طريق الزائر إلى المغرب معدته

يجذب السياح بنكهة «الكسكس» و«الطاجين» و«الطنجية»

الكسكس سيد المائدة المغربية
الكسكس سيد المائدة المغربية
TT

طريق الزائر إلى المغرب معدته

الكسكس سيد المائدة المغربية
الكسكس سيد المائدة المغربية

خلال افتتاح الدورة الحادية عشرة للمناظرة الوطنية للسياحة، التي انعقدت، أخيرا، بالرباط، قال عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية، إن «المغرب، الذي عرف بـ(الكسكس) و(الحريرة) و(المشوي) و(البسطيلة)، لو لم يكن فيه إلا جمال مطبخه لكان ذلك كافيا، لأن يأتيه السياح من كل القارات».
ورغم أن ما ذكره المسؤول المغربي عن جمال مطبخ بلده، قد جاء في سياق تناوله للإكراهات التي تعوق تحقيق الأهداف المسيطرة على مستوى تدبير القطاع السياحي في المغرب، فإنه لم يفعل أكثر من تأكيد حقيقة ظلت ترافق قيمة المطبخ المغربي ودوره في دعم التوجه السياحي للبلد، وإشهار وجهته بين السياح، حتى صار السائح يبني دوافع اختياره زيارة المغرب، دون غيره من البلدان، على ما يميزه عن غيره، خصوصا على مستوى تميز مطبخه، وما يقترحه من أطباق شهية.
ويعول المسؤولون المغاربة على ضمان شروط نجاح رؤية 2020، الهادفة إلى الرقي بوجهة المغرب، في أفق جعله ضمن أفضل 20 وجهة سياحية في العالم، وأن يتحول إلى وجهة سياحية مرجعية في مجال التنمية المستدامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

* المطبخ والسياحة في المغرب علاقة معمقة
* وعن علاقة المطبخ المغربي بقطاع السياحة المغربية، ودور الطبخ في دعم وإنجاح الاستراتيجيات المرسومة من طرف المسؤولين لإشعاع وجهة المغرب، في ظل التنافسية المحتدمة بين عدد من الوجهات العالمية، أبرز منتصر بولال، نائب مدير المركز الجهوي للسياحة بمراكش، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «مكانة فن الطبخ أضحت تشكلا أهم نقاط الجذب بالنسبة لأي وجهة سياحية عبر العالم، وبالنسبة للمغرب، عامة، ومراكش، خصوصا، يعد فن الطبخ المغربي، سواء الأصيل منه أو المتجدد (المعاصر)، دعامة تعكس التنوع والانفتاح الحضاري للثقافة وفن العيش المغربي».
وفيما يخص علاقة فن الطبخ بالترويج للسياحة بمراكش٬ قال بولال إن «جل الحملات الترويجية لمراكش في الأسواق السياحية الدولية لا تخلو من إبراز البعد الثقافي للهوية المغربية، إن على مستوى الأطباق ذات الصيت العالمي، كـ(الكسكس) و(الطاجين) و(الطنجية)، أو المنتجات ذات الطابع المحلي، علاوة على إشراك الطباخين المغاربة المرموقين في المعارض والمحافل الدولية».
ويمكن القول إن ربط دفء البطن ونكهة الأطباق الشهية بأرقام السياحة لا يمكن إلا أن تؤكد حاجة إنسانية عامة، تنطبق على الإنسان حيث كان، ما دام أن الطعام للجسد، كما يرى الشاعر والكاتب المغربي سعد سرحان: «مثل الفن للوجدان»، به ولأجله ظل الإنسان على قيد الوجود منذ الطريدة الأولى حتى آخر ما تفتقت عنه الصناعات الغذائية من تعليب وتلفيف وحفظ وتبريد، لذلك ظل في صلب الاهتمام في كل نشاط أو إبداع بشري، فلا عجب أن تكون الهندسة المعمارية تضعه في حسبان تصاميمها، فالمطبخ هو القلب النابض لكل منزل.
وإذا كان الطعام مدينا للإنسان بالعمل، فإن الإنسان مدين للطعام بكل شيء، فالعضلات التي شيدت الأهرام والأبراج والسفن والمعابد والجسور، وحطمت الأرقام القياسية في الجري والسباحة والقفز، وسجلت الأهداف في المباريات، ما كان لها أن تفعل لولا الطاقة التي تستمد من الطعام، والعقول التي أبدعت الإبرة والعجلة وبساط الريح وحبة الدواء والزراعة المغطاة، ما كان لها أن تنجح في ذلك لولا رصيدها من المادة الرمادية وما تتغذى عليه من طعام؛ لهذا، ولغيره الذي لا يحصى، فالطعام هو، دون أدنى شك، حجر الزاوية في صرح الحضارة البشرية، أما بالنسبة لبقية الكائنات، فيكفي بعضها مجدا أنها تحول طعامها إلى عنبر وحليب وعسل وطيب، ولنا فقط أن نتأمل كيف يصير العشب في البرية مسكا في دم الغزال.
أشهر الأطباق المغربية

وكان عاديا أن يأتي «الكسكس»، في كلام بن كيران، في طليعة أشهر الأطباق المغربية، وهو تقديم أكد حقيقة أن «الكسكس»، الذي يوصف بـأنه «أيقونة المطبخ المغربي»، يعد عند المغاربة «سيد الأكلات المغربية»، لذلك يقترن بالمناسبات، حزينة كانت أم مفرحة، فيما يبقى إصرار المغاربة على إعداده وتناوله بعد صلاة الجمعة، دليلا إضافيا على المكانة التي يحظى بها في النفوس، والتي يمكن أن تصل به إلى مستوى «الطبق المقدس».
وككل الأطباق الفاخرة القيمة والملكية الهيبة، يتطلب إعداد «الكسكس» صبرا وموهبة وقدرة على رفع الطبخ إلى مستوى الفن. وفي المغرب، يقولون إن «الطبخ موهبة من عند الله، قبل أن يكون تحصيلا ودراسة في المعاهد المتخصصة؛ ولهذا السبب، قد نجد طباخة، كيفما هيأت طبقها، يكون جيدا ولذيذا، كما قد نجد طباخة أخرى، على النقيض من ذلك، قد تقضي يومها كاملا في الإعداد والطهي من دون أن تنتهي إلى أكلة تثير شهية الضيوف واعترافهم بقيمة طبخها.
ويرى عدد من المتتبعين للقطاع السياحي في المغرب أن التوجه السياحي للبلد لم يشهر شواطئه وطبيعته الخلابة، فقط، ويعرف بتراثه المادي واللامادي، بل نقل أسرار مطبخه إلى العالم، سواء تعلق الأمر بالأطباق الأساسية، كـ«الكسكس» و«الطاجين» و«الطنجية» و«البسطيلة» و«الحريرة»، وغيرها، أو الحلويات كـ«كعب الغزال» و«البريوات» و«المحنشة» و«الشباكية» و«الغريبة» و«الفقاص»، وغيرها، هذا دون الحديث عن الشاي الأخضر بالنعناع، الذي لا تكتمل الضيافة المغربية دون تقديمه للضيف عربون محبة وكرم ضيافة.

* دروس الطهي
* لعل المثير في أمر كثير من سياح المغرب أنهم صاروا يقبلون على دروس تعلم الطبخ المغربي رغبة منهم في معرفة أسراره، ووصولا إلى إعداد أطباقه في منازلهم، وفي مراكش، مثلا، يقترح عدد من الوحدات الفندقية على السياح محترفات للطبخ، ويتوزع السياح، الذين يقبلون على تعلم الطبخ المغربي، على الجنسين، ويحسبون على مختلف الجنسيات، تقريبا؛ إذ تجد بينهم أوروبيين، وأميركيين، وأستراليين، وعربا أيضا.
أما فيما يتعلق بأثمان دروس الطبخ، فنصف نهار تعلم، بالنسبة لمجموعة يتراوح عددها ما بين فرد واثنين، هو 1600 درهم (الدولار يساوي 8 دراهم)، وبالنسبة لمجموعات صغيرة تتألف من 3 إلى 5 أفراد فهي 600 درهم، أما بالنسبة للمجموعات التي يتراوح عددها ما بين 5 و8 أفراد فتبلغ 500 درهم.
ويبقى المهم في مسألة تعلم الطبخ المغربي أن «الطلاب» قبل أن يبدأوا رحلة التعلم، يستمعون إلى مقدمة عامة، على شكل مدخل تعريفي بالطبخ المغربي وخصائصه والفروقات الموجودة بين الطبخ الفاسي والطبخ المراكشي، مثلا، وطرق اختيار وضبط البهارات والتعريفات المتعلقة بالسمن البلدي وزيت الأركان، وما يطبخه المغاربة خلال الأعياد الوطنية والأعياد الدينية ومختلف المناسبات الخاصة والعامة.
وفيما يتعلق بمضمون «الدروس»، في ارتباط بـ«المقرر الدراسي»، تقترح على «الطلاب»، أكلات تعطي لمحة وافية عن غنى المطبخ المغربي، تشمل الأطباق الرئيسة، بشكل خاص، فيما الأدوات المستعملة في الطبخ هي أدوات يمكن أن تتوافر في أي مطبخ، سواء في المغرب أو في أوروبا، فيما يجري الانخراط في «تدريب الطبخ» في لحظة واحدة، لتنتهي إلى وجبة يعدها «الطالب» بنفسه ليتناولها؛ بحيث يلاحظ لدى «الطلاب» بعد الانتهاء من «الدرس» وتناول الوجبات التي أعدوها بأنفسهم، شعور بالفرح والفخر وعدم التصديق، هم الذين كان بإمكان كل واحد منهم أن يتناول وجبة غداء في مطعم خاص أو في المطعم التابع للفندق أو لدار الضيافة، من دون وجع رأس، لكنه يقصد محترفات الطبخ لكي يتعلم أصول الطبخ المغربي ويتعرف على عادات البلد وثقافته بثمن الوجبة نفسها التي كانت ستقدم له في مطعم عادي.



العُلا تفتتح مركز «دادان لفنون الطهي»

دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)
دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)
TT

العُلا تفتتح مركز «دادان لفنون الطهي»

دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)
دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)

اكتسبت حركة «سلوفود» العالمية زخماً جديداً مع افتتاح مركز «دادان لفنون الطهي» في العلا، وهي خطوة مهمة تحتفي بأساليب الزراعة المستدامة، وتقاليد الطهي المحلية، والاستهلاك الواعي للطعام.

تهدف حركة «سلوفود» إلى تعميق ارتباط المستهلكين بمصادر غذائهم، والدعوة إلى استخدام المكونات الموسمية والمحلية، ودعم جميع أفراد المجتمع، وهي القيم ذاتها التي استرشدت بها العلا منذ البداية في تحولها إلى وجهة مستدامة.

دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)

يشكل مركز «دادان لفنون الطهي» وجهة عالمية رئيسية لفن الطهي المستدام، حيث يمزج بين تراث واحة العلا والقيم المعاصرة التي تركز على منظومة غذائية عادلة ومستدامة.

ويقع المركز بالقرب من موقع دادان الأثري الذي كان عاصمة مملكتي دادان ولحيان منذ أكثر من 2000 عام؛ ويوفر تجارب خاصة لتناول الطعام، بالإضافة إلى ورش عمل تفاعلية، ولقاءات شخصية مع مزارعي العلا وسط المناظر الطبيعية الخلابة للمنطقة.

تجارب خاصة لتناول الطعام بالإضافة إلى ورش عمل تفاعلية (الشرق الأوسط)

من أبرز معالم المركز سوق دادان للمزارعين التي تقام في نهاية كل أسبوع لعرض الثروات الزراعية للمدينة من المنتجات الموسمية الطازجة التي يحصدها المزارعون من الواحة والمزارع المحيطة بها.

تعد السوق كذلك مركزاً حيوياً للأُسر المحلية التي تعتمد في معيشتها على الزراعة في أراضي الواحة، حيث تقصدها لعرض بضائعها ودعوة الضيوف لاستكشاف نكهات العلا الأصيلة.

يُمكن لزوار السوق تذوق الكثير من الأطباق المحضرة بطرق تقليدية أو اختيار المنتجات الطازجة من خيرات الواحة للاستمتاع بتناولها أثناء التنزه؛ ويشكل ذلك جوهر مهمة المركز، فعمليات الشراء هذه تدعم المزارعين المحليين بشكل مباشر، وتعزز الروابط بين المنتجين والمستهلكين.

من المأكولات المميزة في مركز دادان لفنون الطهي (الشرق الأوسط)

يضم المركز كذلك مطعم «ديار» الذي يعكس اسمه الأجواء المنزلية الدافئة، ويوفر تجربة طعام لا تُنسى تحتفي بمبادئ حركة «سلوفود». يطل المطعم على جبال دادان المهيبة، ويقدم أطباقاً محضرة من مكونات محلية مستدامة.

تحت إشراف الشيف سيرجيو راما، الحائز على عدة جوائز، والمعروف بتخصصه في أساليب الطهي الموسمية والتقليدية، يعيد مطعم «ديار» تعريف الضيافة من خلال تحويل الوجبات البسيطة إلى تجربة تحتفي بالمجتمع والتراث.

تقاليد الطهي الأصيلة على ضفاف واحة العلا العريقة (الشرق الأوسط)

للتعرف بشكل أكبر على العلا وشعبها، يقدم مركز «دادان لفنون الطهي» كذلك ورش عمل متنوعة توفر للزوار فرصة مميزة لتعزيز ارتباطهم بالممارسات المستدامة والتقاليد المحلية.

كما يكتسب المشاركون في هذه الورش رؤى عملية في عدد من الحرف وممارسات تحضير الطعام، وذلك من خلال تعلّم أساسيات الطهي باستخدام المنتجات الطازجة من المزرعة، أو إتقان فن التخليل والتخمير، أو استكشاف الاستخدامات المتعددة لأشجار الشوع في صناعة الزيوت والصابون.

تدعو العلا ضيوفها من كل أنحاء العالم لزيارة مركز «دادان لفنون الطهي» وإعادة استكشاف متعة تناول الطعام الصحي وتقاليد الطهي الأصيلة في المدينة على ضفاف واحة العلا العريقة.