يكون إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. يبدو أنه بغض النظر عن المنصب الذي يتقلده، يبقى إردوغان القائد الأول للبلاد.
في تركيا، يعد الرئيس، من الناحية الفنية، في مرتبة ثانية بعد رئيس الوزراء. إلا أنه عمليا، عندما انتخب إردوغان رئيسا في أغسطس (آب)، استحوذ على سلطات ومميزات منصب رئيس الوزراء وضمها لمنصبه الجديد. ومثل بوتين، الذي تنقل أيضا بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، كلما زادت قوة إردوغان، تنامى توتر علاقات بلاده بالولايات المتحدة.
من جهته، أعرب ستيفن كوك، خبير الشؤون التركية وزميل مجلس العلاقات الخارجية، عن اعتقاده فيما يخص إردوغان: «إنه يمارس في واقع الأمر مهام المنصبين بصور متعددة».
في بداية العام، لم يكن أي من هذا مؤكدا. حينذاك، كان إردوغان لا يزال يترنح من تداعيات المظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة التي اندلعت في صيف 2013، بجانب مواجهته فضيحة فساد كبرى استهدفته هو والحاشية المقربة منه، مما دفع كثيرا من المحللين لتوقع قرب انهيار حكومته.
بدلا من ذلك، استغل إردوغان صراعه مع واشنطن وخصومه السياسيين كأداة لتعزيز سلطته، مع استمراره في الاضطلاع بمهام رئيس الوزراء. ونجح في حشد القاعدة المحافظة المؤيدة له خلف أجندته المفعمة بالروح الدينية. ودخل إردوغان في صدام مع السياسة الأميركية لدخولها في مواجهة مع مسلحي «داعش»، بينما ألقى اللوم على التدخل الأجنبي عن سلسلة الأزمات المتنامية التي يواجهها، ومع تفاقم التحديات أمام تركيا، ما بين القتال على حدودها مع سوريا، وتوتر علاقاتها مع حلفائها في «الناتو»، والضغوط التي يتعرض لها اقتصادها، تزايدت قوة وسلطة إردوغان.
خلال خطاب ألقاه مؤخرا، طرح إردوغان تقييما لاقى استحسان قاعدة مؤيديه من المسلمين السنة المتدينين - ويرد أيضا على لسان مسلحي «داعش» حول أن أزمة الشرق الأوسط تنبع مما فعله البريطانيون والفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى، والحدود التي تم ترسيمها بين العراق وسوريا في ظل اتفاقية «سايكس - بيكو». وفي إشارة للاتفاقية ذاتها، قال إردوغان: «كل صراع داخل المنطقة جرى التخطيط له منذ عقد مضى». ولمح إلى أن مخططا جديدا يجري تدبيره الآن، وأن «الصحافيين ورجال الدين والكتاب والإرهابيين» هم التجسيد الجمعي لتي إي لورانس، الدبلوماسي والجاسوس البريطاني الذي تم تخليده في فليم «لورانس العرب».
وأضاف: «واجبنا أن نشرح للعالم (اللورانسات) الجدد الذين خدعهم تنظيم إرهابي»، من دون أن يصرح بمن المقصود من وراء ذلك.
المعروف أن أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية السابق، هو رئيس الوزراء التركي الحالي. ومع ذلك، فإن الاتصالات الهاتفية مع الرئيس باراك أوباما تتم مع إردوغان، حيث يجري مناقشة الدور التركي في محاربة «داعش»، بينما يضطر البيت الأبيض لتذكير الدبلوماسيين الأميركيين بإشراك داود أوغلو في المناقشات بين البلدين.
يذكر أن الرفض التركي المستمر للسماح لواشنطن باستخدام قواعدها لشن هجمات جوية ضد قوات «داعش» في سوريا والعراق - وإصرار أنقرة على ضرورة استهداف التحالف لنظام بشار الأسد في سوريا - أزاح الستار عن صدوع عميقة في العلاقات بين الجانبين، مما دفع محللين للتشكك في إمكانية الاعتماد على تركيا كحليف.
الملاحظ أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن متوترة منذ أمد بعيد. عام 2003، رفضت تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها في غزو العراق. وفي عام 2010، أثار الأتراك غضب واشنطن بتصويتهم ضد فرض الأمم المتحدة عقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي وبتعاونهم مع البرازيل في التوسط في جهود التوصل لاتفاق مع إيران.
جدير بالذكر أنه في وقت مبكر من مشواره السياسي، عندما كان عمدة إسطنبول، تعرض إردوغان للسجن بسبب قصيدة إسلامية ألقاها في العلن. وخلال السنوات الأولى من توليه رئاسة الوزراء، وبينما كانت المؤسسة العسكرية التركية لا تزال تضطلع بحماية النظام العلماني بالبلاد، حرص إردوغان على عدم الكشف عن رغبته في لعب الدين دورا أكبر في الحياة العامة، وذلك في وقت كان يعمل فيه جاهدا على نيل عضوية الاتحاد الأوروبي لبلاده، وهي مساع تجمدت الآن.
أما في السنوات الأخيرة، ومع ترويض المؤسسة العسكرية عبر سلسلة من المحاكمات، تحول إردوغان علانية لزعيم إسلامي. وفي أعقاب انتفاضات «الربيع العربي»، سعت أنقرة للقيام بدور أكبر في صياغة الشؤون الإقليمية، مع دعمها للحركات الإسلامية، مثل «الإخوان المسلمين» الذين وصلوا للسلطة في مصر عبر الانتخابات، ثم أطيح بهم، مما شكل صفعة مؤلمة للطموحات التركية.
ونجح إردوغان في تعزيز سلطته عبر سبل بينها التخلص من الآلاف من ضباط الشرطة والمحققين والقضاة الذين اعتقد أنهم وراء تحقيقات الفساد المرتبطة به. واتهم إردوغان هؤلاء المسؤولين بكونهم من أتباع فتح الله كولن، الواعظ المسلم الذي يعيش بمنفى اختياري في بنسلفانيا وكان ذات يوم حليفا مهما لإردوغان. وكان من شأن انتصار إردوغان على كولن في الصراع على السلطة اختفاء صوت إسلامي معتدل يميل للغرب من داخل دوائر النخبة التركية الحاكمة، رغم اعتقاد كثير من الخبراء بأن أتباع كولن لهم تأثير سلبي داخل الشرطة والقضاء.
من جهته، قال روسين غوكين، خبير الحركات الإسلامية الذي يعيش في إسطنبول: «بالنسبة لطيب إردوغان، مثلما الحال مع الإخوان المسلمين والحركات المسلمة بكل مكان، تنبع مشكلات العالم المسلم من الغرب». واستطرد بأنه بالنسبة لكولن فإن «مشكلات العالم المسلم بسبب المسلمين أنفسهم». وتجلى هذا التحول بعيدا عن الغرب في الجدال المستمر حول دور تركيا في محاربة «داعش».
وقال سوات كينيكليوغلو، عضو المجلس التشريعي السابق عن حزب إردوغان والذي تحول لأحد منتقديه الآن، إن الخطاب الذي أشار إردوغان خلاله إلى «سايكس - بيكو» يكشف «مدى كراهية إردوغان للقوى الغربية العاملة بالمنطقة».
وقال عمر تاسبينار، خبير الشؤون التركية بمعهد بروكنغز: إن «خطاب لورانس العرب كان جزءا من هذا الأمر - إظهار كيف أن حدود الشرق الأوسط جرى ترسيمها على يد قوى إمبريالية وكيف أننا نواجه الآن أجندة غربية جديدة».
وتفسر هذه الرؤية المترسخة حول أن مشكلات الشرق الأوسط نابعة من تصرفات الغرب على امتداد القرن الماضي - إضافة إلى التضارب في صفوف الأتراك من المحافظين الدينيين الذين يشكلون لب ناخبي إردوغان، حول الانضمام إلى الغرب، وفيما يتعلق بالقتال ضد السنة (داعش)، تردد إردوغان إزاء الاضطلاع بدور أقوى في التحالف العسكري بقيادة واشنطن.
الملاحظ أنه جرى نشر مقال ظهر مؤخرا في صحيفة «الغارديان» للمفكر الهندي بانكاج ميشرا حول أفول نجم الحضارة الغربية كنموذج أمام العالم النامي، على نطاق واسع داخل تركيا. ولاقت فكرة المقال حول الانحسار الغربي قبولا هنا، رغم ما تضمنه المقال من انتقادات حادة لتركيا، حيث يضع تركيا بين مجموعة من الدول - تضم روسيا في عهد بوتين والهند في ظل رئيس وزرائها الحالي، ناريندرا مودي - باعتبارها جمعت بين التقدم الاقتصادي والانتخابات الديمقراطية والقيادة السلطوية على نحو متزايد.
أما بالنسبة للقصر الجديد لإردوغان، الذي كان مصمما في الأصل لرئيس الوزراء حتى تم انتخاب إردوغان رئيسا وقرر الانتقال إليه، فتحول لرمز يكشف أسلوب حكم إردوغان من وجهة نظر كثير من منتقديه، حيث يوجد القصر، الذي لا يزال البناء فيه مستمرا، على أرض محمية وصدرت أحكام قضائية من محاكم عدة تقضي بعدم قانونية البناء. وفي وقت سابق من هذا العام، تحدى إردوغان المحاكم علانية قائلا: «إذا كنتم تملكون القوة والشجاعة، تعالوا هنا واهدموه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



4 قتلى في تبادل لإطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
TT

4 قتلى في تبادل لإطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)

أسفر تبادل إطلاق النار على الحدود الأفغانية - الباكستانية ليل الجمعة، عن مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين بجروح، بحسب ما أعلنت السلطات المحلية في منطقة سبين بولداك الأفغانية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتبادلت سلطات «طالبان» في أفغانستان والحكومة الباكستانية الجمعة، الاتهامات بالمسؤولية عن هذا الهجوم «غير المبرر»، بعد نحو شهرين من سقوط عدد كبير من القتلى في أسوأ اشتباكات عابرة للحدود منذ عقود. وتحدثت تقارير غير مؤكدة عن وقوع إصابات على جانبي الحدود.

وقال مسؤول باكستاني لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الأعمال العدائية الأخيرة التي اشتملت على إطلاق قذائف مدفعية وأسلحة أخرى، وقعت بين مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومنطقة قندهار الأفغانية.

وصرّح مسؤول من قوات حرس الحدود الباكستانية التي تراقب الحدود: «استمر إطلاق النار لمدة ساعتين، وكان مكثفاً وشرساً».

وقال متحدث باسم حكومة «طالبان» الأفغانية إن قواتهم ردّت على إطلاق النار الذي بدأته باكستان. بينما قال مسؤولون باكستانيون إن مقاتلي «طالبان» هم الذين بدأوا إطلاق النار على المدنيين عبر الحدود.

وتأتي الاشتباكات بعد أشهر من مناوشات دامية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي أثارتها غارات جوية باكستانية على أهداف داخل أفغانستان، بينها العاصمة كابل، استهدفت زعيم ميليشيا يُزعم أنها وراء هجمات عابرة للحدود.

وتم التوصل إلى هدنة هشّة توسطت فيها قطر، ولا تزال سارية منذ ذلك الحين.


مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.