ألمانيا تتحرك دبلوماسياً في ليبيا لـ«إنقاذ» نتائج مؤتمر برلين

TT

ألمانيا تتحرك دبلوماسياً في ليبيا لـ«إنقاذ» نتائج مؤتمر برلين

سعت ألمانيا أمس إلى تنشيط دبلوماسيتها مجدداً في ليبيا، بعدما أعلن وزير خارجيتها هايكو ماس أن بداية المحادثات مع طرفي النزاع هي «علامة جيدة»، لافتا إلى أن بلاده ستواصل بالتعاون مع الأمم المتحدة العمل على تنفيذ نتائج مؤتمر برلين الدولي، الذي عقد الشهر الماضي لحل الأزمة الليبية.
وقال ماس في بيان مقتضب لوزارة الخارجية الألمانية: «سنستضيف الاجتماع الأول للجنة المتابعة في 16 من الشهر الجاري في ميونيخ».
وتنقل وفد ألماني رفيع المستوى، ضم مدير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الألمانية، وسفيري ألمانيا الحالي والسابق في ليبيا، بين شرق ليبيا وغربها في محاولة جديدة لإقناع الطرفين بالمضي قدما في العملية السياسية التي تمخض عنها مؤتمر برلين.
وقال فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، إن الوفد الذي التقاه أمس في العاصمة طرابلس، أكد حرص ألمانيا على تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، ومساعدة الشعب الليبي على اجتياز الأزمة الراهنة، والعمل مع حكومة «الوفاق» لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.
وبعدما أعرب عن تقديره لجهود المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، تحدث السراج عن الخروقات التي وقعت من طرف من وصفها بالميليشيات المعتدية. في إشارة إلى قوات الجيش الوطني منذ مؤتمر برلين، وشملت قصف الأحياء السكنية والمنشآت المدنية على مدار الأيام الماضية، كان آخرها مساء أول من أمس، والتي تسببت في وقوع ضحايا من المدنيين.
وقال السراج وفقا لبيان وزعه مكتبه أمس إن التدخلات الخارجية، الداعمة للعدوان لم تتوقف، وما زالت الأسلحة تتدفق على الميليشيات المعتدية في انتهاك لمقررات برلين، معتبرا أن غياب الموقف الدولي الحازم يشجع المعتدي على التنصل من الالتزام بمخرجات برلين، حيث سبق أن أفسد كل المبادرات والمحاولات التي طرحت لتحقيق السلام، وأكد أن استمرار هذه الانتهاكات «قد تجعلنا نعيد النظر في المشاركة في أي حوار».
بدوره أوضح محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة «الوفاق» أنه تلقى مساء أول من أمس اتصالا هاتفيا من جان هيكر، مستشار الشؤون السياسية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إطار التشاور بشأن اجتماعات اللجنة العسكرية في جنيف، مشيرا إلى أن الاتصال تناول التحضير لاجتماع وزراء الخارجية المتوقع أن يعقد في برلين خلال منتصف الشهر الحالي لاستكمال المشاورات، حول آليات تنفيذ ما جاء في خطة برلين، المنبثقة عن اجتماع القمة، الذي عقد خلال الشهر الماضي بخصوص الأزمة الليبية.
وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد مساء أول من أمس مشاورات مغلقة بشأن قرار اعتماد مخرجات مؤتمر برلين، الذي عُقد الشهر الماضي، لكن اعتراض روسيا وجنوب أفريقيا أفشل مشروع القرار، الذي تبنته بريطانيا بعد جدل حول استبدال فقرة تتعلق بإعراب المجلس عن قلقه من الانخراط المتزايد للمرتزقة في ليبيا، إلى «مقاتلين إرهابيين أجانب».
ونقل الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة عن مندوب بلجيكا الدائم لدى الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، مارك بيكستين، أن المباحثات كانت مفيدة، وقال: «لدي شعور بأننا قريبون من التوصل لقرار. ولكن هناك بعض الجهود التي يجب القيام بها».
وأضاف بيكستين موضحا أن الجهود لا تزال متواصلة على هذا الصعيد، لافتا إلى أنه دعا جميع الأعضاء إلى إظهار مرونة من أجل الخروج بقرار لاعتماد مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا.
بدورها، قالت المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس: «سنسخر طاقاتنا في إقناع أولئك الخارجين عن الصف ليوافقوا على ما يمكن أن أقول عنه إنه صيغة جيدة تأخذ بالحسبان وجهات نظر جميع أعضاء مجلس الأمن»، مشيرة إلى أن البعض أبدى ملاحظات حول مشروع القرار. ورفضت بيرس التعليق على «المرتزقة»، لكنها قالت إن هذه الكلمة «وردت في سياق بيانات سابقة صدرت عن المجلس تتعلق بليبيا».
واعترضت روسيا وجنوب أفريقيا على نص المشروع البريطاني، الذي عُرض على أعضاء مجلس الأمن، وطالبتا إدخال تعديلات عليه، تشمل تعديل فقرة «قلق (المجلس) إزاء الانخراط المتزايد للمرتزقة في ليبيا»، واستبدال عبارة مرتزقة بـ«مقاتلين إرهابيين أجانب».
ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية فقد أصبح النص البريطاني أمام احتمالين: إما إجراء محادثات جديدة بين أعضاء مجلس الأمن، وإما إصرار بريطانيا على إجراء التصويت على مسودتها، التي يمكن أن تستخدم روسيا حق النقض لمنع إقرارها.
وبدا أن حكومة السراج مستاءة من الزيارة، التي قام بها أول من أمس وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم للمنطقة الشرقية، حيث التقى كبار المسؤولين هناك.
ونقلت وسائل إعلام محلية موالية للحكومة عن مصدر بوزارة الخارجية التابعة لها «اعتذرنا أمس لوزير الخارجية الجزائري حول طلب زيارة رسمية لطرابلس»، دون أن يكشف مبرر الاعتذار المفاجئ.
ميدانياً، أعلنت أمس، عملية بركان الغضب التي تشنها الميليشيات الموالية لحكومة السراج عن مقتل مواطنيْن وإصابة آخرين نتيجة سقوط قذائف، وقالت إن قوات «الجيش الوطني» أطلقتها على منطقة الهضبة مساء أول من أمس، فيما وصفته بخرق جديد ومتكرر لوقف إطلاق النار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».