محاكمة نجل الرئيس الجزائري تثير جدلاً حاداً حول «استقلال القضاء»

طلاب الجامعات يواصلون التظاهر طلباً للتغيير الجذري

TT

محاكمة نجل الرئيس الجزائري تثير جدلاً حاداً حول «استقلال القضاء»

في حين تنطلق اليوم محاكمة نجل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في قضية فساد في العقار، مرتبطة بتهريب المخدرات، تظاهر أمس المئات من طلاب الجامعات بالعاصمة والمدن الكبيرة، تعبيراً عن عدم اعترافهم برئيس الجمهورية، بحجة أنه «جاء إلى الحكم بفضل انتخابات نظمتها عصابة الرئيس السابق (عبد العزيز بوتفليقة)».
وتبدأ بمحكمة الجنح «سيدي امحمد بالعاصمة»، صباح اليوم، أطوار محاكمة غير عادية، لوجود خالد تبون (نجل رئيس الجمهورية) ضمن مجموعة من المتهمين، أبرزهم رجل الأعمال تاجر اللحوم الحمراء المستثمر العقاري كمال شيخي، الشهير بـ«البوشي» (الجزار)، وهو المتهم الرئيسي، إضافة إلى قاضيين، وابن والي سابق رئيس بلدية بالعاصمة، والسائق الشخصي لمدير الشرطة السابق اللواء عبد الغني هامل، المسجون هو أيضاً بتهم فساد.
وتم سجن هؤلاء المتهمين في مايو (أيار) 2018، إثر مصادرة 7 قناطير من الكوكايين على ظهر سفينة، كانت مخبأة مع أطنان من اللحوم الحمراء تابعة لشيخي، استوردها من البرازيل، في إطار صفقة تجارية مع الجيش الجزائري.
غير أن المحاكمة المنتظرة منذ مدة طويلة لا تخص المخدرات، بل قضية فساد في مشروعات عقارية تابعة لشيخي، أثبتها التحقيق في القضية الأصلية. وجاء في التحريات التي أجرتها فصيلة الأبحاث التابعة للدرك أن كثيراً من البنايات والعمارات التي تعود له بالعاصمة، وفي أرقى أحياء المدن الكبيرة، تمكن من إنجازها في ظرف قصير بفضل تسهيلات استثنائية، وذلك نتيجة تدخل خالد تبون لدى والده الذي كان وقتها وزيراً للسكن والعمران للحصول على التراخيص اللازمة لذلك.
وكان مراقبون قد توقعوا تأثير هذه القضية سلباً على تبون، عندما خاض معترك «الرئاسية» التي جرت في 12 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ويعزى وصوله إلى الحكم إلى رئيس أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح، المتوفي منذ 40 يوماً بسكتة قلبية.
ونقلت سلطات سجن الحراش (جنوبي العاصمة) «السجين غير العادي» من الزنزانة التي كانت تجمعه مع عشرات المساجين، ووضعته في عيادة السجن، وذلك منذ انتخابه والده رئيساً. ويعود السبب إلى احتمال تعرضه لمكروه على أيدي مساجين.
ويحتدم جدل حاد في الأوساط السياسية والإعلامية بخصوص الطريقة التي سيتعامل بها القضاء مع ابن الرئيس، وتطرح تساؤلات من قبيل: هل ستتم تبرئته من التهمة، رغم أن «البوشي» أكد في التحريات أنه استفاد كثيراً من العلاقة العائلية بين خالد ووالده الوزير؟ وإذا حدث ذلك، فسيواجه الرئيس خلال مدة ولايته الأولى شبهة قوية، تتمثل في «خضوع القضاة لإملاءات لاستصدار حكم على مقاس ابن الرئيس». لكن إذا تمت إدانته، فسيؤثر ذلك لا محالة على سمعة الرئيس، محلياً ودولياً، لأن تورطه هو شخصياً في القضية سيتأكد.
وفي سياق مرتبط بالمحاكمات الكبيرة، يعالج «مجلس الاستئناف العسكري» في التاسع من الشهر الحالي ملف لويزة حنون زعيمة «حزب العمال»، والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ورئيسي جهاز الاستخبارات سابقاً محمد مدين وبشير طرطاق. وقد استأنف المتهمون الأربعة الحكم الصادر بحقهم في 23 من سبتمبر (أيلول) الماضي في الدرجة الابتدائية، وكان محدداً 15 سنة سجناً لكل واحد منهم، وذلك بناء على تهمتي «التآمر على سلطة الدولة» و«التآمر على سلطة الجيش». وتتمثل وقائع القضية في مساعٍ أجروها لعزل قائد الجيش، قايد صالح، بعد فترة قصيرة من اندلاع الحراك.
إلى ذلك، خرج طلاب الجامعات في مظاهرات أمس، وذلك للأسبوع الخمسين منذ بداية الحراك الشعبي ضد النظام في 22 من فبراير (شباط) من العام الماضي، وطالبوا بـ«تغيير جذري للنظام». كما طالبوا بـ«الحرية والديمقراطية واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية»، وبـ«دولة مدنية، وليس عسكرية».
ورفع طلاب «الجامعة المركزية» صور زملاء لهم اعتقلتهم الشرطة في الأسابيع الماضية بسبب المشاركة في المظاهرات، وأدان القضاء كثيراً منهم بتهمة «المس بالوحدة الوطنية»، واستعاد بعضهم حريته بعد انتهاء العقوبة (6 أشهر سجناً في الغالب).
في غضون ذلك، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمس، قراراً بالعفو عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين يقضون أحكاماً بالسجن أقل من ستة أشهر، في الوقت الذي يسعى فيه لكسب التأييد بعد أشهر من الاضطرابات السياسية.
وقال تبون، الذي أمر الشهر الماضي أيضاً بالإفراج عن عشرات الأشخاص الذين احتُجزوا لمشاركتهم في الاحتجاجات، إن أهم أولوياته استعادة الثقة. كما وعد أيضاً بعملية لعرض تعديلات دستورية على الرأي العام من خلال استفتاء بهدف إلى منح البرلمان دوراً أكبر، وزيادة الحريات السياسية.
وبرّأت محكمة في الجزائر أول من أمس، سمير بن العربي، الناشط والقيادي في الحركة الاحتجاجية، الذي احتُجز لأكثر من أربعة أشهر بتهمة الإضرار بالوحدة الوطنية.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.