«المايسترو»... رواية متعددة الأصوات تعتمد وقائع وأحداثاً متشظية

«المايسترو»... رواية متعددة الأصوات تعتمد وقائع وأحداثاً متشظية
TT

«المايسترو»... رواية متعددة الأصوات تعتمد وقائع وأحداثاً متشظية

«المايسترو»... رواية متعددة الأصوات تعتمد وقائع وأحداثاً متشظية

يتكئ سعد القرش في رواية «المايسترو» الصادرة عن «دار العين للنشر» في القاهرة على هيكل زمكاني يُشيّده على ساحل الخليج العربي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تضمّ بين ظهرانيها أكثر من 200 جنسية ولكنه اختار منها أربع جنسيات لا غير، فالأول، هو الخادم الهندي الشاب «أنيل» الذي لا يعرف شيئاً عن بلاده، والثاني هو العامل التبتي «تسو» الذي يحلم بالعودة إلى بلاده التي يتزامن احتلالها مع تاريخ ميلاده، والثالث هو مصطفى، المحامي المصري الذي جاء لمهمة محددة وسيعود بعدها إلى زوجته الأميركية «لورا» التي تعيش وتعمل ولاية مشيغان، أما الشخص الرابع فهو «نوّاف» الذي يُعدّ من أبناء البلد لكنه لا يمتلك الأوراق الرسمية التي تُثبت هُويته الإماراتية فظل عالقاً في الهامش ومدموغاً بصفة «البِدون» التي نجدها في أكثر من دولة خليجية.
تدور الأحداث على وفق البنية الزمانية لبضع ساعات تمتد من غروب الشمس حتى منتصف الليل ويظل الجميع متأهبين بانتظار النفير الذي يُخرجهم من عَتَمة الليل البهيم إلى إشراقة فجر جديد لم يألفوه من قبل. لم يختصر سعد القرش الزمان ببضع ساعات، ولم يعوّم المكان أو يقصُره فقط على مساحة الزورق كما جاء في الهيكل الروائي، وإنما تذهب الأحداث الحقيقية إلى أبعد من ذلك بكثير وتأخذنا إلى عام 332 ق.م حينما غزا الإغريق مصرَ وسطوا على أبحاثها ونظرياتها وكنوزها الثقافية المعروفة، وثمة إحالات إلى أزمنة متعددة تبدأ بالزمن السومري، وتمرّ بالحقبتين الجاهلية والأندلسية، ولا تنتهي عند زمن السياب الذي قال عن الخليج: «يا واهب اللؤلؤ والمَحار والردى». كما أنّ المكان يتشظى إلى أمكنة متعددة تبدأ بالهند والتبت وأميركا وهولندا ومصر لتأخذ الرواية طابعاً كونياً لا يحفل ببقعة محددة وإنما يحتفي بالأمكنة والأديان والثقافات كلها.
تنطوي كل شخصية من الشخصيات الأربع الرئيسية على معطيات محددة تساهم في نموّ كل واحدة منها على انفراد، ولا بد من إضافة شخصية خامسة وهي لورا الأميركية التي كانت تتواصل عبر الإنترنت مع المحامي المصري مصطفى قبل أن يرتبط بها ويتزوجها ثم يعود بها إلى موطنها الأصلي. ويبدو أن سعد القرش مولع بالثقافات الآخر مثل الثقافة الهندية والتبتية والرافدينية فلا غرابة أن يقتبس منها العديد من الآراء والمقولات التي يُدخلها في نسيج نصه الروائي، وخاصة الحكايات الغريبة والطريفة التي تعْلق بذاكرة القارئ. فالخادم الهندي أنيل يُحيلنا إلى بلد العجائب التي اختار منه الروائي كتاب «كاما سوترا» لمؤلفه فاتسيايانا الذي عدّتهُ لورا أجمل هدايا الهند إلى العالم لأنه يسلّط الضوء على طرق ممارسة الحُب والملذات الناجمة عنها. أما «تسو» التبتي فيأخذنا إلى عاصمة التبت «لاسا»، المدينة المقدّسة التي يحرّمون فيها القتال رغم أنّ الصينيين احتلوا التبت برمتها وألحقوها بدولتهم المترامية الأطراف. وقد التقط سعد القرش حكاية التنّين الذي دمّر آلاف الأديرة، وقتل مليوناً من الأبرياء، وقذف بالناجين منهم إلى المنافي فأصبح «تسو» بلا بلد يعود إليه بخلاف أنيل الذي يستطيع العودة إلى الهند في أي وقت يشاء.
تعتمد رواية «المايسترو» في نسيجها الداخلي على عدد من الوقائع والأحداث المتشظية إضافة إلى مجموعة غير قليلة من الحكايات والأشعار والاقتباسات التي أضاءت الأنساق السردية ومنحتها نكهة مختلفة تُحيل القارئ إلى الفضاء التبتي تارة مثل تقطيع الأجساد الميتة وتقديمها وليمة للطيور الجائعة، أو إلى الفضاء الجاهلي تارة أخرى حينما يتحدث أمرؤ القيس عن الملذات الإيروسيّة، وهناك تعالقات نصيّة تأخذنا حيناً إلى الزمن السومري حين يقول أحدهم: «نحن الشعراء مطرودون من هذا العالم»، وتعالقات أخرى تصحبنا حيناً آخر إلى العصر العباسي الذي أُنجِزت فيه رائعة «ألف ليلة وليلة» وغيرها من المخطوطات الأدبية والعلمية. وهناك تلاقحات مع الشعر والسينما والتاريخ والحكاية الأسطورية وما إلى ذلك الأمر الذي يقود النص السردي تشعّبات عمودية تُضعِف من نسقه الخطّي لأنها تعتاش على حساب قصة المتن الروائي التي تحتاج إلى نموّ وتسارع متواصلين كي يبلغا الذروة ثم يتحدرا صوب النهاية سواء أكانت متوقعة أم تكسر توقعات القارئ وتنسفها جملة وتفصيلاً. وربما تكون الرسالة التي بعثها ابن عبد الملك بن مروان إلى والي المدينة أنموذجاً ممتازاً للتلاقح الميتاسردي وذلك لانطوائها على عنصر المفارقة فثمة جُملة مهمة يقول فيها: «أحْصِ مَنْ قِبَلَكَ من المخنّثين» فقرأها الوالي «أخصِ» فأمر بإخصائهم ومنهم الدلاّل إلى آخر هذه الحكاية المعروفة التي تنطوي على قوة ميتاسردية تطّعم الرواية بأجواء جديدة تتيح للقارئ أن يتنقّل بين فضاءين سرديين أو أكثر تمنحه فرصة للقراءة المجازية، وعقد المقارنات، واستخلاص النتائج.
رغم تعددية الأصوات فإنَّ القارئ يخرج بنتيجة واضحة مفادها هيمنة شخصية المحامي مصطفى الذي يُمسك بعصا المايسترو وزوجته لورا على بقية الشخصيات الرئيسية والثانوية، فهما العمود الفقري للرواية، أما بقية الشخصيات فهي مؤازرة وتلعب دوراً ثانوياً يقتضيه النص السردي الذي «هاجر» إلى ضفة الخليج الغربية بسبب «أنيل» و«تسو» و«نوّاف» ولولا هؤلاء الثلاثة لكان المكان الأنسب لهذه الرواية هو «القاهرة» أو أي مدينة مصرية أخرى علماً بأن معطيات الشخصيتين اللتين تناصفتا البطولة تنسجم مع القاهرة تماماً، وتنتعش بفضائها المديني الذي يمتد منذ عصر الأهرامات الذي سبق الأديان كلها إلى يوم الناس هذا، فمصطفى محامٍ متفتح الذهن، ولورا امرأة كوزموبوليتانية بكل المقاييس أحبّت أستاذها ذات يوم وأنجبت منه ولداً، وافترقت عنه لتجد ضالتها في هذا المحامي المصري الذي أحبّها، وأحيّاها من جديد إلى الدرجة التي جعلها ترى جسدها بعينيه ولمسات يديه.
وبما أنّ النص «مُهاجر» إلى الخليج فقد شاءت اللُعبة السردية أن تبدأ الأحداث قبل مغيب الشمس وتنتهي عند منتصف الليل وأن تجتمع الشخصيات الأربع ثم يتفرّق شملها إثر حادثة سقوط امرأة من اليخت الكبير إلى الماء وأوشكت أن تغرق لكنهم أنقذوها وأفرغوا جوفها من الماء، وأوصلوها إلى المطار.
لم تغادر الرواية واقعيتها حتى عندما لعب مصطفى دور الكفيف وخرج منه بقلادة منقوش عليها جملة «وتمّت نعمة ربك» فقد ظل هذا المشهد الطويل نسبياً في إطاره الفنتازي الذي يكسر رتابة النمط السردي ويمنحه لوناً آخر يأخذ القارئ إلى دائرة المفاجأة والإدهاش.
تحتاج شخصية لورا إلى دراسة منفردة لأنها تعيد أواصر اللقاء بين الشرق والغرب فهي متخصصة بدراسات الشرق الأوسط، وقد أحبّت مصرياً، وهي أيضاً مولعة بالآثار المصرية والتي لم تجد صعوبة في الاندماج بالمجتمع المصري رغم الفروقات الاجتماعية والثقافية والدينية.



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!