الأمراض المعدية الجديدة... تأتي من الحياة البرية

فيروس كورونا الجديد الأخير في قائمة تضم الإيدز وإنفلونزا الطيور والخنازير وسارس وإيبولا

أحدث الإحصائيات (حتى الساعة 12 نهار يوم أمس) عن ضحايا وإصابات فيروس «كورونا» الجديد يقدمها موقع (https://www.worldometers.info/coronavirus)
أحدث الإحصائيات (حتى الساعة 12 نهار يوم أمس) عن ضحايا وإصابات فيروس «كورونا» الجديد يقدمها موقع (https://www.worldometers.info/coronavirus)
TT

الأمراض المعدية الجديدة... تأتي من الحياة البرية

أحدث الإحصائيات (حتى الساعة 12 نهار يوم أمس) عن ضحايا وإصابات فيروس «كورونا» الجديد يقدمها موقع (https://www.worldometers.info/coronavirus)
أحدث الإحصائيات (حتى الساعة 12 نهار يوم أمس) عن ضحايا وإصابات فيروس «كورونا» الجديد يقدمها موقع (https://www.worldometers.info/coronavirus)

في السنوات الخمسين الماضية، انتشرت مجموعة كبيرة من الأمراض المعدية من الحيوانات إلى البشر بسرعة بعد تعرضها للطفرات وللعمليات التطويرية evolutionary jump. ففي الثمانينيات، نشأت أزمة فيروس نقص المناعة البشرية - الإيدز من القردة، وفي 2004 - 2007 جاء وباء إنفلونزا الطيور avian flu من الطيور، وفي عام 2009 انتشر وباء إنفلونزا الخنازير swine flu. وفي الآونة الأخيرة بداية القرن الحالي، تم اكتشاف متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس Sars) ثم إيبولا Ebola من الخفافيش، والآن يستمر البحث حول فيروس كورونا ووهان الجديد (2019 - nCoV).

- أمراض الحيوانات
وغالبا ما يصاب البشر بأمراض من الحيوانات، ومعظم الأمراض المعدية الجديدة تأتي من الحياة البرية، ويسرع هذه العملية التغير البيئي، كما وأن سرعة السفر بين الدول تساعد على انتشار هذه الأمراض بسرعة أكبر. وهذا مما يشير إلى خطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها الحيوانات، ومن المحتمل أن تزداد هذه المشكلة أكثر في المستقبل لأن تغير المناخ والعولمة يغيران طريقة تفاعل الحيوانات والبشر.
وقد أشار تقارير صحافية إلى أن التغير البيئي والمناخي يؤديان إلى إزالة أو تغيير منازل وأماكن الحيوانات وتغيير طريقة عيشها وأين تعيش ومن يأكل الآخر منها. وأيضا، قد تغيرت الطريقة التي يعيش بها البشر - حيث يعيش 55 في المائة من سكان العالم الآن في المدن، مقارنة بـ35 في المائة قبل 50 عاماً. وتوفر المدن الكبرى منازل جديدة للحياة البرية - الجرذان، الفئران، الراكون، السناجب، الثعالب، الطيور، القرود - والتي يمكن أن تعيش في المساحات الخضراء مثل الحدائق، وفي النفايات التي يتركها البشر وراءهم. وغالباً ما تكون أنواع الحياة البرية أكثر نجاحاً في حياتها في المدن منها في البرية بسبب وفرة الإمدادات الغذائية، مما يجعل المساحات الحضرية وعاء ذوبان للأمراض المتطورة.

- أخطار الإصابة
من هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض من الحيوانات؟ يقول البروفسور تيم بينتون Prof Tim Benton رئيس برنامج الطاقة والبيئة والموارد ومدير الأبحاث في فريق المخاطر الناشئة في معهد تشاثام هاوس Chatham House الملكي ببريطانيا، أن معظم الحيوانات تحمل مجموعة من مسببات الأمراض، البكتيريا والفيروسات، التي يمكن أن تسبب المرض، وأن البقاء التطوري للمرض يعتمد على إصابة كائنات حية مضيّفة جديدة أو «مضيفين» hosts جدد - ولذا فإن القفز إلى الأنواع الأخرى هو إحدى الطرق لتحقيق ذلك.
وفي المقابل، فإن أجهزة المناعة في المضيف الجديد new host›s immune systems تحاول القضاء على مسببات الأمراض، وهذا يعني أن الاثنين محبوسان في لعبة تطورية أبدية لمحاولة إيجاد طرق جديدة لقهر بعضهما البعض. على سبيل المثال، توفي نحو 10 في المائة من المصابين خلال وباء سارس عام 2003 مقارنة مع أقل من 0.1 في المائة لوباء الإنفلونزا النموذجي. وفقا لمركز الوقاية من الأمراض الأوروبي (European Center for Disease Prevention and Control).
إن الأمراض الجديدة في كائن حي مضيف جديد، غالباً ما تكون أكثر خطورة، وهذا ما يعطي الأهمية لأي مرض ناشئ. بعض المجموعات أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض من غيرها، فمن الأرجح أن يعمل سكان المدن الأكثر فقراً في مجال النظافة والصرف الصحي، مما يعزز فرصهم في مواجهة المصادر وناقلات الأمراض. وقد تكون أجهزة المناعة لديهم، أيضاً، أضعف بسبب سوء التغذية والتعرض للهواء الملوث أو الظروف غير الصحية الأخرى، وإذا مرضوا فقد لا يكونون قادرين على تحمل تكاليف الرعاية الطبية.
كما يمكن أن تنتشر العدوى الجديدة بسرعة في المدن الكبرى بسبب الازدحام الشديد - يتنفسون نفس الهواء ويلمسون نفس الأسطح، وفي بعض الثقافات، يستخدم الناس أيضاً الحياة البرية في المناطق الحضرية.

- فيروس كورونا الجديد
حول انتقال فيروس كورونا الجديد من الحيوان إلى الإنسان تحدث إلى «صحتك» الدكتور- مجدي بن حسن الطوخي استشاري الصحة العامة والأمراض المعدية ومدير إدارة الصحة والبيئة بالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة ومؤلف أول كتاب باللغة العربية عن سارس وإيبولا– مؤكدا أن السبب الرئيسي وراء تفشي الفيروس الجديد في الصين هو العلاقة التغذوية بين الإنسان والحيوان حيث يعتمد السكان في الصين في غذائهم على لحوم الحيوانات البرية وخاصة الخفافيش وقطط زباد النخيل Asian Palm Civet وهذا يمثل خطورة كبيرة بسبب فرصة انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ Zoonotic diseases من الحيوان إلى الإنسان ومنها الكورونا والإيبولا.
ويرجع انتشار الإصابات في إقليم ووهان في جنوب الصين إلى إحدى أسواق المأكولات البحرية وبيع الحيوانات الحية والتي يقبل عليها السكان بشكل كبير ونتيجة لذلك فقد تم إغلاق السوق وفرض الحجر الصحي على كامل الإقليم. وأضاف أن سبب تسمية الفيروس الحالي (بالجديد) أن التسلسل الجيني للفيروس غير معروف إلى الآن على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية قد أفادت في وقت لاحق أن الباحثين قد تمكنوا من عزل الفيروس المسبب للمرض من جسم أحد المصابين وهناك محاولات لتحديد التسلسل الجيني للفيروس المعزول.
* كيف تحدث الإصابة بفيروس كورونا الجديد؟ يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن الإصابة تحدث عندما يهاجم الفيروس الخلايا الطلائية الهدبية Ciliated epithelial cells في منطقة الأنف والبلعوم من خلال مستقبلات أمينو ببتيداز Aminopeptidase N receptors أو مستقبلات حمض السياليك Sialic acid. وعند مهاجمة الفيروس للخلايا تحدث الانقسامات الداخلية ويؤدي ذلك إلى تلف الخلايا الطلائية ثم تنطلق خلايا الكيموكاينز Chemokines والإنترلوكينز Interleukins وهي خلايا بروتينية متناهية الصغر لها دور مهم في سير رد الفعل المناعي للجسم، ويعقب ذلك ظهور أعراض المرض والتي تتشابه مع أعراض الإنفلونزا.
أما في حالة إصابة الجهاز التنفسي فتكون عن طريق مستقبلات إنزيم أنجيوتنسن 2 المتحول Angiotensin converting enzyme 2 receptor وفي هذه الحالة يمكن الكشف عن الفيروس في الدم والبول. وهناك اعتقاد كبير بين العلماء والباحثين أن المسبب هو نوع جديد من عائلة الفيروس التاجي فيروس الكورونا (coronavirus).
وبمقارنة التسلسل الجيني للفيروس، ظهرت النتائج التي تفيد بالتشابه بينه وبين فيروس سارس الذي انتشر في الصين أعوام 2002 و2003.
وإذا افترضنا التشابه بين الكورونا الجديد مع السارس، فنذكر أن سارس هو أحد أفراد عائلة الفيروسات التاجية والتي تصيب الإنسان والحيوان والطيور ويتميز هذا الفيروس بأنه من النوع المغلف Enveloped وحيد الجديلة Single stranded ويبلغ قطره 80 - 130 نانوميترا وطوله 30 كيلوبايت وينقسم في داخل سيتوبلازم الخلايا المصابة. يحتوي على مورث غير مجزأ من الأحماض النووية (الرانا) RNA (7x10 6 دالتون) ويوجد الغطاء النووي Nucleocapsid حلزونيا Helical في قطر يبلغ 7 - 9 نانوميترات داخل الدقيقة الفيروسية، والدقائق متغيرة الشكل Pleomorphic.

- الملامح الإكلينيكية
تسبب فيروسات كورونا بشكل عام أعراضا تشبه الإنفلونزا، حيث تصيب المسالك التنفسية، وتسبب أيضاً رشحاً التهابياً وإفرازات أكثر مما ينتج عن الفيروسات الأنفية ويحدث أيضا التهاب في البلعوم. وعلى النقيض من الفيروسات الأنفية، فإنها يمكن أن تصيب المسالك التنفسية السفلى، مسببة أعراض الالتهاب الرئوي الشهيرة التي تتضمن الحمى، الألم في الصدر عند التنفس أو السعال، الغثيان والإسهال.
وفي السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC بأميركا قانون مراقبة السفر من الدرجة الأولى، مع التوصيات التالية:
* غسل الأيدي جيداً.
* تجنب الحيوانات، وأسواق الحيوانات.
* التحذير من التواصل مع الأشخاص الذين تبدو عليهم الأعراض المذكورة أعلاه.

- فيروس شديد... وجهود لدرء وبائه
> ما هي قوة عدوى فيروس كورونا ووهان؟ يشار إلى معدل الهجوم وقابلية الانتقال والعدوى (مدى انتشار المرض) للفيروس من خلال رقمه التكاثري (Reproductive number، Ro)، والذي يمثل متوسط عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض من شخص واحد مصاب.
وتشير دراسة أكثر حداثة للدكتور زيدونغ كاو Zhidong Cao وزملائه، في 29 يناير 2020 إلى أن معدل Ro الفعال يصل إلى 4.08، وهي نسبة تتجاوز قيمتها إلى حد كبير تقديرات منظمة الصحة العالمية (التي أجريت في 23 من الشهر نفسه) بين 1.4 و2.5، وكذلك التقديرات الحديثة بين 3.6 و4.0. وبناءً على هذه الأرقام، تقوم كل حالة من حالات فيروس Novel Coronavirus المؤكدة بإنشاء وخلق، في المتوسط، 3 إلى 4 حالات جديدة. وأي وباء متفش سوف يختفي تدريجياً إذا كان رقمه التكاثري أقل من 1 (Ro<1)، ومثال ذلك الإنفلونزا الشائعة. وقد بُذلت جهود مكثفة لاحتواء الوباء منها: بناء مستشفى جديد في مدينة ووهان، في ثمانية أيام، يسع لعلاج 1000 من المصابين بالفيروس، والانتهاء من بناء مستشفى ثان في ليشنشان يوم الأربعاء الماضي 5 فبراير (شباط).
وأعلنت تايلاند توصلها لعلاج يشفي من مرض فيروس كورونا. وتتعاون شركة الأدوية البريطانية «غلاكسوسميثكلاين بي إل سي»‭‭‭‭ ‬‬‬‬مع «التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة»؛ للمساهمة في جهود تطوير لقاح مضاد لتفشي فيروس كورونا.‬‬‬‬
> مستجدات فيروس كورونا ووهان الجديد حتى لحظة تحرير المقال
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا حالة طارئة عالميا للصحة العامة. ووفقا لموقع العالم مترز worldometers.info-coronavirus-) و(الموقع الرسمي لشبكة تلفزيون الصين العالمية CGTN.com) حتى 4 فبراير 2020:
وفقاً لموقع العالم مترز worldometers.info-coronavirus والموقع الرسمي لشبكة تلفزيون الصين العالمية CGTN.com
6 فبراير (شباط) 2020:
عدد الحالات المؤكدة: 28.349. منها 3.863 (14 في المائة) حالتهم حرجة
> عدد الوفيات: 565 (نسبة الوفاة 2 - 3 في المائة)،
> عدد المتعافين: 1387
> معدل الإصابة: 3 - 4 إصابات جديدة من كل حالة واحدة مؤكدة.
> ظهور حالة جديدة واحدة في أستراليا، حالتين في تايوان، 1 حالة في هونغ كونغ، وحالتين في ماليزيا.
> عدد الدول التي وصلها الوباء: 28 دولة.
وأخيراً، من الملاحظ أن المجتمعات والحكومات تميل إلى التعامل مع كل مرض معد جديد على أنه أزمة مستقلة، بدلاً من إدراك أنها من أعراض كيفية تغير العالم، لأنه كلما قمنا بتغيير البيئة، زاد احتمال تعكيرنا في تعطيل النظم الإيكولوجية وتوفير فرص ظهور المرض. تم توثيق نحو 10 في المائة فقط من مسببات الأمراض في العالم، ولا زلنا بحاجة إلى مزيد من الموارد لتحديد الـ90 في المائة الباقية - وتحديد الحيوانات التي تحملها. على سبيل المثال، كم عدد الفئران الموجودة في لندن وما هي الأمراض التي تحملها؟
إن الأمر يتعلق بتغيير طريقة إدارة بيئاتنا وكيفية تفاعل الناس معها. فكثير من سكان المدن يقدرون الحياة البرية في المناطق الحضرية ولكن يجب عليهم أن يدركوا أيضاً أن بعض الحيوانات تحمل أضراراً محتملة. وعلى المسؤولين تتبع الحيوانات التي تصل حديثاً إلى المدن وما إذا كان الناس يرعونها في منازلهم أو يأكلونها أو يجلبونها إلى الأسواق.
وأيضا، فإن تحسين الصرف الصحي والتخلص من النفايات ومكافحة الآفات هي طرق للمساعدة في وقف عدوى هذه الأمراض وانتشارها.

- استشاري في طب المجتمع


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور
TT

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور

تُختتم في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر (كانون الأول)، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية بعنوان «المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي ودوره في مستقبل الرعاية الصحية»، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة، وذلك بعد 3 أيام حافلة بالمناقشات العلمية العميقة وعروض الدراسات المبتكرة، التي تركزت جميعها على دور الطب التقليدي والتكميلي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة.

جائزة الشيخ زايد العالمية

في حفل بهيج ومتميز وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، تم توزيع جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي (TCAM)، التي جاءت كإشادة بالجهود العالمية المتميزة في هذا المجال، مسلطة الضوء على إنجازات الأفراد والمؤسسات التي ساهمت في تطوير الطب التقليدي والتكميلي ودمجه مع الممارسات الصحية الحديثة.

تُعد هذه الجائزة منصة عالمية تهدف إلى تعزيز أهمية الطب التقليدي والتكميلي ودوره المستقبلي في النظم الصحية. تم توزيع الجوائز على الفائزين في 5 فئات رئيسية، وهي:

- الباحثون: تكريم للأبحاث التي أحدثت فرقاً ملموساً في تطوير العلاجات التقليدية والتكميلية.

- الأكاديميون: الذين ساهموا في تعليم وتطوير الطب التقليدي والتكميلي عبر برامج تدريبية مبتكرة.

- الممارسون المرخصون: تقديراً لجهودهم في تقديم رعاية طبية آمنة وفعّالة.

- الشركات المصنعة: التي ساهمت في تطوير منتجات عشبية ومكملات غذائية مستدامة وآمنة.

- الهيئات الإعلامية: التي ساهمت في نشر الوعي الصحي بأسلوب فعال ملهم ومؤثر.

أكدت الجائزة على أهمية الابتكار والبحث العلمي في تعزيز التكامل بين الطب التقليدي والحديث، مما يعكس رؤية القيادة في تحقيق مستقبل صحي أكثر استدامة.

جانب من الحضور

أبرز الدراسات في المؤتمر

في إطار التطور العالمي المتسارع في الطب التقليدي والتكميلي، تبرز الدراسات العلمية كأداة رئيسية لفهم أثر هذا المجال في تحسين الرعاية الصحية. يعكس هذا الاهتمام الدولي أهمية الطب التقليدي والتكميلي كجزء من النظم الصحية المتكاملة.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من الدراسات العلمية المتنوعة التي نوقشت في المؤتمر والتي تقدم رؤى عميقة حول التطبيقات السريرية والفوائد الصحية للطب التقليدي والتكميلي:

* تقنية النانو في تحسين الأدوية الطبيعية. استعرض الأستاذ الدكتور شاكر موسى، وهو زميل الكلية الأميركية لأمراض القلب والكيمياء الحيوية وزميل الأكاديمية الوطنية للمخترعين، في دراسته التي قدمها في المؤتمر، الدور الرائد لتقنية النانو في تحسين فاعلية الأدوية الطبيعية وتطوير المستحضرات الصيدلانية. أوضح أن خصائص تقنية النانو في الطب تتمثل في تصميم جزيئات دقيقة جداً (تتراوح بين 1-100 نانومتر)، مما يمنحها خصائص فريدة، مثل:

- القدرة على استهداف المناطق المصابة بدقة: بفضل صغر حجم الجسيمات النانوية، يمكنها التغلغل بسهولة في الخلايا والأوعية الدقيقة.

- التفاعل الحيوي العالي: تمتاز الجسيمات النانوية بقدرتها على تحسين امتصاص الأدوية الطبيعية في الجسم، مما يزيد من فاعليتها.

- التخصيص الدقيق: تتيح هذه التقنية تصميم مستحضرات طبية يمكنها التفاعل مع مستقبلات محددة على سطح الخلايا المريضة فقط.

أوضح الدكتور موسى كيف يمكن لتقنية النانو تعزيز كفاءة الأدوية الطبيعية من خلال:

- زيادة الامتصاص الحيوي: تعمل الجسيمات النانوية على تحسين امتصاص المركبات الطبيعية مثل الكركمين والبوليفينول، والتي عادةً ما يتم امتصاصها بصعوبة في الجهاز الهضمي.

- تقليل الجرعات العلاجية: من خلال إيصال الدواء مباشرة إلى الأنسجة المستهدفة، يمكن تقليل الجرعات المستخدمة، وبالتالي تقليل السمية والآثار الجانبية.

- تعزيز فاعلية الأدوية المضادة للأمراض المزمنة: أظهرت الدراسة أن تقنية النانو قادرة على تحسين العلاجات الطبيعية المستخدمة لمكافحة السرطان وأمراض القلب، مما يتيح تأثيراً أكبر بجرعات أقل.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد أهم فوائد تقنية النانو، الحد من الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة أثناء العلاج. على سبيل المثال:

- في العلاج الكيميائي التقليدي، يعاني المرضى عادة من تأثير الأدوية على الخلايا السليمة.

- باستخدام تقنية النانو، يمكن تصميم جزيئات تستهدف فقط الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من راحة المرضى.

واختتم الدكتور موسى محاضرته بتوصيات هامة:

- زيادة الاستثمار: دعا إلى تعزيز الاستثمار في أبحاث تقنية النانو وتطوير مختبرات متخصصة.

- التعاون الدولي: أشار إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتسريع تطوير العلاجات الطبيعية المعتمدة على تقنية النانو.

- التنظيم والتشريعات: شدد على ضرورة وضع لوائح تنظيمية واضحة لضمان سلامة وفاعلية الأدوية المعتمدة على تقنية النانو.

علاج الغرغرينا السكرية بالأعشاب

* علاج الغرغرينا السكرية بالأدوية العشبية وباستخدام العلق الطبي. استعرض البروفيسور س. م. عارف زيدي تجربة سريرية مبتكرة لعلاج الغرغرينا السكرية، وهي حالة شائعة لدى مرضى السكري تتطلب في كثير من الأحيان بتر الأطراف. ركزت الدراسة على استخدام مستخلصات عشبية مثل النيم، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، مع العلاج بالعلق الطبي، وهو أسلوب يستخدم العلق لتحسين الدورة الدموية بفضل اللعاب الخاص الذي يحتوي على مضادات تخثر وإنزيمات تساعد في تنظيف الجروح وتحفيز الشفاء. أظهرت النتائج شفاءً كاملاً لمريضة خلال 3 أشهر، مع تحسن ملحوظ في الحالة الصحية العامة وتقليل الألم والالتهابات. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للعمليات الجراحية، ويوفر حلاً منخفض التكلفة مقارنة بالإجراءات التقليدية.

الرياضة والتدليك

* تمارين رياضية لتقوية عضلات قاع الحوض لعلاج سلس البول. استعرضت الدكتورة عائشة بروين فاعلية تمارين تقوية عضلات قاع الحوض كعلاج طبيعي لسلس البول لدى النساء. ركزت الدراسة على مجموعة من التمارين المستهدفة التي تهدف إلى تحسين مرونة وقوة العضلات الداعمة للمثانة. أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي التزمن بالتمارين سجلن تحسناً ملحوظاً في تقليل تسرُّب البول وتحسين جودة حياتهن. كما أكدت أن هذه التمارين تعد خياراً آمناً وغير جراحي، يناسب النساء من مختلف الأعمار. وأوصت الدراسة بتطوير برامج تدريبية على مستوى المراكز الصحية لتوعية النساء بفاعلية هذه التمارين، مع توفير الإرشادات اللازمة لضمان تطبيقها بطريقة صحيحة.

* تقنيات العلاج التدبيري للاضطرابات العضلية الهيكلية. قدم الدكتور محمد أنور دراسة حول استخدام الحجامة والتدليك في علاج الاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل التهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر. تضمنت الدراسة تحليلاً لنتائج المرضى الذين تلقوا العلاج بالحجامة والتدليك إلى جانب العلاج الطبيعي الحديث. أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في مستويات الألم وتحسناً في حركة المفاصل، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المسكنة التي قد تسبب آثاراً جانبية طويلة الأمد. وأوصى الدكتور أنور بدمج هذه العلاجات التقليدية مع الأساليب الحديثة، مشيراً إلى أن مثل هذا التكامل يمكن أن يحقق فوائد علاجية أكبر ويعزز من راحة المرضى ويقلل من تكلفة الرعاية الصحية.

العجوة غذاء ودواء

* القيمة الغذائية والدوائية لتمر العجوة. قدمت الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني دراسة متعمقة حول الخصائص الغذائية والطبية لتمر العجوة، أحد أبرز أنواع التمور في العالم الإسلامي. ركزت الدراسة على التحليل الكيميائي لمكونات العجوة التي تشمل نسباً عالية من الفيتامينات مثل B1 وB2، والمعادن كالبوتاسيوم والمغنسيوم، والألياف الغذائية التي تعزز صحة الجهاز الهضمي. أوضحت الدكتورة سعاد الجاعوني أن تمر العجوة يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات، التي تعمل على مكافحة الجذور الحرة، مما يحمي الخلايا من التلف ويقلل من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما سلطت الدراسة الضوء على فاعلية العجوة في تعزيز صحة الكبد؛ حيث أظهرت التجارب المخبرية أن مستخلصات التمر تعمل على تخفيف التهابات الكبد وتقليل تراكم الدهون عليه. وأوصت باستخدام تمر العجوة في الصناعات الغذائية والدوائية لتطوير مكملات غذائية ومستحضرات علاجية طبيعية تهدف إلى تعزيز المناعة وتحسين الصحة العامة.

* دمج المعرفة التقليدية مع الممارسات الحديثة. قدمت الدكتورة آمي ستيل نموذجاً مبتكراً لدمج المعرفة التقليدية مع الطب الحديث. ركزت على تطوير إطار عمل يعتمد على استخدام النصوص والممارسات التقليدية كأساس لتصميم بروتوكولات علاجية حديثة. أظهرت الدراسة أن تكامل الطب التقليدي مع الطب الحديث يمكن أن يعزز فاعلية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية، مع التركيز على أهمية التوثيق العلمي للمعرفة التقليدية لتصبح مقبولةً في الأوساط الطبية العالمية. وأوصت الباحثة بتشجيع التعاون بين ممارسي الطب التقليدي والحديث، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة لاستكشاف الفوائد العلاجية لممارسات الطب التقليدي.

* مخاطر الغش في المنتجات العشبية. حذّر الأستاذ الدكتور محمد كامل من المخاطر الصحية الناجمة عن الغش في المنتجات العشبية؛ حيث يتم أحياناً إضافة مركبات دوائية غير معلن عنها مثل السيلدينافيل، المستخدم في علاج ضعف الانتصاب، والفلوكستين، المستخدم كمضاد للاكتئاب، إلى بعض المنتجات العشبية. سلطت الدراسة الضوء على الآثار الجانبية الخطيرة لهذه الإضافات، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الجهاز العصبي، خاصة عند تناولها دون وصفة طبية. وأوصى الدكتور كامل بضرورة تعزيز آليات الرقابة على المنتجات العشبية، وإلزام الشركات المصنعة بالإفصاح الكامل عن جميع المكونات لضمان سلامة المستهلكين، مع زيادة الوعي بين الأفراد حول شراء المنتجات من مصادر موثوقة.

تحديات وفرص الطب التقليدي والتكميلي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الطب التقليدي والتكميلي، يواجه هذا المجال تحديات كبيرة، مثل:

نقص الأدلة السريرية: الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوثيق الفوائد والآثار الجانبية.

التشريعات الموحدة: لضمان سلامة وجودة المنتجات العشبية.

التكامل مع الطب الحديث: تعزيز التعاون بين الممارسين والعلماء من مختلف الأنظمة الطبية.

واختتم المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي أعماله بعد رحلة علمية مميزة أثرت النقاشات العالمية حول هذا المجال الواعد. من خلال الأبحاث والعروض التقديمية. وتم تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة للطب التقليدي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة.

تُبرز هذه الفعالية أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير التشريعات والبحوث لضمان استفادة البشرية من هذا التراث الطبي الغني، مما يمهد الطريق لمستقبل صحي أكثر استدامة.