الجزائر: التحقيق مع رئيس أكبر مجموعة إعلامية خاصة بـ«تهم فساد»

TT

الجزائر: التحقيق مع رئيس أكبر مجموعة إعلامية خاصة بـ«تهم فساد»

أفاد مصدر قضائي بـ«المحكمة العليا» في الجزائر بأن محمد مقدم، رئيس مجموعة «النهار» الإعلامية الخاصة، يواجه عدة تهم فساد مرتبطة بعلاقاته برموز النظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذين يوجد الكثير منهم في السجن.
وقال المصدر القضائي، الذي رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الشرطة القضائية التابعة للدرك بالعاصمة استجوبت مقدم أمس لليوم الثاني حول وقائع فساد، تخص تحويل أموال إلى الخارج لشراء عقارات، وإطلاق شركات بدولة أوروبية وأخرى عربية، وهو ما يخالف القوانين التي تضبط حركة رؤوس الأموال، بحسب نفس المصدر، الذي أكد أن تحقيقات الدرك تناولت استفادة مقدم، الشهير بـ«أنيس رحماني»، من امتيازات وفرها له مسؤولون كبار في عهد بوتفليقة.
والشائع في الجزائر أن مجموعة «النهار» كانت مقربة من السعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق، الذي أدانه القضاء العسكري بـ15 سنة سجنا.
وأوضح المصدر القضائي أن ممثل النيابة وقاضي التحقيق بمحكمة بالجزائر العاصمة، تم تكليفهما باستجواب مقدم أمس، ورجح إيداعه رهن الحبس الاحتياطي، لأن نفس التهم قادت مسؤولين حكوميين إلى السجن حسبه. وتضم مجموعة «النهار» صحيفة وفضائية، تحملان نفس العنوان، زيادة على صحيفتين إلكترونيتين.
واعتقل رجال أمن بزي مدني رحماني مساء أول من أمس، بينما كان في سيارته مع زوجته التي تعمل صحافية أيضا. وقال «النهار» في بيان أمس إن سيارات اعترضت طريقه بالطريق السريع، عندما كان متوجها إلى بيت والدته بالضاحية الجنوبية للعاصمة. وجاء في البيان أن محامي وصحافيي المجموعة فوجئوا بنشر خبر اعتقاله (الليلة ما قبل الماضية) من طرف وسائل إعلام، راحت تنسب له تهما بناء على مصادر مجهولة». في إشارة إلى فضائية تفاعلت بقوة مع خبر الاعتقال، اشتغل مالكها في «النهار» قبل سنوات كمقدم لبرنامج سياسي.
وأشار البيان إلى أن «الزميل أنيس رحماني تعرض طيلة أكثر من 3 سنوات لحملة منظمة، قادتها أجهزة النظام السابق، ولمضايقات واعتقالات تعسفية، وقد أخلي سبيله في كل مرة لعدم توفر أسباب ملاحقته. مضيفا أن رحماني «ورغم مكائد الحاقدين والحاسدين، صحافي اشتغل بعدة مؤسسات إعلامية داخل وخارج الوطن، وتميز بانفراده بالمعلومة في عدة مجالات».
وسرد البيان أمثلة كثيرة، تؤكد حسبه «استهداف» مقدم من طرف النظام السابق، ومنها محاولات لوقف بث برنامج تلفزيوني. وأكثر ما يحتفظ به المراقبون عن رحماني إطلالاته في نشرات أخبار قناته للثناء على بوتفليقة وشقيقه. غير أن الحادثة التي شدت الانتباه، وما زالت رغم مرور عامين على وقوعها، تتمثل في بث مكالمة هاتفية بالقناة بينه وبين عقيد مخابرات، يبلغه فيها رحماني بأنه سينتقم من مدير المخابرات، حينها، عثمان طرطاق (مسجون)، بسبب اعتقال أحد رؤساء التحرير بالمجموعة، وبدأ العقيد مهادنا معه، وناشده العدول عن أي عمل قد يضر بطرطاق.
إلى ذلك، بات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يملك تأييد غالبية الأحزاب الفاعلة في البلاد، بمن فيهم الإسلاميون الذين كانوا رافضين لسياسات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. غير أن الدعم السياسي، الذي يحظى به تقابله تعقيدات كبيرة تواجهه على الصعيد الاقتصادي، بفعل الأزمة المالية التي تواجه البلاد منذ 5 سنوات، والآثار الاجتماعية التي ترتبت عن توقف شركات الكثير من رجال الأعمال، بعد سجنهم بتهم فساد. وكان الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس «جبهة العدالة والتنمية»، آخر الإسلاميين «الملتحقين» بمؤيدي تبون، الذي انتخب رئيسا في استحقاق جرى نهاية العام الماضي. وقد صرح جاب الله بعد لقاء جمعه بتبون الثلاثاء الماضي بأن «الحوار هو الخيار المفضل والسبيل الناجع للخروج الآمن من الأزمة الحالية، وتحقيق الإصلاحات اللازمة والشروط المختلفة، التي تحمي إرادة الشعب وتصونها، وتحفظ له حقه في السلطة والثروة، وفي العدل والحرية». وقد عد مراقبون هذا التصريح بمثابة «تغيير في عقيدة الإسلاميين»، و«مساندة سياسية نوعية» حصل عليها تبون من أبرز زعيم إسلامي، كان من أشد المعارضين للرئيس السابق بوتفليقة.
وسبق عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» (أكبر حزب إسلامي)، جاب الله في لقاء تبون. وكان ذلك الأسبوع الماضي، وجاء في تصريحاته ما فهم أنه يؤيد تبون. وكان جاب الله ومقري من أشد الرافضين لتنظيم «الرئاسية»، بحجة «غياب التوافق حولها»، وفهم من تصريحات لهما في الموضوع قبل شهرين أن أي رئيس يفرزه الاستحقاق «لن يكون شرعيا».
وقبل بداية الحملة الانتخابية كان فيلالي غويني، رئيس «حركة الإصلاح الوطني»، قد أعلن دعمه للمترشح تبون، وشارك في حملة الدعاية لبرنامجه الانتخابي. كما ساندته «حركة النهضة»، بقيادة يزيد بن عائشة، و«جبهة الجزائر الجديدة»، برئاسة جمال بن عبد السلام. والثلاثة كانوا قياديين في أحزاب إسلامية أسسها جاب الله في تسعينيات القرن الماضي، لكن افترقوا عنه بسبب خلافات شخصية.
وزيادة على الإسلاميين، يحوز الرئيس تزكية حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطني»، بما يضمه من مئات المنتخبين بالبرلمان والمجالس البلدية والانتخابية. وكان الحزب قد دعم المترشح عز الدين ميهوبي، أمين عام بالنيابة لـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، لكنه غير البوصلة بعد انتخاب تبون. كما أن «التجمع» أعلن دعمه سياسات الرئيس، وهو إلى جانب «جبهة التحرير» يمثلان التيار الوطني. وباستثناء «الإسلاميين» و«الوطنيين»، أعلنت أهم الأحزاب العلمانية المعارضة دوما للسلطة، رفضها التعامل مع الرئيس الجديد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.