«رسائل» ليبية وأوكرانية بين بوتين وإردوغان في إدلب

الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان خلال لقائهما في إسطنبول في 8 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان خلال لقائهما في إسطنبول في 8 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«رسائل» ليبية وأوكرانية بين بوتين وإردوغان في إدلب

الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان خلال لقائهما في إسطنبول في 8 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان خلال لقائهما في إسطنبول في 8 الشهر الماضي (أ.ف.ب)

المواجهة بين دمشق وأنقرة في إدلب كانت منتظرة منذ إقرار اتفاق سوتشي. التساؤل كان حول موعد الصدام وانهيار الاتفاق ودور موسكو. ومع تراكم الغيوم بين روسيا وتركيا في ملفات أخرى مثل ليبيا وأوكرانيا، بدا أن الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان يتبادلان «الرسائل» في شمال غربي سوريا.
حاولت أنقرة «تحدي» دمشق في الصيف الماضي، عندما أرسل الجيش التركي قوافله إلى شمال حماة لحماية نقطته في مورك. وقتذاك، استعجل الجيش الروسي وساطته لمنع الصدام وضبط إيقاع خطوط التماس الجديدة: تقدم الجيش السوري إلى خان شيخون، وتقدم الجيش التركي إلى «جزيرة معزولة» شمال حماة.
هذه المرة، كان دور موسكو مختلفاً وبارداً. كررت أنقرة محاولة إرسال قوافل مدججة باتجاه سراقب شمال معرة النعمان. قاعدة حميميم لم تتدخل. رأت الجيش السوري يقصف قافلة الشريك في اتفاق سوتشي، ويقتل عدداً من جنود الجيش التركي. هذا الأخير، رد بحملة قصف من نقاطه على جبهات عدة، بل إنه استخدم طائرات «إف 16» من الأجواء التركية كي يستهدف مواقع سورية ويقتل عدداً من الجنود السوريين.
التعبير عن المواجهة العسكرية لم يأتِ على لسان ناطقين عسكريين، بل من أعلى الهرم: إردوغان قال إنه «تم تحييد» نحو 25 جندياً سورياً. الكرملين رد بالتعبير عن «القلق من وجود المسلحين» في إدلب. موسكو تقول إن أنقرة لم تبلغها سلفاً بإرسال القوافل، وأنقرة تردّ بأنها أبلغت حميميم.
قبل نحو شهر، كان «الحليفان الجديدان» إردوغان وبوتين يدشنان خط غاز استراتيجياً في إسطنبول ويتبادلان الكلمات الدافئة ويمددان هدنة إدلب ويدعوان لهدنة في ليبيا. ما الذي حصل في الأسابيع الماضية كي تفتح دمشق النار على «الضامن» التركي وأن يرد الأخير تحت أعين «الضامن» الروسي؟ تمكن الإشارة إلى ثلاثة تطورات:
1- خيبة الوساطة: استضافت موسكو برعاية روسية محادثات علنية، هي الأولى، بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، ومدير المخابرات التركي حقان فيدان. لم يحصل كل طرف في اللقاء على ما كان يريده مع أن وسائل الإعلام الرسمية احتفلت به. دمشق لا تزال تبحث عن «أفضل العروض» من الأطراف الإقليمية المتنافسة، وهي ترى أن اتفاق سوتشي مؤقت ولا يمنعها من «استعادة السيطرة على كل البلاد». أنقرة تريد إقامة طويلة في إدلب وشمال سوريا. موسكو ترى أن اتفاق أضنة هو المظلة لذلك. أما واشنطن المقيمة شرق الفرات فلا تزال تحض الجميع على «ضغط أقصى» على دمشق.
لقاء مملوك - فيدان لم يُحدث اختراقات أو تفاهمات عسكرية حول إدلب وشرق الفرات أو سياسية حول العلاقة بين دمشق وأنقرة. الجيش السوري واصل هجومه بدعم روسي على إدلب. وفيدان اجتمع مع قادة فصائل المعارضة السورية في أنقرة وأجرى اتصالاً من قاعة الاجتماع مع إردوغان الأسبوع الماضي، لتأكيد «الدعم العسكري والسياسي».
2- ليبيا: يقف الرئيسان الروسي والتركي على طرفي نقيض في الحرب الليبية المتجددة؛ أنقرة تدعم حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وتمدها بـ«مرتزقة» سوريين للدفاع عن طرابلس، وموسكو تدعم الجيش الوطني برئاسة المشير خليفة حفتر وتمده بـ«مرتزقة فاغنر» للسيطرة على طرابلس. يتواجه الطرفان في ضواحي طرابلس.
وتفيد تقارير بأن قوافل الإمداد العسكري، من ذخيرة ومدرعات ومقاتلين، زادت بعد «مؤتمر برلين» الذي شارك فيه بوتين وإردوغان وكان يُفترض أن يكرّس وقف النار. كما يقف الطرفان، الروسي والتركي، في ضفتين متقابلتين بالنسبة إلى الطموحات بثروات الغاز والنفط في البحر المتوسط والصراع الإقليمي حولها.
3- أوكرانيا: وصل إردوغان إلى كييف، أمس (الاثنين)، كي يشارك نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في اجتماع «المجلس الاستراتيجي». يبحث الرئيسان في «وضع تتار القرم وتعميق الشراكة الاستراتيجية». لا شك أن وقع هذه العبارات لن يكون موسيقياً في أُذن بوتين الذي حاول استقطاب زيلينسكي في باريس الشهر الماضي. كان لافتاً أنه في طريقه إلى كييف، أعلن إردوغان «تحييد» الجنود السوريين وأن بلاده «لم ولن تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية بطريقة غير شرعية» قبل ست سنوات. مرة أخرى، هناك خيط بين سوريا وأوكرانيا في اللعبة الدولية.
منذ تدخل الجيش الروسي في سوريا في نهاية 2015 وبعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية وموقف بوتين من محاولة الانقلاب التركية لاحقاً، حاول إردوغان «التعايش» مع جاره الجديد بعيداً من التاريخ والطموحات، وحاول بوتين استثمار ذلك في خلق تحديات جديدة لـ«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) والأميركيين والأوروبيين.
مرة جديدة، يتعرض تفاهم بوتين - إردوغان في إدلب لاختبار جديد. ولا شك أن مصيره وإمكانات الوصول إلى اتفاق جديد على ركام تفاهم سوتشي السابق بخطوط تماس جديدة في شمال سوريا، أمور ترتبط بملفات ثنائية واستراتيجية أخرى، وليبيا وأوكرانيا ملفان جديدان.



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».