«قاموس الأدباء» يخطف جائزة «كتاب العام».. ويثير الجدل

وزير الثقافة والإعلام كرم الفائز في احتفالية أقامها النادي الأدبي بالرياض

وزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجه (يسار) يكرم دارة الملك عبد العزيز الفائزة بالجائزة
وزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجه (يسار) يكرم دارة الملك عبد العزيز الفائزة بالجائزة
TT

«قاموس الأدباء» يخطف جائزة «كتاب العام».. ويثير الجدل

وزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجه (يسار) يكرم دارة الملك عبد العزيز الفائزة بالجائزة
وزير الثقافة والإعلام د. عبد العزيز خوجه (يسار) يكرم دارة الملك عبد العزيز الفائزة بالجائزة

كرم وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه، مساء أول أمس ، في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، دارة الملك عبد العزيز بمناسبة فوز كتاب «قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية» الصادر عنها عام 1435 - 2014 بجائزة نادي الرياض الأدبي «كتاب العام» ضمن (الدورة السابعة) بناء على توصية لجنة التحكيم، وموافقة مجلس إدارة النادي. وتبلغ قيمة الجائزة التي ينظمها النادي بالشراكة مع بنك الرياض مائة ألف ريال، إضافة إلى درع الجائزة وبراءتها.
وبهذه المناسبة، ألقى وزير الثقافة والإعلام كلمة، أكد فيها أن هذا الحدث يرمز إلى الاحتفال بالعلوم والمعارف في كل الجوانب الحياتية والعلمية، كما أن تخصيص الجوائز للكتاب والمؤلفين ما هو إلا عرفان بدورهم في الحياة الإنسانية، «فالمنجزات الثقافية التي تحققت في بلادنا على المستوى الفردي أو المؤسساتي تستحق الاحتفاء بها وتقديمها إلى الآخر وإبرازها لتكون دلالة على أصالة الثقافة السعودية وعمق تجربتها وتطورها واستفادتها من كل التجارب والمنجزات الإنسانية برؤية حديثة واعية ومتزنة».
وعلق عبد الله الحيدري - المشرف العام على الجائزة ورئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض – في افتتاحية الحفل أن هذه الجائزة هي أنموذج رائع للشراكة الناجحة بين المؤسسات الثقافية الحكومية ممثلة في النادي، وبين بنك الرياض، مؤكدا أن منح الجائزة لدارة الملك عبد العزيز عن كتاب «قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية» هو احتفاء بهذا العمل الشمولي المهم الذي يتسم بالرصانة والدقة والعمق، قائلا «إذا كانت الجائزة مُنحت في الدورات الست الماضية لأفراد، فإن لجنة التحكيم أوصت بأن تمنح الجائزة في هذه الدورة لمؤسسة علمية وثقافية».
ويأتي هذا المشروع إيمانا بأهمية الأدب والأدباء ودورهم المهم في الحركة الثقافية السعودية.. «من أجل ذلك كانت الحاجة ملحة لوجود قاموس شامل يسلط الضوء على الحركة الأدبية في المملكة»، كما يؤكد ذلك فهد السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، الذي قال خلال تسلمه للجائزة «لقد حرصت الدارة وبتوجيه كريم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة الدارة، على إصدار قاموس يعرّف بالشعراء والروائيين وكتّاب القصة القصيرة والمقالة الأدبية والباحثين والنقاد والمسرحيين وكتّاب السيرة الذاتية والمترجمين للكتب الأدبية من أبناء المملكة، ويشير إلى أبرز أعمالهم ونشاطاتهم الثقافية، وأهم مؤلفاتهم، ويسرد عددا من المراجع المتصلة بهم.. كما يعرّف القاموس بأشهر المؤسسات الثقافية والأدبية في المملكة، وأبرز الكتب والدوريات والمجلات والجوائز والفنون الأدبية في المملكة».
يقع المشروع في ثلاثة مجلدات، بنحو ألف وتسعمائة صفحة ملوّنة، حيث بلغت مواده 908 مواد، منها 94 عن الأدب، و813 عن الأدباء، منها 138 عن النساء، و675 عن الرجال.
ورغم الاحتفاء والإشادة بفوز «قاموس الأدباء» بجائزة العام فإن ذلك قد أثار حفيظة الأدباء والمثقفين الذين وضعوا علامات استفهام أمام قرار اختيار لجنة التحكيم له، ومنح الجائزة لمؤسسة وليس لأفراد ومثقفين كما جرت العادة. يشير لذلك الباحث والمؤرخ السعودي قاسم الرويس، الذي قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن كون المشرف على الجائزة ورئيس النادي الأدبي هو أحد أعضاء اللجنة العلمية المشرفة على القاموس، علاوة على أن الأمين العام للجائزة هو أحد المشاركين في إعداد القاموس، أمر يثير علامات استفهام كبيرة وعلامات تعجب عملاقة حول جائزة ناد تشترط ألا يكون الفائز أحد أعضاء مجلس إدارتها أو من أعضاء لجنة الجائزة. إضافة إلى أن لائحة الجائزة نصّت على أن الجائزة تمنح للباحثين والمبدعين، أي ليس للجهات والمؤسسات».
ويضيف «إنه ما دامت الجائزة تتسم بشروط ومعايير واضحة وعادلة تطبق بدرجة عالية من الانضباط والشفافية والنزاهة في كل إجراءاتها فلا يستطيع أحد أن يشكك في نتائجها، لكن القائمين على الجوائز عادة هم الذين يتسببون في إثارة اللغط حولها وفي مصداقيتها بتفريطهم في تطبيق الضوابط والمعايير التي وضعوها بأنفسهم لسبب أو لآخر، مما يضعف الثقة فيها وفي نزاهتها وبالتالي تفقد قيمتها الحقيقية وتفرّغ من رسالتها النبيلة، فالجوائز استحقاق وليست تكريما».
إلا أن الرويس قال مستدركا «لكن هذا لا يعني أن (قاموس الأدب والأدباء) لا يستحق الاحتفاء، بل هو مشروع علمي مرجعي يستحق التقدير والاحترام، وعلى الرغم من وجود أعمال وجهود سبقته في التعريف بالأدب والأدباء في السعودية، فإنه يمتاز عنها بكونه أول عمل جماعي يشترك فيه عدد كبير من المتخصصين السعوديين الذين قارب عددهم السبعين تحت إشراف مؤسسة علمية متميزة ووفق منهجية علمية موحدة، كما أن من مزاياه تغطيته لكل مناطق المملكة وعنايته بالشباب وتضمينه الصور الشخصية».
يذكر أن التصفية النهائية لإعلان الفائز بجائزة «كتاب العام» جاءت بعد فرز 86 كتابا ترشحت للجائزة، انحصرت بين ثلاثة كتب هي «خطاب الجنون في التراث العربي - الحضور الفيزيائي والغياب الثقافي» لأحمد بن علي آل مريع. أما الكتاب الثاني فهو «قاموس الأدب والأدباء في السعودية»، الذي منح الجائزة، بينما كان الكتاب الثالث الذي دخل دائرة السباق هو «الأعمال الشعرية الكاملة للدكتور صالح الزهراني» من إصدارات نادي جدة الأدبي.



ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
TT

ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية

كشفت أعمال المسح المتواصلة في الإمارات العربية المتحدة عن مواقع أثرية موغلة في القدم، منها موقع تل أبرق التابع لإمارة أم القيوين. يحوي هذا التل حصناً يضمّ سلسلة مبانٍ ذات غرف متعددة الأحجام، يجاوره مدفن دائري جماعي كبير. وتُظهر الدراسات أن هذه المنشآت تعود إلى فترة تمتد من الألف الثالث إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وترتبط بمملكة عُرفت في تراث بلاد الرافدين باسم ماجان. خرجت من هذا التل مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية كبيرة في الأساليب، وضمَّت هذه المجموعة بضع قطع ذهبية، منها قطعة منمنمة على شكل كبش، وقطعة مشابهة على شكل وعلَين متجاورين.

يقع تل أبرق عند الخط الحدودي الفاصل بين إمارة أم القيوين وإمارة الشارقة، حيث يجاور الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة. شرعت بعثة عراقية باستكشاف هذا الموقع في عام 1973، وبعد سنوات، عُهد إلى بعثة دنماركية تابعة لجامعة كوبنهاغن بإجراء أعمال المسح والتنقيب فيه، فأجرت تحت إدارة العالِم دانيال بوتس خمس حملات بين عامَي 1989 و1998. خرج تل أبرق من الظلمة إلى النور إثر هذه الحملات، وعمد فريق من الباحثين التابعين لكلية برين ماور الأميركية وجامعة توبنغن الألمانية على دراسة مكتشفاتها في 2007. تواصلت أعمال التنقيب في السنوات التالية، وأشرفت عليها بشكل خاص بعثة إيطالية تعمل في إمارة أم القيوين منذ مطلع 2019.

استعاد دانيال بوتس فصول استكشاف هذا الموقع في كتاب صدر عام 1999 تحت عنوان «ماجان القديمة... أسرار تل أبرق». زار الباحث تل أبرق للمرة الأولى في 1986، يوم كان يقود أعمال التنقيب في مواقع مجاورة، وزاره ثانية بعد عامين، بحثاً عن مؤشرات أثرية خاصة تتعلّق بالأبحاث التي كان يقودها، وكان يومها يعتقد أن تاريخ هذا التل يعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ثم عهد إلى العالِمة الدنماركية آن ماري مورتنسن بمشاركته في استكشاف هذا الموقع، وتبيّن له سريعاً أن الأواني التي كشفت عنها أعمال المسح الأولى تعود إلى القرون الثلاثة الأولى قبل الميلاد بشكل مؤكّد. إثر هذا الاكتشاف، تحوّل موقع تل أبرق إلى موقع رئيسي في خريطة المواقع الأثرية التي ظهرت تباعاً في الأراضي التابعة للإمارات العربية المتحدة، وتوّلت البعثة الدنماركية مهمة إجراء أعمال المسح المعمّق فيه خلال خمسة مواسم متتالية.

حمل عنوان كتاب دانيال بوتس اسم «ماجان القديمة»، وهو اسم تردّد في تراث بلاد الرافدين، ويمثّل جزءاً من شبه جزيرة عُمان كما تُجمع الدراسات المعاصرة. يذكر قصي منصور التركي هذا الاسم في كتابه «الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي»، ويقول في تعريفه به: «تعدّدت الإشارات النصية المسمارية عن المنطقة التي عُرفت باسم ماجان، وهي أرض لها ملكها وحاكمها الخاص، أي إنها تمثّل تنظيماً سياسياً، جعل ملوك أكد يتفاخرون بالانتصار عليها واحداً تلو الآخر». عُرف ملك ماجان بأقدم لقب عند السومريين وهو «إين» أي «السيد»، كما عُرف بلقب «لوجال»، ومعناه «الرجل العظيم». واشتهرت ماجان بالمعادن والأحجار، وشكّلت «مملكة ذات شأن كبير، لها ملكها واقتصادها القوي»، ودلَّت الأبحاث الحديثة على أن مستوطنات هذه المملكة، «بما فيها الإمارات العربية وشبه جزيرة عُمان الحالية، كانت لها قاعدة زراعية، ولكي تجري حماية استثماراتهم هذه شعر المستوطنون بضرورة بناء التحصينات الدفاعية الممكنة لقراهم، حيث احتوت كل قرية أو مدينة صغيرة على أبراج مرتفعة، بمنزلة حصن مغلق واسع، يتفاوت ارتفاعاً ومساحةً بين مدينة وأخرى». يُمثّل تل أبرق حصناً من هذه الحصون، ويُشابه في تكوينه قلعة نزوى في سلطنة عُمان، وموقع هيلي في إمارة أبو ظبي.

يتوقّف دانيال بوتس أمام اكتشافه قطعةً ذهبيةً منمنمةً على شكل كبش في مدفن تل أبرق، ويعبّر عن سعادته البالغة بهذا الاكتشاف الذي تلاه اكتشاف آخر هو كناية عن قطعة مشابهة تمثّل كما يبدو وعلَين متجاورين. وتحمل كلٌّ من هاتين القطعتين ثقباً يشير إلى أنها شُكّلت جزءاً من حليٍّ جنائزية. إلى جانب هاتين الحليتين الذهبيتين، تحضر حلقة على شكل خاتم، وقطعة على شكل ورقة نباتية مجرّدة، إضافةً إلى زر صغير، وتُكوّن هذه القطع معاً مجموعة ذهبية صغيرة تجذب ببيرقها كما بصناعتها المتقنة. يحضر الكبش في وضعية جانبية، ويتميّز بطابع تجسيمي دقيق، يتجلى في جانبيه. في المقابل، يحضر الوعلان متقابلين بشكل معاكس، أي الذيل في مواجهة الذيل، ويتميّزان كذلك بحذاقة في التنفيذ تظهر في صياغة أدّق تفاصيل ملامح كل منهما.

يذكر احد النقوش أن «لوجال ماجان»، أي عظيم ماجان، أرسل ذهباً إلى شولكي، ثاني ملوك سلالة أور الثالثة الذي حكم من 2049 إلى 2047 قبل الميلاد. ويربط دانيال بوتس بين قطع تل أبرق الذهبية وبين هذا الذهب، مستنداً إلى هذه الشهادة الأدبية، ويجعل من هذه القطع قطعاً ملكية ماجانية. في الخلاصة، يبرز كبش تل أبرق ووعلاه بأسلوبهما الفني الرفيع، ويشكّلان قطعتين لا نرى ما يماثلهما في ميراث مكتشفات تل أبرق الذي ضمّ مجموعة من البقايا الحيوانية، تُعد الأكبر في شبه الجزيرة العربية.

من هذا الموقع كذلك، عثرت البعثة الإيطالية في عام 2021 على مجموعة من اللقى، منها تمثال نحاسي صغير على شكل وعل، يبلغ طوله 8.4 سنتيمتر. يعود هذا التمثال إلى فترة زمنية مغايرة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي، ويتميّز بطابعه الواقعي الذي يعكس أثراً هلنستياً واضحاً. يماثل هذا التمثال مجموعة كبيرة من القطع مصدرها جنوب الجزيرة العربية، كما يماثل قطعاً معدنية عُثر عليها في قرية الفاو، في الربع الخالي من المملكة السعودية.