الاتصالات الإسرائيلية ـ السودانية بدأت في عهد البشير عام 2016

الوزيران السابقان غندور والمهدي الأكثر تجاوباً مع التطبيع... والمفاوضات انطلقت في تركيا

TT

الاتصالات الإسرائيلية ـ السودانية بدأت في عهد البشير عام 2016

أكدت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس (الأربعاء)، أن اللقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي جرى الاثنين الماضي في عنتيبي بأوغندا، هو نتاج اتصالات أولية في سنة 2014، تحولت إلى اتصالات حثيثة سنة 2016، في عهد الرئيس السابق، عمر البشير. وقالت، إن إسرائيل بادرت إليها حالما قررت الخرطوم قطع العلاقات مع إيران. فأحدثت انعطافاً حاداً في سياستها، من تنفيذ غارات على قوافل الأسلحة في الأراضي السودانية، إلى وساطة إسرائيلية في واشنطن والعواصم الأوروبية لرفع الحصار ومحو الديون.
وقالت هذه المصادر، إن الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجية)، «التقط بذور تغيير جوهري في توجه السودان إزاء إيران وانعكاسه على العلاقات مع إسرائيل منذ سنة 2014، في ضوء النقاشات الداخلية للقيادات السياسية. ففي حينه، وتحديداً في يناير (كانون الثاني) 2014، انطلق في الخرطوم (حوار وطني من أجل بناء مستقبل السودان). وخلال اجتماعات اللجان الست التي أقيمت لهذا الحوار، بدأت تُسمع في الجلسات نغمة جديدة حول تطبيع العاقات مع إسرائيل، شارك فيها سياسيون كبار وشباب سوادني. فأقدمت تل أبيب على خطوات عدة لتشجيع السودان على التقدم في طريق التحرر من إيران».
وكانت إسرائيل في تلك الفترة تمارس سياسة عداء للسودان على خلفية النشاط الإيراني فيه و«تحويله إلى ملجأ لقادة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) ومعبر لقوافل الأسلحة التي ترسلها إيران إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وسيناء المصرية». وقد نفذت إسرائيل ما بين 2011 و2014 عمليات قصف كثيرة في الأراضي السودانية، دمرت فيها قوافل عدة. وحاولت تل أبيب والخرطوم، في ذلك الوقت فتح قنوات اتصال بينهما. وعرضت إسرائيل خدماتها لمساعدة السودان على فك الحصار الأميركي والأوروبي المفروض عليه من سنة 2007، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل وفتح سماء السودان أمام طائرات إسرائيلية. وفي ذلك الوقت تجاوب وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، فأعلن أن بلاده مستعدة للنظر في هذه الإمكانية. وفي أغسطس (آب) من سنة 2017 تحدث وزير الاستثمارات الأجنبية في الحكومة السودانية، مبارك الفاضل المهدي، بصراحة أكبر عن ضرورة التطبيع مع إسرائيل.
لكن الدفعة القوية لفتح العلاقات، حصلت في النصف الثاني من سنة 2018، بوساطة رئيس تشاد، إدريس ديبي. وفي أغسطس من تلك السنة، عيّن نتنياهو أحد الدبلوماسيين القدامى في الخارجية، مبعوثاً خاصاً له إلى السودان. وبدأ هذا المندوب يلتقي مسؤولين سودانيين في بيت رجل أعمال تركي في إسطنبول، وبينهم مساعد كبير لرئيس المخابرات محمد العطا، الذي عُيّن لاحقاً سفيراً لبلاده في واشنطن وتولى ملف العلاقات السودانية مع إسرائيل.
وقد حصلت الدفعة القوية في العلاقات، عندما زار ديبي إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ إذ حمل معه رسالة من الرئيس السوداني البشير مفادها أن بلاده مستعدة لفتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية المدنية، المسافرة إلى البرازيل مقابل مساعدتها على كسر الحصار وتغيير سياسات الغرب تجاهه. لكن في حينه، أبدت الولايات المتحدة تجاوباً، لكن أوروبا رفضت الطلب الإسرائيلي، وأصرت على ضرورة محاكمة البشير. وعندما سقط البشير عادت إسرائيل لاستئناف جهودها. وحملت هذه المرة طابعاً جديداً، تمثل بأن «هناك تغييراً حقيقياً في السودان ولم تعد ضرورة للإجراءات العقابية عليه».
وأعلن نتنياهو، أمس، أن اللقاء مع البرهان يفتح الباب أمام مكاسب سياسية كثيرة لإسرائيل في أفريقيا وفي العالم العربي. ولمح إلى أن إحدى القضايا المهمة في إسرائيل، وجود عشرات ألوف الأفريقيين طالبي اللجوء من أبناء دارفور خصوصاً، ستجد لها حلاً في القريب. وقد أدى ذلك إلى ردود فعل غاضبة بين صفوف هؤلاء الأفريقيين والجمعيات الحقوقية التي تناصرهم وترفض قرار الحكومة الإسرائيلية للتخلص منهم. وأعرب الكثيرون منهم عن تخوفهم من الطرد.
وقال رئيس لجنة تمثلهم، علي آدم، إن «الوضع في السودان لم يتغير كثيراً؛ فالعسكريون هم الذين يحكمون اليوم. وهم الذين يحاربون أهالي دارفور». وادعى أنه في الأسبوع الماضي وحده تم طرد 4600 شخص من دارفور إلى تشاد. وناشد نتنياهو وزعماء دول الغرب ألا يتقدموا في العلاقات مع البرهان قبل أن يتعهد بتغيير جذري في سياسة الحكم إزاءهم.
المعروف أن هناك 29 ألفاً و600 أفريقي يطالبون بالاعتراف بهم لاجئين في إسرائيل، بينهم نحو 7 آلاف سوداني (الباقون من إريتريا بالأساس). وهم يحظون بتعاطف من الكثير من السكان الإسرائيليين، لكن اليمين المتطرف يطالب بالتخلص منهم. وقد قررت المحكمة الإسرائيلية قبل أسبوعين البت في طلباتهم في يوليو (تموز) المقبل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.