ذكرى الحريري تكرس سقوط «التسوية» مع عون

الدعوات استثنت رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»

TT

ذكرى الحريري تكرس سقوط «التسوية» مع عون

تتجه الأنظار إلى ما سيحمله احتفال «14 شباط» في الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري يوم غدٍ (الجمعة) بعدما سبق لـ«تيار المستقبل» أن أعلن أنه سيكون لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري خلاله خطاب مفصلي.
ولن تكون هذه المناسبة مختلفة عن مثيلاتها في السنوات السابقة من حيث مضمون كلمة الحريري فقط، إنما أيضاً من حيث الشكل والأطراف التي وجهت لها الدعوة، حيث اتخذ «المستقبل» قراراً بعدم دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون، إضافة إلى استثناء «التيار الوطني الحر» برئيسه ومسؤوليه كافة، بحسب ما أكدت مصادر «المستقبل». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تم هذا الاستثناء وأضيف (التيار الوطني الحر) إلى لائحة الأطراف غير المرغوب بها في هذه المناسبة، على غرار (حزب الله)، بعدما انقلب العهد على التسوية السياسية».
في المقابل، يتوقع أن يشكل الاحتفال مناسبة للقاء الأطراف التي كانت تشكّل فريق «14 آذار» بعد التباعد والاختلافات التي شابت العلاقة بينها، ولا سيما في الفترة الأخيرة، منذ بدء التحركات الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وصولاً إلى استقالة الحريري ومن ثم اعتذاره عن قبول إعادة تكليفه، وهو ما تؤكد عليه مصادر هذه الأطراف، أي «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب القوات اللبنانية».
وفي حين يحرص كل من «القوات» و«الاشتراكي» على عدم الإفصاح عن مستوى تمثيلهما في احتفال هذا العام، يؤكد الطرفان على أنهما سيكونان حاضرين عبر ممثلين لهما.
ومن المقرر أن يحسم اليوم «الاشتراكي» قراره بحجم ومستوى المشاركة، بينما يقول مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور لـ«الشرق الأوسط»: «لاعتبارات أمنية لا يمكن الإعلان عن مشاركة رئيس حزب (القوات) سمير جعجع من عدمها، لكن الأكيد أننا سنشارك عبر وفد رفيع من نواب ووزراء». ويرى جبور أنه يفترض أن تشكل المناسبة محطة لإعادة ترميم العلاقة بين «القوات» و«المستقبل» وبداية لمراجعة سياسية مشتركة بينهما، وهو الأمر الذي بات حاجة ومصلحة وطنية.
في المقابل، يقول النائب السابق والقيادي في «المستقبل»، مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط»: «الخطاب قد يكون فاتحة أو مدخلاً لترميم العلاقة بين أطراف فريق (14 آذار)»، مع تأكيده على ضرورة أن تنطلق أي خطوة بهذا الاتجاه من إيجاد قواعد مشتركة صلبة للمعارضة ومع القوى الشعبية المنتفضة على الأرض». ويضيف «عنوان المعارضة الذي سيجمع هذه القوى، رغم أن التجارب السابقة معها لم تكن مشجعة وفقدت فرصة ذهبية لتشكيل جبهة متراصة، يجب أن ينطلق من مسائل تنسيقية وعملية والعمل على طرح بديل جدي وصلب»، مؤكداً أن «ترميم العلاقة يحتاج إلى جهد أبعد بكثير من مناسبة».
وكان موقع «مستقبل ويب» التابع لـ«تيار المستقبل» قد أعلن في الأسبوع الماضي، أن خطاب الحريري في احتفال هذا العام سيكون مفصلياً ومبنياً على مقاربات نقدية، سياسية وتنظيمية، تستند إلى ثوابت «الحريرية الوطنية» وقيمها، وتؤسس لرسم خريطة طريق (تيار المستقبل) لمواجهة التحديات المقبلة، ووضع النقاط على حروف التطورات الراهنة والأخيرة ما بعد 17 أكتوبر، ولا سيما على صعيد (التسوية) التي انقلب عليها العهد، والعلاقة مع باقي المكونات السياسية، والحملات التي يتعرض لها».
ونقل الموقع عن مصادر «بيت الوسط» (مقر إقامة الحريري) قولها، إن خطاب 14 فبراير (شباط) 2020 سيكون من أهم خطابات سعد الحريري في الـ15 سنة الماضية.
وبعدما كانت الدعوات قد وزعت للمشاركة في الاحتفال في مركز «بيال» للمعارض في وسط بيروت، عاد «تيار المستقبل» وأعلن في بيان عن نقل مكان الاحتفال إلى «بيت الوسط»، بناءً على طلب الحريري الذي سيكون شخصياً في استقبال المدعوين الذين سيتوجه إليهم بكلمة للمناسبة.



جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

«نعيش الخوف المتواصل كل ليلة»... بهذه العبارة تلخص اللبنانية جمال خ، ما تعيشه في منطقة عين الرمانة المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، وذلك في معرض وصف مشاعرها ومشاعر عائلتها على وقع القصف الإسرائيلي للضاحية. وعين الرمانة كما سكانها، تحمل ذكريات أليمة؛ فهي كانت منطلق الحرب الأهلية اللبنانية، ثم بقيت سنوات طويلة خط تماس مفتوحاً بين المتحاربين.

جمال لم تغادر منزلها حتى الساعة، وتصف إيقاع يومياتها قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نسارع لتأمين احتياجاتنا قبل الظهر على وقع صوت المسيّرات، ولكن اعتباراً من الثانية بعد الظهر، نلازم المنزل خوفاً من الغارات».

وتشبه حياة جمال وعائلتها يوميّات آلاف المواطنين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق المتاخمة للضاحية الجنوبية. وقد عاش أبناء هذه المناطق كل الحروب التي عصفت بلبنان ومآسيها، ويعيشون اليوم حرباً جديدة قد لا يكون لها تأثير مباشر عليهم لجهة التدمير، إنما لها كل التأثيرات الأخرى للحروب من خوف وقلق، وسماع دوي القصف والغارات التي تتركز خلال ساعات الليل.

أيام صعبة

وعاشت الضاحية عشرة أيام صعبة خلال الأسبوعين الماضيين، وكانت تتلقى كل ليلة تهديدات وطلبات لإخلاء الأبنية، كما نفذت فيها إسرائيل اغتيالات، استهدف أحدها أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، واستهدف آخر خليفته هاشم صفي الدين، وقياديين آخرين، منهم الشيخ نبيل قاووق الذي استهدفته غارة جوية في منطقة الشياح الموازية لعين الرمانة. لكن وتيرة قصف الضاحية تراجعت منذ يوم الخميس الماضي، حيث لم تُسجل أي غارة، رغم طلب إخلاء بعض الأبنية الصادر عن الجيش الإسرائيلي.

أطفال يلاعبون قطة في شاحنة تستخدمها عائلات نزحت من الجنوب اللبناني (إ.ب.أ)

وتقول جمال: «هذه الحرب تختلف عن حرب يوليو (تموز) 2006، والواضح أن نوع السلاح المستخدم يفوق بدرجات ما كان يستعمل في عدوان تموز»، مشيرة إلى أنه «مهما كانت المنطقة المستهدفة في الضاحية الجنوبية، فإن صوت الغارة يدوّي بشكل كبير ويُحدث هزات في زجاج الأبنية في المناطق المحيطة».

وتضيف: «في السنوات الأخيرة، اعتقدنا أننا ارتحنا من رعب الحروب، إلا أننا للأسف نعيش يومياتها، وبشكل أسوأ من كل ما مرّ على لبنان سابقاً».

تهجير جديد

وكما عين الرمانة، يعيش جيران الضاحية في مناطق الحدث وبعبدا والحازمية وفرن الشباك (تسكنها أغلبية مسيحية)، القلق نفسه.

وتقول إليز، التي تعيش في عين الرمانة وتعمل في الحدث: «لا أستطيع أن أصف الشعور الذي عشناه. بيتنا يفصله خط واحد عن منطقتي الشيّاح والضاحية. وقبل أيام شنوا غارة خلف البيت، وهذا ما شكّل رعباً لنا، خصوصاً أن والدي مريض. هربنا حاملين أحلامنا ومخاوفنا وذكرياتنا». وتضيف باكية: «إنها ليست المرة الأولى التي نتهجّر فيها، ولكن هذه المرة الجرح كبير، ونشعر وكأن العودة إلى البيت لن تكون آمنة مع كل الأحداث!».

حياة مختصرة

ويجمع سكان محيط الضاحية على أن «هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب التي مرّت بنا، ولا تقارَن حتى بحرب تموز من حيث الأصوات والخوف الذي نعيشه».

دخان بعد قصف على الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي (أ.ب)

وتقول برنا ن، التي تعيش في فرن الشبّاك: «بين الترقب والخوف، نتسمّر قبالة شاشة التلفاز. هذا مختصر يومياتنا». وتضيف: «التوتر والإرهاق من الخوف وعدم النوم يرافقنا منذ أسابيع، منذ بدء التطورات الميدانية التي تطول الضاحية».

أما زينة ع، التي تسكن في تحويطة فرن الشباك مع عائلتها المؤلّفة من طفلين، فتقول إن حياتها تم اختصارها بين الذهاب إلى العمل، والعودة بسرعة إلى البيت، «بعد أن أشتري ما ينقصنا سريعاً». وتتابع: «دائماً نحن مرتابون. نخاف الجلوس على الشرفات أو الخروج في المساء، وفي الليل نتناول الحبوب المهدئة علّنا نتمكن من النوم قليلاً، لكننا نفكر بأن وضعنا لا يزال أفضل من أهالي الضاحية الذين تهجّروا أو قُتلوا أو جُرحوا».

أقسى الحروب منذ 1975

في الحدث، يعيش إسكندر، الذي اختبر الحروب المتعاقبة على لبنان منذ عام 1975، ولم يترك بيته خلال تلك الحروب، لكنه بسبب تقدمه في السن، يعيش الآن حالة ترقّب وخوف وانتظار. ويقول: «نشاهد القصف وكأنه مسرح مفتوح أمامنا، لا سيما حين يستهدف القصف مناطق الليلكي وبرج البراجنة وحارة حريك».

ويصر إسكندر على عدم المغادرة. ورغم أن السكان لم يحصلوا على ضمانات، لكنه مطمئن إلى أنه «لا مخازن للأسلحة في المنطقة، ولا مراكز لـ(حزب الله)؛ لذلك يُفترض ألا نتعرّض لأي غارات».

أنقاض مبانٍ مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

إبادة جماعية

ويؤكد إسكندر، الذي عاصر كل الحروب التي مرّت على لبنان، أن «ما نعيشه اليوم هو نوع من أنواع الجنون؛ فهي ليست معركة بين جيشين، إنما عملية إبادة جماعية».

وعلى رغم قساوة المشهد في عام 1982 عندما دخل الإسرائيليون إلى بيروت وحاصروا بيروت الغربية وضواحيها، «فإن ما نعيشه اليوم هو أقسى بأشواط». ويقول: «ما يحصل اليوم هو حصار مفروض من البحر والجو... حصار مطلق على الضاحية ومحيطها».

ولا ينفي إسكندر أنه «حزين على وطني، وعلى أولادي الذين غادر آخرهم قبل أسبوع!»، ويضيف بحرقة: «لقد تشتّتت العائلة اللبنانية!». ويسأل: «ألا يوجد صوت في كل العالم يدعو إلى إيقاف هذا الجنون وهذا القتل وهذه المذبحة التي تحصل بحق لبنان؟!»، متمنياً أن يرتاح لبنان من الحروب «بعد هذا العمر والتجارب المقلقة». ويتابع: «ألا يستحق لبنان أن يتم التعامل معه من قبل الدول بشكل أفضل؟!».