بيدرسون يحذر من «كارثة إنسانية» في إدلب

واشنطن تطالب بوقف فوري للقتال... وتخوف أممي من الاشتباكات السورية ـ التركية

TT

بيدرسون يحذر من «كارثة إنسانية» في إدلب

حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون من «كارثة إنسانية» تشهدها إدلب، غداة الهجمات التي تشنها القوات النظامية السورية بدعم روسي والصدامات العسكرية مع القوات التركية، مؤكداً أنه ليس لديه «حل سحري» للتطورات الجارية في هذه المحافظة، في ظل ارتفاع الأصوات من أجل الوقف الفوري للعمليات القتالية.
وخلال جلسة طارئة دعت إليها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، قدم المبعوث الدولي بيدرسون إحاطة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من جنيف لأعضاء مجلس الأمن في نيويورك، مشيراً إلى أن «الهجمات العنيفة جواً وبراً تسببت بموجات هائلة من النزوح بين المدنيين». وقال: «نحن نشهد كارثة إنسانية متفاقمة»، مذكراً بأن تركيا وروسيا اتفقتا على وقف النار بين القوات التركية والسورية في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي. بيد أن «الاشتباكات العنيفة وعمليات القصف المتبادل استمرت بعد ذلك». وتحدث عن الهجوم الذي شنته القوات السورية على الأجزاء الجنوبية الشرقية من منطقة خفض التصعيد في إدلب، وسيطرتها على بلدة معرة النعمان، مضيفاً أن «هيئة تحرير الشام» وغيرها من جماعات المعارضة المسلحة قامت بشنّ هجمات مضادة، بما في ذلك في غرب حلب ومدينة الباب بشمال حلب. وأشار إلى التقارير عن طائرات من دون طيار هاجمت منشآت عسكرية سورية وروسية؛ ما أدى إلى مقتل عسكريين روس، فضلاً عن اشتباك قوات تركية وسورية مباشرة داخل سوريا. وكرر تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن «هذه التطورات الأخيرة تشكل تغييراً في طبيعة النزاع». وقال أيضاً: «يبدو أننا فقدنا مبدأ التناسب»، مذكراً بأن الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، ومنها المدارس ومرافق الرعاية الصحية «غير مقبولة». ووصف انتقال مقاتلي «هيئة تحرير الشام» وغيرها من الجماعات الإرهابية إلى إدلب بأنه يمثل «تحدياً كبيراً».
وشدد بيدرسون على أنه «لا يدعي» أن لديه «حلاً سحرياً» لإدلب. لكنه عبّر عن قناعته بأن «محاولة جادة للتعاون الدولي يمكن إيجاد حل، بناءً على الاتفاقات السابقة». واعتبر أن «هناك حاجة ملحة إلى قاعدة مستدامة وفورية لإيصال المساعدات الإنسانية من دون قيود إلى السكان المدنيين»، بالإضافة إلى «الحاجة إلى احتواء الموقف لإتاحة وقت إضافي للحلول»، مع وجوب «تعزيز التواصل مع السكان المدنيين». وأضاف أن «مسألة المقاتلين الأجانب تحتاج إلى معالجة مباشرة». وأكد أنه «يجب فرض المزيد من القيود على المجموعات المنصفة (إرهابية) والمحظورة دولياً»، معتبراً أن «أي استخدام للقوة ضد الجماعات المحظورة دولياً يجب أن يحصل بعناية». ورأى أنه «يمكن استكشاف الوجود الدولي جدياً بموافقة السلطات السورية». وناشد الأطراف وقف كل الأعمال العدائية، معتبراً ذلك «واجباً إنسانياً والسبيل لمواجهة الإرهاب بشكل فعّال».
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارك لوكوك، إن «الكارثة الإنسانية في شمال غربي سوريا تصاعدت إلى حد كبير»، عازياً الأسباب إلى القصف والغارات الجوية على عشرات المجتمعات. وأضاف أن «التأثير على المدنيين كان قاسياً؛ إذ قتل 373 مدنياً منذ 1 ديسمبر (كانون الأول)، وسجلت 49 حالة وفاة بين 1 فبراير (شباط) و5 منه. وقتل ثلاثة من العاملين في المجال الإنساني من المنظمات الشريكة للأمم المتحدة. في حين جرى الإبلاغ عن الكثير من الهجمات قرب الخطوط الأمامية، حيث حصل تصعيد في المراكز المدنية الكبرى، مع «واحدة من أخطر الحوادث في الشهرين الماضيين في 15 يناير، عندما يعتقد أن نحو 19 مدنياً قُتلوا خلال غارة جوية على سوق للخضراوات في إدلب. وقال إن أكثر من 95 في المائة من حالات قتل المدنيين تمت في مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة. وكشف عن أن العنف أجبر مئات الآلاف من المواطنين على التنقل بحثاً عن الأمان، مقدراً عدد النازحين بـ586 ألف شخص خلال الشهرين الماضيين، 200 ألف نزحوا خلال الأيام الثمانية بين 26 يناير و2 فبراير، معظمهم أطفال.
وقالت المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة كارين بيرس، إن «الأشخاص الذين فروا من القتال في حلب في اتجاه إدلب يجدون أنفسهم الآن تحت هجوم أكبر»، منددة باستمرار انتهاك القانون الإنساني الدولي «حيث يواجه الملايين الآن أزمة حماية».
وأفادت نظيرتها الأميركية، كيلي كرافت، بأنها «تشعر بالفزع إزاء تصاعد العنف الذي يمارسه نظام الأسد في شمال غربي سوريا، وهو عنف متعمد ومميت ضد آلاف الأبرياء»، مضيفة أنه «إذا كان للمجلس أن يحافظ على قدر من الصدقية، فلن يستطيع تجاهل القرارات التي يتخذها». وأشارت إلى أن المجلس اعتمد القرار 2254 بالإجماع، معتبرة أن «كل عناصره الآن على مفترق، حيث يتطلب الوضع في شمال غربي سوريا وقف إطلاق نار فورياً وشاملاً وقابلاً للتنفيذ». وأكدت أن الإجراءات التي تتخذها روسيا وإيران «تحول دون الوثوق بهما».
ووافق المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفير على أن «الاستراتيجية المؤسفة للنظام السوري دخلت مرحلة جديدة في الأشهر الأخيرة»، واصفاً أحدث الهجمات على إدلب بأنها «غير مسبوقة من حيث الحجم (...)، وأدت إلى طرد مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع». ووصف نظيره الألماني كريستوف هيوسيغن ما يحصل في إدلب بأنه «مرادف للمذبحة».
أما المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، فقال إن «اجتماعات مجلس الأمن غير المقررة تتبع نمطاً» وتجري الدعوة إليها «فقط عندما يكون الإرهابيون في سوريا تحت التهديد، وعندما تكون الحكومة السورية تستعيد سيطرتها على أراضيها». وأفاد بأنه بين ديسمبر 2019 ويناير 2020، استولت «هيئة تحرير الشام» على منطقة خفض التصعيد، معدداً أكثر من 1400 هجوم إرهابي في نهاية عام 2019.
واتهم المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري تركيا بـ«العدوان» والقيام بأعمال «نهب في بلاده، مطالباً مجلس الأمن بـ«الاضطلاع بمسؤولياته وإرغام النظام التركي على وقف دعمه الإرهاب في سوريا ووقف توطين إرهابيين أجانب داخل أراضي سوريا». وتساءل عن أسباب «تقاعس» المجلس، على رغم أن «النظام التركي أدخل المزيد من قواته وآلياته الثقيلة إلى إدلب». ورأى أن تحسين الوضع الإنساني «يتطلب وقف دعم الإرهاب والعدوان والاحتلال».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».