كشفت دراسة أجريت حول لاعبي كرة القدم في البرازيل، أن الوقت الذي ينفقه اللاعبون في استخدام هاتف ذكي أو «كونسول» (وحدة تحكم في لعبة فيديو) قبل مباراة ما، يسبب إرهاقاً ذهنياً يؤثر على أدائهم.
والسؤال: هل يمكن أن يؤثر قضاء وقت طويل للغاية عبر «تويتر» أو «فيسبوك» أو «إنستغرام» على أداء لاعب كرة قدم؟
يبدو أن مسؤولي نادي مانشستر يونايتد يعتقدون ذلك. وأشار أحد التقارير الصادرة عن النادي قبيل مواجهتهم مع ليفربول الأخيرة في استاد «أنفيلد» إلى أن النادي «يستشير خبراء رفيعي المستوى» بخصوص كيفية معاونة اللاعبين النجوم بالفريق على التغلب على التأثيرات الذهنية السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي. ولمح التقرير كذلك إلى وجود مخاوف بخصوص معاناة اللاعبين من تراجع في مستويات الأداء، نتيجة تعرضهم لإساءات عبر شبكة الإنترنت.
وربما يقترح البعض ضرورة أن يتحلى اللاعبون فحسب بـ«الرجولة»؛ لكن العلماء يحولون اهتمامهم بصورة متزايدة خلال الفترة الأخيرة نحو كيف يمكن للإرهاق الذهني، بمعنى غياب الطاقة التي نشعر بها بسبب فترات طويلة من النشاط الذهني الخالص، التأثير على الأداء الرياضي.
الأسبوع الماضي، نشرت دراسة أجراها عدد من الأكاديميين حول لاعبي كرة قدم برازيليين، في «دورية العلوم الرياضية» العريقة. وخلصت الدراسة إلى نتيجة كاشفة للغاية، مفادها أن «الوجود في شبكات التواصل الاجتماعي من خلال هواتف ذكية أو ممارسة ألعاب الفيديو لمدة 30 دقيقة على الأقل قبل مباريات رسمية، يعيق قدرة لاعبي كرة القدم المحترفين على اتخاذ القرارات بصورة صائبة». أما النصيحة التي وجهها الباحثون إلى المدربين فكانت على النحو التالي: «ينبغي للمدربين تقييم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية، أو ممارسة ألعاب الفيديو قبل المباريات الرسمية من جانب لاعبي كرة القدم».
ومن السهل تخيل كثير من المدربين المنتمين للمدرسة القديمة، وقد ارتسمت الدهشة على وجوههم وتعالت أصواتهم قائلين: «أخبرونا شيئاً لم نكن نعرفه منذ 10 سنوات على الأقل».
ومع هذا، تتسم الدراسة التي حملت اسم «تأثير الهواتف الذكية وألعاب الفيديو على صنع القرار لدى لاعبي كرة القدم: دراسة متقاطعة وعشوائية»، بأهمية كبيرة؛ لأنها تدعم ذلك الاعتقاد الفطري الذي ساد منذ وقت طويل بأدلة علمية قوية.
واعتمدت أبحاث الأكاديميين على سلسلة من المباريات التي أجريت استعداداً للموسم الجديد، من جانب لاعبين محترفين بناديين في البرازيل. وقبل كل مباراة، قسَّم الباحثون اللاعبين إلى ثلاث مجموعات. شاهدت المجموعة الأولى الخاضعة للسيطرة فيديوهات لمدة 30 دقيقة، بينما تابع أفراد المجموعة الثانية شبكات التواصل الاجتماعي عبر هواتفهم الذكية خلال المدة ذاتها. أما المجموعة الثالثة فلعبوا «فيفا 18».
أيضاً، خضع اللاعبون لاختبار «تأثير ستروب»، وهو أحد الاختبارات النفسية الشهيرة، قبل وبعد هذه النشاطات، لتقييم مدى شعورهم بالإرهاق الذهني. بعد ذلك، مارس اللاعبون الإحماء وخاضوا مباراة لمدة 90 دقيقة، وجرى تصويرهم وتحليل أدائهم. وبعد ثلاثة أو أربعة أيام، بدل اللاعبون نشاطهم قبل المباراة، وخاضوا 90 دقيقة أخرى. بصورة إجمالية، جرى لعب ست مباريات، ولتحفيز اللاعبين جرى إخبارهم بأنه سيجري الاعتماد على هذه المباريات في اختيار أفراد الفريق الأساسي بمجرد انطلاق الموسم.
إلا أن الأمر لم ينته هنا، وإنما طلب الأكاديميون من المشاركين تقييم مستويات الطاقة لديهم قبل كل مباراة، لتقييم مستوى التعافي من المباراة السابقة. وبعد ذلك، جرى تحليل مستويات حامض اللاكتيك بالدم. أيضاً، طلب الباحثون من اللاعبين تحديد معدل المجهود الذي بذلوه أثناء المباراة.
وبجانب كل ذلك، حرص محللان متمرسان على مشاهدة كل مباراة. وكانت المهمة الموكلة إليهما بسيطة: تقييم كل تمريرة يطلقها كل لاعب، وتقييم ما إذا كانت قراراً صائباً. وبعد تحليل الأرقام، وجد العلماء أنه بينما نفذ أفراد المجموعات الثلاث (مشاهدو الفيديو، ومشاهدو شبكات التواصل الاجتماعي، ولاعبو «فيفا 18») عدداً مشابهاً من التمريرات بوجه عام، فإن مستوى جودة صنع القرار المتعلق بالتمريرات تراجع بين اللاعبين الذين استخدموا شبكات التواصل الاجتماعي أو لعبوا «فيفا 18» قبل المباراة، لدى مقارنتهم بمن شاهدوا فيديوهات على نحو سلبي دون تفاعل معها.
إذن ما الذي يحدث؟ نحن جميعاً نعلم أن كرة القدم رياضة ديناميكية وتكتيكية للغاية، الأمر الذي يفرض متطلبات ذهنية كبيرة على عملية صنع القرار. وخلص الأكاديميون المعنيون بالدراسة إلى أن التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو لعب «فيفا 18» يؤدي إلى فترة طويلة من المحفزات الكهربية في مناطق معينة من المخ، ما يؤدي إلى تقليص سرعة معالجة المعلومات، وبالتالي مستوى أقل من النجاح في دقة صنع القرارات.
وأوضح الأكاديميون أنه: «عندما يصاب الرياضيون بالإرهاق الذهني، فإنهم عادة ما يولون فترات تركيز طويلة على خصومهم، وفترات تركيز أقل على أقرانهم بالفريق. ومن الممكن ألا يتمكن الرياضيون المرهقون ذهنياً من تفسير المواقف على النحو الصائب أو توقع تصرفات الخصوم، ما يؤثر بدوره بالسلب على اختيار اللاعبين لخطواتهم التكتيكية أثناء المباريات».
بوجه عام، تعتبر هذه دراسة قصيرة، وواحدة من الدراسات القليلة للغاية التي تفحصت أدلة ملموسة حول الصلة بين استخدام الهواتف الذكية وألعاب الفيديو ومستوى أداء اللاعبين الصفوة داخل أرض الملعب. ومع هذا، تنبغي الإشارة هنا إلى أن هناك دراسات أخرى حول أداء رياضيين من خارج النخبة، توصلت إلى أن الإرهاق الفكري أدى إلى ردود أفعال أبطأ وأقل دقة، ومستوى أقل من الإدراك البصري؛ بل وتراجع في الحركة الجماعية للفريق في المباريات غير الخطيرة.
إضافة لذلك، توصلت دراسات معملية إلى بعض الأدلة التي توحي بحدوث تراجع في مستويات الأداء والتحمل، في أعقاب خوض مهمة تشكل تحدياً ذهنياً. على سبيل المثال، توصلت إحدى الدراسات إلى تراجع كبير في المنتج من القوة خلال تجربة ركوب دراجات لمدة 20 دقيقة، عندما كان الرياضيون مرهقين ذهنياً.
وتوصلت أبحاث أخرى اعتمدت على مقابلات جرت مع رياضيين أستراليين من النخبة، إلى أن الإرهاق الذهني من الممكن أن يؤثر سلباً على أداء اللاعبين عبر سبل أخرى، منها تراجع الحافز والحماس، وتضاؤل مستوى التركيز في التفاصيل.
وربما لا يشكل معظم هذه النتائج مفاجأة لكثيرين؛ إلا أنه بعد سنوات من تركيز الأكاديميين على الطبيعة البدنية للإرهاق في مواجهة الجوانب الذهنية، فإنه حان الوقت بالتأكيد للتركيز على المسببات المحتملة للشعور بالضغط العصبي، وصلتها بالشعور بالإرهاق الذهني في المستوى الرياضي النخبوي.
في كل الأحوال، تبدو الرسالة العامة الصادرة عن الأكاديميين البرازيليين واضحة بما يكفي: الابتعاد عن شبكات التواصل الاجتماعي قبل انطلاق المباريات مباشرة لن يفيدك في تجنب التعرض للتنمر فحسب، وإنما أيضاً قد يسهم في جعل مستوى أدائك أفضل.
شبكات التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو تضر اللاعبين
دراسة تؤكد أن 30 دقيقة فقط أمام هذه الأجهزة قبل المباريات كفيلة بالتسبب في إرهاق ذهني
شبكات التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو تضر اللاعبين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة