سان تسو... ثقافة تتخطى الحروب

وضع فلسفة فكرية بنى على أساسها المفهوم العام للاستراتيجية

تمثال سان تسو في يوريهاما - توتوري - اليابان
تمثال سان تسو في يوريهاما - توتوري - اليابان
TT

سان تسو... ثقافة تتخطى الحروب

تمثال سان تسو في يوريهاما - توتوري - اليابان
تمثال سان تسو في يوريهاما - توتوري - اليابان

من تراث فكرها ورحم حضارتها أنجبت الصين أقدم مفكر استراتيجي وواحداً من أذكي جنرالاتها عبر التاريخ، ولا خلاف على أنه المؤسس الفكري الأول للعلوم الاستراتيجية سابقاً العلماء الغربيين المُحدثين من أمثال كلاوزويتز وجوميني، فكتابه «فن الحرب» هو أقدم الكتب في هذا المجال، ولكنه مثله مثل الثقافة والفكر الصينيين يختلف في وسائله عن الفكر التقليدي الغربي المتعارف عليه.
لقد وضع «سان تسو» في هذا الكتاب فلسفة فكرية بنى على أساسها المفهوم العام للاستراتيجية والحرب بطبيعة الحال في ثلاثة عشر فصلاً، متأثراً بالإطار العام للثقافة والفكر الصينيين والمرتبطين بالعلاقة الممتدة بالزمن والترشيد كأداتين لتحقيق النصر بأقل تكلفة، فعلى حين يؤكد الفكر الاستراتيجي الغربي أن هدف الحرب هي هزيمة جيش الخصم وتقليم أظافره العسكرية استناداً إلى مقولة «إن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى» كما وضعها مؤسس علم الاستراتيجية الغربية فون كلاوزويتز، ولكن سان تسو يؤكد أن أعظم الانتصارات العسكرية هي التي تتحقق عندما لا نستخدم الجيوش في المعارك، فقط نستخدمها للمناورة لإخضاع الخصم ثم احتوائه. وهنا تبرز عبقرية الرجل عندما يؤكد أنه تجب مهاجمة استراتيجية أو فكر الخصم في الأساس ثم تحييد حلفائه وأخيراً جيشه، «فآخر خيار هو مهاجمة العدو»، على حد قوله.
وبالفعل استطاع الرجل أن يهزم عدوه على أرض الواقع وقدم النموذج الفكري لأجيال قادمة على رأسها هو شي مينه مؤسس فيتنام الحديثة، بعد حربه مع الولايات المتحدة ودحرها، والزعيم العبقري ماو تسي تونغ الذي وظّف فكره فانتشل النصر من براثن الهزيمة إبان الحرب الأهلية.
فسان تسو دعا لأن تكون السيطرة الميدانية هدفاً مهماً لتوظيفها في الأساس كأداة «للسيطرة النفسية» على الخصم، فلم يفصل الحرب عن السياسة والمجتمع في أي لحظة، بل إنه ابتكر مفهوماً لا يزال غائباً عن الفكر العام وهو مفهوم «تشي» وأقرب مرادف له هو «التيار الاستراتيجي»، فأكد أهمية الإدراك بأن الحرب جزءٌ من تيار عام يجب على الساسة والعسكريين والمفكرين وكل طاقات الدولة أن تستوعبه، ومن لا يعي الكل فقد غاب عنه معني الأمة أو الدولة.
يبدأ الرجل فكره بمقولة شبيهة بالمقولة السقراطية «اعرف نفسك»، فيؤكد أهمية أن يعرف القائد نفسه والأهم أن يعرف عدوه، ويفهم أن الهدف هو الانتصار بأقل جهد وثمن، وذلك من خلال معرفة مواطن قوة العدو وعدم التعرض لها، فيضع خمسة قوانين تجب مراعاتها وهي: «قانون المعنويات» أي كيفية الإبقاء على الروح المعنوية للجنود والضباط، و«السماء» أي التأثيرات المناخية على الحروب، و«الأرض» أي التضاريس والمسافات، و«القيادة» أي المواصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد العسكري، و«الالتزام» أي كيفية تحريك الجيوش والمناورة والتموين والتكلفة إلخ... ويؤكد أن القائد المحنك هو من يستخدم المناورة والمفاجأة والخديعة والحسابات الدقيقة بحيث يستطيع أن يتغلب على ذكاء الخصم، ويؤكد أنه كلما استطاع الخصم التعبئة فعليك أن تعرف كيف تفككها وتشرذم قواته بالمناورة لا بالاشتباك، وأهمية خداع الخصم فلو كان أقوى منك فيجب تفاديه، ويكون الهجوم عندما يكون الخصم غير مستعد. ثم يضع قانونه المهم بضرورة ألا تُطيل أمد الحرب؛ فلا دولة استفادت من حرب ممتدة، «فالقائد المحنك سيُخضع خصمه وجيشه من دون حرب، يحتل مدنه دون حصار، يقوّض مملكة خصمه دون عمليات ممتدة في المسرح». وقد وضع أيضاً قواعد رئيسية للاشتباك والمناورة، مشدداً على أهمية فصل القيادة السياسية عن إدارة المعركة، بل إنه في مناسبات عدة حرض القائد على عدم الالتزام بالتعليمات السياسية إذا ما كانت ستضر بجيشه وبقائه.
وقرب نهاية الكتاب صاغ الرجل أعظم فقراته على الإطلاق فيقول: «إن الأسلحة أدوات تعاسة... تُستخدم فقط عندما لا يكون هناك مناص من ذلك، فالغاضب يمكن إسعاده... ولكن الأمة المحطمة لا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها، فالميت لا يمكن إعادته للحياة».
حقيقة الأمر أن فكر سان تسو يتعدى المفهوم الضيق للحرب إلى المفهوم الأوسع للاستراتيجية العامة للدولة والفرد على حد سواء، فإننا يمكن أن نُطبق فلسفة الرجل خارج النطاق العسكري الموضوعة لها، فالاستراتيجيات والتكتيكات التي صاغها هي في واقع الأمر صالحة للاستخدام الفردي في كل التعاملات، من التعامل اليومي إلى إدارة الأعمال إلى السياسة، مروراً بإدارة العلاقات في الأُطر المختلفة، وذلك من خلال الاستعارة التطبيقية المقارنة، والأمثلة متعددة، فلو طبّقنا مفهوم الصراع الاجتماعي بدلاً من الحرب لوجدناه متطابقاً في أبعاد كثيرة، فالصدام مُكلف بطبيعته وآثاره، فإخضاع الخصوم بوسائل مختلفة في إدارة العلاقات الإنسانية يكون في الأغلب أفضل الخيارات المتاحة، كذلك فإن مبادئ الإدارة والحوكمة التي وضعها تنطبق تماماً على إدارة أي مُنشأة سواء عامة أو خاصة وفي أي مجال، ولكن أكثر ما يجذب في فكر سان تسو هو علاقته بالزمن كعنصر فعال في إدارتنا اليومية للعلاقات الإنسانية، فالزمن هو أفضل حليف أو أعتى عدو لنا، والقدرة على تسخيره ما هي إلا انعكاس لقمة الانضباط وعظمة الحكمة.



انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.