بريطانيا تغازل العالم بـ«10 موانئ حرة»

تفادياً لتخبط اقتصادي، عقب تنفيذ اتفاق «بريكست»، تسارع بريطانيا إلى سن خطط اقتصادية ذاتية، بعيدة عن العلاقات التجارية التقليدية مع «الاتحاد الأوروبي». وفي أولى خطواتها، أعلنت الحكومة البريطانية عزمها إقامة ما يصل إلى 10 موانئ حرة معفاة من الرسوم الجمركية بغية تحفيز اقتصادها بعد «بريكست».
وتراهن بريطانيا على خطة إنشاء الموانئ، مستفيدة من الوجهات البحرية المتعددة، وصلتها بين أوروبا وأميركا الشمالية. ومع تطوير بريطانيا سياستها التجارية لأول مرة منذ عشرات السنين بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، بدأت الحكومة استشارات تستمر 10 أسابيع لتحديد خططها للموانئ الحرة أو المناطق التجارية الحرة. وفور انتهاء الاستشارات سيكون بإمكان المناطق البحرية والجوية والسكك الحديدية التقدم بطلب للحصول على وضع ميناء حر.
والموانئ الحرة مناطق يمكن الاحتفاظ فيها بسلع مستوردة أو معالجتها بإعفاء من الرسوم الجمركية قبل إعادة تصديرها من جديد. ويمكن استخدام هذه الموانئ أيضاً لاستيراد مواد خام وصنع سلع تامة الصنع للتصدير.
وقالت الحكومة البريطانية إنها بدأت الاستشارات بهدف تحديد مواقع الموانئ الحرة. والهدف من الاستشارات إعلان مواقع هذه المناطق الجديدة بحلول نهاية العام، سواء في البرّ أو قرب الموانئ لكي تكون جاهزة للتشغيل في عام 2021. وأكّدت الحكومة أن هذه الموانئ ستتيح «خلق آلاف الوظائف» و«جذب شركات جديدة» و«خلق فرص استثمارية».
وتنقضي بنهاية العام الحالي مهلة التوصّل إلى اتفاق تجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعدما خرجت المملكة المتحدة من التكتل في 31 يناير الماضي.
وقالت الحكومة أيضاً إنها تفكر في اتخاذ إجراءات ضريبية تهدف إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية والبناء والمعدات في الموانئ الحرة لزيادة القدرة على الإنتاج. وأضافت أنها قد تستعين أيضاً بتغييرات ضريبية لخفض تكاليف التعاقد مع عمال في مواقع الموانئ الحرة.
وتكشف توقعات اقتصادية أن الاقتصاد البريطاني سيتضاءل بـ70 مليار جنيه إسترليني، أي 90 مليار دولار، عقب «بريكست». والتوقعات الاقتصادية التي نشرها تقرير للمعهد البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، أفادت بأن اقتصاد المملكة المتحدة سيتضاءل بنسبة 3.5 في المائة على مدى السنوات الـ10 المقبلة عقب «بريكست»، مقارنة بما سيكون عليه الوضع في حال بقيت في الاتحاد الأوروبي.
والشهر الماضي، توقعت الغالبية العظمى من الاقتصاديين، ممن خضعوا للمسح السنوي الذي أجرته صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية على أكثر من 85 من كبار الاقتصاديين، أنه لن يكون هناك تحسن يذكر أو لن يكون هناك تحسن على الإطلاق في النمو الاقتصادي لهذا العام، مع استمرار ضعف الإنتاجية بشكل مزمن واستمرار الغموض المتعلق بعلاقة بريطانيا التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
ورغم رسالة رئيس الوزراء المتفائلة للعام الجديد، فإن أكثر من ثلث المشاركين في المسح يعتقدون أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 لن يكون أفضل من عام 2019... والمرجح أن يكون أسوأ أداء في عقد من الزمن. كما اعتقدت نسبة مماثلة، إمكانية تحسن الناتج المحلي الإجمالي قليلاً هذا العام، رغم احتمالية زيادة الإنفاق العام.
ويرجع السبب الكامن خلف التوقعات القاتمة للاقتصاديين جزئياً إلى إصرار رئيس الوزراء جونسون على تحديد موعد نهائي لاختتام المحادثات مع الاتحاد الأوروبي هذا العام، وتفضيله الواضح لصفقة تجارة حرة سريعاً. وقالت الغالبية العظمى من الخاضعين للاستطلاع، إنه حتى بعد خروج المملكة المتحدة بشكل رسمي، لن يكون هناك انتعاش دائم، حتى يتم التوصل إلى اتفاق تجاري. وحذرت أستاذة السياسة العامة في جامعة كمبردج، ديان كويل، من أن جونسون أعاد منذ فترة وجيزة إنشاء فكرة خروج البلاد دون صفقة منذ الانتخابات. فيما قال كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة «كيه بي إم جي» للخدمات المهنية، يائيل سيلين، إن الأسواق استيقظت بالفعل على حقيقة أن خطر عدم وجود اتفاق لا يزال قائماً... وبالتالي فإن سحابة عدم اليقين ستظل تشكل عائقاً أمام الاستثمار في الأعمال التجارية على مدى جزء كبير من هذا العام.
وكما كان الأمر في عام 2019، ربما يعوض الإنفاق الاستهلاكي، الركود في الاستثمار في الأعمال التجارية، في ظل وجود عمالة قوية ونمو مطرد للأجور والتضخم المنخفض الذي يساعد في تمويل الأسر.