القطن المصري... «ثروة حائرة» بين السياسة والزراعة

الحكومة تعهدت تطوير قطاعاته ونفت اعتزامها خصخصة شركاته

القطن المصري
القطن المصري
TT

القطن المصري... «ثروة حائرة» بين السياسة والزراعة

القطن المصري
القطن المصري

في مايو (أيار) عام 1953 فوجئ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بطلب بدا غريباً من وزير الخارجية الأميركي، آنذاك، جون فوستر دالاس، الذي اقترح أن «تقدم مصر بادرة حسن نية لمساعدة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، عبر تقليل إنتاج القطن المحلي طويل التيلة، لأنه ينافس نظيره المنتج في ولايات الجنوب الأميركي».
والواقعة التي رواها كشاهد عليها، الصحافي المصري الراحل، محمد حسنين هيكل، في حوارين تلفزيونيين، يقول إنها جعلت عبد الناصر «يفتح فمه» مذهولاً من غرابة الطلب.
وأعاد تعهد الحكومة المصرية، قبل يومين، بعدم «خصخصة (البيع للقطاع الخاص) شركات القطن» إلى الأذهان التذكير بأهمية محصول ينظر إليه باعتباره استراتيجياً، خصوصاً مع تأكيدها على أنه «تم البدء في تنفيذ خطة متكاملة لتطوير وتحديث المحالج، ضمن خطة لتطوير قطاع القطن والغزل والنسيج وإعادة هيكلة شركاته باعتباره واحداً من أهم الصناعات الوطنية المتميزة».
وتسجل علاقة المصريين مع محصول القطن فصولاً تتنوع فصولها بين الزراعة والسياسة، فالمنتج الذي جرت أدبيات المزارعين المصريين على تسميته بـ«الذهب الأبيض» كان مصدراً مهماً لدخل الأسر في الريف، ومثّل موسم حصاده خلال عقود مضت موعداً لتغيرات اجتماعية محدودة منها الزواج مثلاً الذي كانت العائلات تدبر نفقاته عبر بيع المحصول.
الإفادات الرسمية المرتبطة بقطاع القطن لم تقتصر على الخطة الحكومية، بل زادها توجيه رئاسي، أعلنه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نهاية الأسبوع الماضي، إذ دعا إلى تنفيذ «تصور متكامل لمنظومة القطن بجميع محاورها الزراعية والتجارية والصناعية»، ومشدداً على «تعظيم الاستفادة من الإمكانات المتاحة».
ومع إعراب نقيب الفلاحين المصريين، حسين أبو صدام عن «تفاؤله» بشأن الدعم الرئاسي لقطاع القطن، فإنه يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «التحركات الحكومية لا يجب أن ترتكز فقط على مصانع الغزل والنسيج وحليج الأقطان باعتبارها مراحل تالية، ولذلك فإنه من المهم تحفيز الفلاحين للتوسع في زراعة القطن».
وبحسب ما أفاد وزير الزراعة السابق، عز الدين أبو ستيت، في أبريل (نيسان)، الماضي، فإن مصر زرعت ما بين 200 إلى 250 ألف فدان بالقطن، وذلك مقابل 836 ألف فدان في عام 2018، لكنه عزا التراجع إلى «استقرار سعر القطن والحد من الحلقات الوسيطة في بيعه عبر إتاحة التسويق المباشر والمزايدة على تسويق القطن طبقاً للسعر العالمي».
لكن أبو صدام يعتقد أن «تراجع زراعة (الذهب الأبيض) بمصر سببه قلة العائد الاقتصادي، المرتبط بتحرير سعر بيعه دون دعم حكومي يضمن تحقيق هامش ربح للفلاحين، خصوصا أن عملية زراعة وحصاد القطن للفدان الواحد تحتاج نحو 50 عاملاً، وهو ما يكبد تكلفة كبيرة».
وتنص المادة 29 من الدستور الساري في البلاد على أن «الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها (...) وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح...».
ومن حقول الزراعة إلى مصطلحات السياسة والاقتصاد، مرت علاقة الحكومات بمحصول القطن بتطورات مختلفة، إذ إنها لجأت تدريجياً إلى إدخال السلعة الاستراتيجية في دائرة «تحرير الأسعار»، وذلك بمواكبة تحول سياسات الدولة من الاشتراكية في عهد عبد الناصر، إلى مرحلة الانفتاح الاقتصادي خلال حكم الرئيس الراحل أنور السادات، ثم جاءت حقبة خصخصة بعض الشركات المنتجة له بعهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك.
ووفق دراسة أكاديمية نشرت عام 2006 أعدها، الدكتور عدلي سعداوي، بكلية الزراعة بجامعة الفيوم، فإن «زراعة القطن تراجعت عاما بعد آخر حتى تناقصت إلى أقل من مليون فدان عام، وكذلك تقلصت المساحات المزروعة بالأصناف طويلة التيلة الممتازة من 866 ألف فدان عام 1971 إلى 378 ألف فدان عام 1981 ثم إلى 154 ألف فدان عام 2005، وتواكب ذلك مع زيادة الواردات من الأقطان حتى وصلت إلى 525 ألف بالة عام 2005، وتراجعت الميزة النسبية والتنافسية للصادرات والمنتجات القطنية المصرية».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.